يُعد موقع اليمن الجغرافي الهام على خريطة العالم أحد الأسباب التي جعلته محل أطماع كثير من القوى الدولية والإقليمية، كما أن هذا الموقع أيضًا يرفع من منسوب الاهتمام العالمي بأمنه واستقراره، كون أي تدهور أمني في هذا الموقع الجغرافي الحساس سيؤثر سلبًا على مصالح هذه الدول أو القوى في المنطقة والعالم. فالجمهورية الفقيرة التي تُعاني اضطرابًا سياسيًا منذ عدة سنوات، باتت تمثّل تهديدًا للعالم وللإقليم، فيما إذا تطورت الأمور إلى الانزلاق إلى مربع العنف، وفشلت كل المشاريع السياسية ومبادرات الحل التي يُشرف عليها مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، جمال بنعمر. وبالنظر إلى خريطة اليمن فإنه يُطل على بحر ومحيط، ويُسيطر على مضيق باب المندب الذي يمر منه 60 % من نفط العالم، إضافة إلى أنه يمتلك جغرافيا قريبة من شرايين النفط الممتدة على جسد الجزيرة العربية، وهذا، بطبيعة الحال، يفتح شهية دول الإقليم والعالم إلى إيجاد موطئ قدم لها في هذه الجغرافيا المهمة، والتحكم في الممرات المائية الدولية.
صنعاء رابع عاصمة عربية تدخل في حلف طهران وإيران بطبيعتها التوسعية لم تُخفِ تدخلها في اليمن، إذْ صرّح مسؤول كبير في خارجيتها بعد سقوط صنعاء في يد الحوثيين (الشيعة المسلحة) في ال21 من سبتمبر الماضي، بأن صنعاء هي رابع عاصمة عربية تدخل في حلف طهران، بعد بيروت، ودمشق، وبغداد. والمسؤولون الإيرانيون لا يُخفون إعجابهم بجماعة الحوثي الشيعية المسلحة، ويصفونها بأنها "امتداد للثورة الإسلامية" التي قادها الخميني، أي أن الحوثيين جزء من مخطط تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول الأخرى، ومحاولة لتطبيق النموذج الإيراني في الحكم (ولاية الفقيه) في أكثر من بلد. وبالأمس نشرت وكالة "ارنا" الإيرانية عن وفد من جماعة الحوثي زار طهران مؤخرًا، مطالبته بفتح كلية لتدريس الأدب الفارسي، إضافة إلى نوادٍ ثقافية إيرانية، ما يعني أننا أمام سيطرة إيرانية في اليمن حتى على مستوى الثقافة والأدب، فيما إذا قُدرَ للحوثيين الاستمرار في السيطرة على العاصمة صنعاء، ولم تحدث معجزة ما لإخراجهم منها.
الجغرافيا المهمة لليمن تشعل الصراع الإقليمي ونقل مصدر قبلي حضر لقاء الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، في عدن مطلع مارس الجاري، أن هادي أشار إلى أن "الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح اتفق مع جماعة الحوثي على نقل التجربة الإيرانية إلى اليمن، مقابل عودة نجله أحمد إلى الحكم، لكنهما اختلفا حول المرجعية الدينية التي يود الحوثي أن تكون من نصيبه". المصدر قال ل"شؤون خليجية": إن هادي أكد "أن صالح أرسل وفدًا من 13 نائبًا من حزبه إلى إيران، وتم التخطيط لإفشال مخرجات الحوار الوطني التي تنص على دولة اتحادية من 6 أقاليم، وأن فشل الحوار يعني فشلًا للسعودية، وللخليج عمومًا، ولمبادرته التي على ضوئها تحاور اليمنيون وتوافقوا حول شكل الدولة". وبالعودة إلى هذه الجغرافيا المهمة لليمن، فإنها بلا شك أشعلت صراعًا إقليميًا بين الدول، وهناك سباق بين الرياضوطهران في استقطاب القوى ومركز النفوذ اليمنية، خاصة في ظل ما يشبه انهيار الدولة اليمنية، ونشوء المشروعات والكيانات الصغيرة التي تعتمد على الخارج. ويرى الباحث والمحلل السياسي اليمني "عبد الناصر المودع"، أن "لإيران أكثر من هدف في اليمن، فهي تريد أن تستخدم اليمن لحصار السعودية من الجنوب، وقد يكون في وارد المخطط الإيراني مهاجمة السعودية، وذلك في حال وصل الصراع بين السعودية وإيران حالة الصدام العنيف". وأضاف "المودع" في حديث ل"شؤون خليجية": "هناك أهداف أخرى من قبيل استخدام اليمن كأحد أوراق إيران الرابحة في صراعها مع دول الإقليم وتحديداً السعودية، ومع الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول". ويعتقد "المودع " أن الإستراتيجية الإيرانية تتحرك بحسب التطورات على الأرض، فقبل سيطرة الحوثيين على صنعاء، كانت الإستراتيجية الإيرانية تركز على أن تستثمر الفوضى وعدم الاستقرار للضغط على خصومها الإقليميين، إلا أن سيطرة الحوثيين السهلة على صنعاء، وتمددهم السهل، فتح شهية إيران وكذلك الحوثيين للسيطرة الكاملة على اليمن، وهو الأمر الذي نلاحظه من خلال التحركات الإيرانية والحوثية الحالية، والتي تستهدف السيطرة الكاملة على كل اليمن، وإن بدا أن الهدف في الوقت الحالي يركز على ما كان يعرف باليمن الشمالي. وختم بالقول: "أما موضوع السيطرة على باب المندب، فإنه أمر ثانوي، وإن كان يأخذ حيزًا كبيرًا في الإعلام، فمضيق باب المندب ممر دولي لا يمكن لإيران أو الحوثيين تهديد الملاحة فيه، والتهديد الحقيقي للملاحة في المضيق، أو في البحر الأحمر وخليج عدن، سيأتي من المنظمات الإرهابية أو القراصنة، وهذا الأمر يتوقع حدوثه في حال شهدت الدولة اليمنية المزيد من التدهور والفوضى". *من محمد صالح