قطاع واسع من النخب المثقفة اليمنية, ضد خيار انفصال الجنوب العربي عن اليمن; فمنهم من يزمجر, ومنهم من يعترض, ومنهم من يبدي استياءه من رفع أعلام الجنوب في الساحات والشوارع والمكاتب. وفي وسائل التواصل الاجتماعي يحتدم النقاش, ويبلغ ذروته بين الأطراف إلى حد كيل التهم وتبادل السباب والشتائم بين المتخالفين. ما يثير العجب من حدة الاعتراض على خيار شعب الجنوب من قبل أبناء الشمال اليمني, وفي مقدمتهم الإسلاميون الذين يتخذون من الأدلة الشرعية مستنداً واصلاً على بطلان خيار الشعب الجنوبي, مع أن الأمر ليس قطعيا, بل إنه سياسي يتوافق الناس فيه على حلول يتراضون من خلالها بينهم, وهو ما يمكن تسميته بالمناخ الديمقراطي الذي يتقبل الطرف المنهزم نتيجة الاقتراع برحابة نفس وانشراح صدر من دون تعصب أو تزمت. ولو أمعنا النظر, وتعمقنا في فهم مسوغات اعتراض النخب المثقفة “الشمالية” نجد أن ذلك مرده إلى قضايا عدة ظهرت في تصرفاتهم وتصريحاتهم سنتناولها بشيء من الاختصار. يعتقدون, أن انفصال الجنوب, بوابة الفقر والمسغبة التي سيلج الشماليون إليها! فإذا فُك الارتباط; فستتوقف الحياة الاقتصادية في اليمن, وتزداد نسب البطالة بين الرجال والشباب, وغير ذلك من المخاوف التي أصبحت تمثل كابوساً مزعجاً في مخيلاتهم, فأين الإيمان الذي تتشدقون بأنكم أهله? وأين الحكمة التي تتباهون بتردادها في مجالسكم أنكم مستحقون للقبها الشريف? إن نسبة العمالة من أبناء المحافظات الشمالية في الشركات النفطية تجاوزت 80 في المئة وأما أبناء المناطق الجنوبية الواقعة فيها الشركات لا تصل نسبتهم إلى 5 في المئة, وسيطرة الشماليين أيضاً على شركات الخدمات النفطية أمر لا يقبل التشكيك! فكيف لا يصيحون خوفاً وهلعاً من الكابوس المقبل?! احتكار التجارة والمشاريع والمقاولات, والمشاركة الفجة الظالمة في كل مشروع استثماري نهضوي فللمتنفذين الشماليين نسبتهم وحظهم يأتيهم برداً وسلاماً فهم الأصل وغيرهم التابع الذليل! والقائمة تطول في مظالم الجنوبيين يرجع إلى مظانها. الإخوان المسلمون, أو ما يعرف ب¯”حزب الإصلاح” ومن خلال نظرته التوسعية في الأعمال كافة التي تدخل في إطار توجهه الديني والخيري والسياسي, يرى أن هذا الإنفصال سيقوض نشاطه, إذ تبين أنه يعتمد بشكل كبير على دعم وتبرعات رجال الأعمال وكثير منهم جنوبي المنشأ وكذا المشاريع الكبيرة التي تتبناها فروعه في الجنوب تعطيه إتساعاً لا يستهان به, وهذا ينطبق ايضاً على جمعيات السلفيين لأنها كلها استفادت بشكل كبير من ارتباطها بمناطق الجنوب وأهلها في الداخل والخارج. لا أتحدث معترضا على التوسع, ولكن الحديث عن الخوف من ضياع المكاسب بعد قيام دولة الجنوب العربي, حتى وإن عشش الفساد وتمادى الاستبداد وفرخا في الأرض, فحزبهم يتزين بلباس المعارضة المهرِّجة, وهي وللأسف متواطئة ومساندة للمستبد. حتى وإن ذهب علي عبدالله صالح فهم لن يتخلصوا من عاداتهم السابقة مع كل من يأتي بعده. التخويف بسقوط الجنوب في يد أسماء لها ارتباطها بإيران, وهو أمر قابل للنقاش, وقد ذكرتُ في مقالة سابقة أن الشعب الجنوبي قد بلغ درجة الفرز والتمييز بين الأسماء والمسميات, لقد غسل يديه من استمرار العيش في كنف وحدة فاشلة لا تحتاج إلى الترقيع, بل إلى الإلغاء والعودة من جديد للإنسان محور الوحدة وحجر زاويتها. وقد بلغ هذا الإنسان مرحلة الرشد بخروجه وثورانه في وجه مستبديه في الجنوب قبل الشمال, فمن المستحيل أن يسقط الجنوب في يد من عرفهم الشعب بأنهم خونة ومرتزقة وجبناء تركوا الأرض المستعمرة وهي في أشد حاجتها إليهم وذهبوا يبرمون الاتفاقات لمصالحهم الذاتية وتوجهاتهم المشبوهة. ومن العجيب فعلاً, أن تجد هذه النخب بهذه الحالة الغريبة وهي كانت من قبل تتشدق بالحرية والانعتاق من الاستبداد والإبتعاد عن الظلم, وضرورة إحقاق الحق في مؤلفاتهم ومحاضراتهم وتشدق ألفاظهم وتقعر حروف كلماتهم, وأن من حق الإنسان أن يقول كلمته ويدلي بخياره ويناضل من أجل مستقبله الآمن بعيداً عن الارتباط بصور ومشاهد مازالت عالقة في الذهن تثبت في قلبه وفكره أنه من المحال استمرار الحال على ماهو عليه وأن ساعة التغيير قد حانت ولا مجال للعودة إلى الوراء. أما من يسمى شيخاً أو عالماً أو داعية, فقد نزل القضية بمنزلة الفريضة الشرعية فكانت الوحدة اليمنية في مقرراته كالصلاة والصوم وأركان الإسلام وفرائضه العظام! والعجيب أكثر أنهم يحصرونها بالوحدة بين اليمن والجنوب العربي, فماذا لو قال أبناء الجنوب أنهم يرغبون بالاتحاد مع احدى دول الخليج التي وقفت معهم وقفة تاريخية لا يمكن بحال أن تنسى, فهؤلاء المتزينون بأسماء وألقاب العلم يتوقفون وينحصرون في زاويتهم العتيقة ويقول قائلهم دعنا نبدأ بالأقرب المجاور الذي لا يعرف التاريخ وصفاً غير وصف اليمن, وهذا من البهتان العظيم والافتئات على التاريخ وتزييف للحقائق. ومن الجميل أن تجد أحد العلماء المحسوبين على الشمال بحكم النسب, وهو مقيم في الجنوب, أن ينصف ويعلنها صريحة, بان الوحدة اليمنية ليست من الثوابت الشرعية, بل هي أمر سياسي..وفي رؤية حركة النهضة في عدن أفضل الردود على أولئك الذين لووا أعناق نصوص الشرع لمصلحة قضية سياسية بحتة, لا يمكن بحال أن يتجاوز حلها الإنسان المظلوم الذي هو الأصل وهو المبدأ والمنطلق وهو المحرك الحقيقي لها, وماقامت شريعة الرب إلا لجلب المصالح له ودرء المفاسد عنه بعدل وإنصاف. نقلا عن السياسة الكويتية