أكد عبدالرحمن الراشد الصحفي المعروف والذي تولى إدارة قناة العربية منذ العام 2004 إلى العام 2014, وتولى مناصب إدارية مهمة في صحيفة الشرق الأوسط, أكد في مقال له مؤخرا على تلك الصحيفة رفضه التام لما يسميه انفصال الجنوب بناءا على معطيات استطاع اجترارها وتجميعها ومن ثم تسويقها على أساس حيثيات إستراتيجية مزعومة وغير مدروسة, تتبنى نهج مجتزأ, غير واع بالمعطيات الموجودة على الواقع, والتباينات العميقة الحاصلة والمتجذرة في البنية الاجتماعية والسياسية, مرورا بالوعي والذهنية المختلفة أصلا بين الشعبين, في الجنوب والشمال. فمنذ حرب 1994 الظالمة تم استهداف دولة الجنوب كمؤسسة سياسية وجماعة وطنية وقوة حيوية وتاريخ وهوية وأرض وثروة ونظام اجتماعي واقتصادي من قبل النظام الحاكم في الشمال, الذي استطاع من خلال منظومة الإعلام ونقاط الهيمنة الأخرى أن يروج لفكرة واحدية الثورة, والشعب والوطن, وقد كان الراشد أحد المتأثرين بذلك الإعلام والترويج.
وكما يقول الفيلسوف الشهير جان بول سارتر (أن الاستعمار يقوم على إستراتيجية النوع المتأصل الذي يهدف من خلاله المستعمر إلى التحطيم المنظم والمنهجي للطابع الخاص للسكان الأصليين بما يفقدهم شخصيتهم الوطنية وثقافتهم وعاداتهم), وقد تبين ذلك في فترة ما بعد حرب 1994 من خلال تدمير كل ماهو جنوبي, أو ما يتعلق بالجنوب كهوية وطنية وذلك من خلال سطوتهم الكاملة سياسيا واستحواذهم للصحافة والإعلام, والاقتصاد, والمقررات التعليمية و..و..و.
إن الركون إلى الأحكام القطعية المتشددة لا تمكن الكاتب أو القارئ من الإلمام بتفرعات الموضوع وحيثيات القضية بأبعادها المختلفة, والسير في هذا النهج السلفي- إذا صح التعبير- الذي سار فيه الراشد من خلال عنوان المقال (لا.... لانفصال جنوباليمن) وقوله ( الانفصال فكرة حمقاء مدمرة) قد وضعه في مأزق - بحد ذاته – ربما لن يستطيع تجاوزه بسهولة وسوف يحجب عنه شمس الحقيقة وتشعبات القضية.
الحديث عن مثل هكذا أمور يتطلب الماما عميقا بالواقع في اليمنوالجنوب, على أسس تاريخية واجتماعية وثقافية وسياسية, وهذا ما كان غائبا من خلال السطحية المفرطة التي تبناها الراشد في تناول ذلك الموضوع المتشعب أصلا, وحديثه المستمر عن مآزق ومهاوي وكوارث الانفصال أو الاتجاه بذات المسار لما فيه من تهديد لأمن الخليج حد زعمه.
أزمات الستينات والسبعينات خلقتها ظروف الحرب الباردة آنذاك, وأذكتها صراع الأيديولوجيات والاستقطاب الدولي, وليس من السهولة إسقاط وتركيب أزمات السبعينات على الخارطة السياسية الراهنة, والتبرير باستحالة الانفصال أو فك الارتباط.
المقال في حد ذاته حكم مسبق ومتسرع ومتناقض, وبحكم قرب الراشد من البلاط الملكي السعودي تتمثل قيمة المقال كونه قد يمثل الرأي السياسي السائد في المملكة, وكيفية تعاطي السلطات هنالك مع الأزمة اليمنية المستفحلة, ولا يجوز اختزال المحنة أو الأزمة اليمنية في رفض حل فك الارتباط, وإلغائه تماما من قائمة الحلول المطروحة, ولا يجوز أن يتم حسم تلك الأمور الشائكة والمعقدة بتلك الاطروحات المفرطة في التبسيط والاختزال.
ما يجدر به ككاتب أن يتبنى النهج الديمقراطي والتعبير عن تطلعات الشعوب وإبرازها ومساندة حقها الديمقراطي في تقرير مصيرها, الذي يكفله القانون الدولي والتشريعات الأممية.
وقد يستحق الحديث حول هكذا أمور إعطاء قدر من المشاركة الجماهيرية والشعبية في إبداء رأيها ومشاركتها في القرار السياسي المصيري, وأن تسنح لها الفرصة للمزيد من المشاركة السياسية, خاصة وأن الحديث عن هذه الأزمة خلال عقود مضت يرى فيه مراقبون أن النخبة السياسية قد فشلت فشلا ذريعا لاستحواذها وانفرادها بالقرار السياسي والذي غالبا ما كان منعزلا ومنفصلا عن تطلعات الشعبين.