كل شيء في الجزائر لم يعد كما كان زمان، وكل يوم يمر تزداد الأمور تراجعاً وتدهوراً، ونفتقد تلك الحلاوة والنكهة والأيام الجميلة التي كانت فيها الجزائر جزائر، وكان فيها الوزير وزيرًا والمدير مديرًا، وكانت الأخلاق تطبع تصرفاتنا وعلاقاتنا، وسلطة القانون سيدة على الجميع، وكان فيها الشعب يتذوق طعم الحياة على بساطتها وصعوبتها. لقد كانت الرياضة أيام زمان متعة وفرجة، وكانت كرة القدم مدرسة تخرج منها الرجال سواء كانوا مسيرين، مدربين أو لاعبين، وكان نهائي كأس الجمهورية لكرة القدم موعدًا سياسيًا ورياضيًا وجماهيريًا، وعرسًا كرويًا يتجاوب معه سكان الأحياء والمدن، يعيشون على وقعه طيلة أيام وليالي، ويحتفل به المتوج بكيفية لا مثيل لها، ويتقبل فيها المناصرون خسارة فريقهم تقديرًا للسيدة الكأس وخصوصياتها. نهائي الأمس بين أمل الأربعاء ومولودية بجاية على قدر أهميته بالنسبة إلى عشاق الفريقين الذين وصلوا إليه للمرة الأولى في التاريخ؛ ورغم ما صنعه عشاق الخضراء والزرقاء من أجواء في الملعب وخارجه إلا أنه كان مجرد مباراة في كرة القدم لم يحضرها الرئيس ولم يحتضنها ملعب 5 جويلية، وانشغل عنها الجزائريون بسبب همومهم ووقع ما قرأوه وسمعوه عن محاكمات فضائح النهب والسلب التي مست المؤسسات ومختلف المشاريع والشخصيات السياسية التي كانت البارحة في المدرجات ولا تزال في مواقعها تثير استفزاز مشاعر الجزائريين. صحيح أن الجماهير كانت غفيرة البارحة في البليدة بحكم شعبية الأمل والمولودية، لكن أغلب نهائيات زمان كان يحتضنها ملعب 5 جويلية، وتشهد إقبالا كبيرا لهواة الكرة حتى ولو لم يكونو مناصرين لأحد الفريقين المشاركين، لكن نهائي هذا العام لم يحضره سوى عشاق الأربعاء وبجاية الذين لم تسعهم المدرجات، ولم يقدر كثيرٌ منهم على اقتناء تذاكر عرس قد لا يتكرر مرة أخرى. الجدل الذي رافق مكان إجراء النهائي شغل بدوره الناس، وأفقده كثيرًا من النكهة والخصوصية بعدما كانوا يعتقدون بأن السلطات ستفي بوعدها بإجرائه في ملعب 5 جويلية للسماح لأكثر عدد من المناصرين بالحضور! حضور رئيس الجمهورية كان زمان ملح نهائيات كأس الجزائر يضفي عليها أجواء رسمية ورمزية، ويزيد من أهميتها الجماهيرية والإعلامية، لكن غيابه المتكرر في السنوات الماضية أفقدها نكهتها وطابعها الرسمي وجعل منها مجرد مباراة عادية لا يشعر بطعمها حتى اللاعبون، وصار نهائي كأس الجمهورية مجرد حدث كروي بلا تحفيز وطعم ولا روح!
لقد بلغ الأمر درجة كبيرة من التراجع في الكثير من الأحداث والمحطات الوطنية التي لم يعد أبناؤنا يستمتعون بها بسبب التسيب والإهمال والتهاون واللامبالاة، وصار بالإمكان استعمال كل عبارات الأسف والحسرة على أيام زمان وجزائر زمان ومؤسسات زمان ورجال زمان، ونخاف أن تحل بنا لعنة لن نقدر بعدها على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد فوات الأوان واستفحال الأمراض الخبيثة والعادات السيئة. *نقلاً عن الشروق الجزائرية