كنت دائما ما أرثي لحال المدربين معنا نحن معشر الصحفيين، فقد تجمح بنا العواطف أحيانا إلى إطلاق العنان لكثير من التوصيفات الخبيثة والمعيبة والتي لا يقوم كثيرها على أي سند فني، فلا يجد كثير منا شماعة يعلق عليها الخيبات غير المدربين، لذلك ما أزعجني أبدا أن يثور بعض المدربين في وجوه الإعلاميين فيصفونهم بفاتحي السلخانات العلنية لذبح المدربين إرضاء لغرورهم أو استجداء لعطف قرائهم، ولا غرابة أن يكون بعض المدربين قد قرروا مخاطبة الإعلام عن بعد، بلغة خشبية لا تقدم ولا تؤخر. قبل أسابيع تابعت ما كان يعانيه لوران بلان مدرب نادي باريس سان جيرمان كلما خرج على الصحافة الفرنسية بعد مباراة تعادل فيها «البي إ س جي» أو خسر أو حتى فاز بلا إقناع، كان يبدو على الرجل شحوب واصفرار، البعض منه غضب والبعض الآخر حنق من ظلم يقع عليه ولا يطاله بالقصاص قانون الإنسانية، وقد سمعته لمرات كثيرة يقول لصحفيين هم من أبناء وطنه: «أتريدون أن ترموا كل مآسي باريس سان جيرمان على أكتافي، لا بأس، أتريدون أن تنسبوا الانتصارات للاعبين وتحملوني وحدي وزر الهزائم، لا بأس أيضا، كونوا على يقين أن جلدي مر، وأنني لن أسقط أبدا في شراككم. أشفقت حقيقة لحال لوران بلان مع صحافة كانت تنبت له الإشاعات مثل الفطريات، فكلما زاغ قطار "البي إ س جي" عن سكته لوجود إكراه هو من طبيعة سير الكبار، إلا وكان خيال الزملاء الإعلاميين يبدع وصفات وحلولا لأزمة لم تكن توجد إلا في مخيلتهم، وأكبر في إدارة النادي الباريسي أنها لم تتأثر بما هبت من رياح وبما مورس عليها من ضغط، فما زادتها أعاصير النقد إلا تشبثا بمدربها لوران بلان فحمته بما استطاعت، وكانت تخرج كل مرة تشيع فيها الفاحشة بما يفيد أن الفريق لا يبدي أي استعداد للانفصال عن مدربه. وقد كان مؤثرا للغاية ألا يتسع ملعب ستامفورد بريدج بما رحب لفرحة لوران بلان، ولاعبوه يقدمون للأمانة لقاء أسطوريا أسقطوا فيه نادي تشيلسي بمدربه الاستثنائي مورينيو وقهروا ما أصابهم في الشوط الأول من نقص عددي عندما غيب طرد قاس نجمهم زلاتان إبراهيموفيش. من شاهد لوران بلان كالطفل يرتمي في أحضان لاعبيه والدموع تغمر عينيه، ربما ظن أن الرجل وصل إلى منتهى الحلم التاريخي وأنه توج بطلا لأبطال أوروبا، ولكن من كان يحفظ التضاريس النفسية للوران بلان ومن كان يعرف ما قاساه وما عاناه من أجل أن يعبر كل حقول الألغام وكل طواحين النقد، سيقدر جيدا ما فعلته المشاعر بالرجل، فما حققه بلندن كان أكبر من فوزه سنة 1998 بكأس العالم مع الجيل الأسطوري لكرة القدم الفرنسية. لا يهم أن تكون ألسنة الخبث قد سكتت ولو مؤقتا مع التأهل البطولي «للبي إس جي» لربع نهائي دوري أبطال أوروبا، لا يهم أن تكون مدافع النقد والتشهير قد سكتت بما تحقق في ستامفورد بريدج، ما يهم أن إدارة باريس سان جيرمان انتصرت لحكمتها ونحن فخورون بذلك. *نقلا عن ستاد الدوحة القطرية