كتب الشهيد عادل التركي على صفحته في الفيسبوك "الرجولة مالهاش قطع غيار" . . . عادل ؛ عندما استشهد كان في سن الثانية عشر ؛ كان من الرجولة مايعجز وصفه ؛ يمكن تشبيهه بفارس حميري نبيل من فرسان عصر العظمة الحميرية . بل حتى طريقة قتله كانت شاهد عيان على مدى الغيض الذي كان قاتليه يشعرون به عندما يرونه ؛ هم لم يقتلوه بالبنادق الشخصية ، بل برشاش ثقيل -دشكا- من مسافة قريبة..!!! ..
بحياته واستشهاده وضع عادل وصفين للرجولة ؛ وصف مكتوب "الرجولة ليس لها قطع غيار" ووصف منظور "الرجولة ليس لها سن ولاجنس" عندما واجه الجنود الغزاة رغم صغر سنه ، حتى أعياهم ؛ فقتلوه . . . استشهد عادل وعمره البيولوجي 12 عام ، لكنَّ عمره في حياة الجنوب سيكون طويلاً جداً .
هناك كثير خنعوا للاستعمار ، وغيرهم خدمه ، وغيرهم شرعن وجوده في الجنوب ؛ كل هؤلاء لم يكونوا أطفال ولا نساء ؛ بل كانوا ممن يصنفون فسيولوجياً "رجال" ، الصفات الظاهرة من أجسادهم تنسب إلى الرجال . . . منهم جنرالات كبار ، ومنهم رجال قبائل وشيوخ قبائل ؛ إذا رأيتهم ترهبك أشكالهم من فرط الصفات الفسيولوجية الرجولية (التي يظهرونها) . لكنَّهم ليسوا كما يقدمون أنفسهم .!!!
إذا فالرجولة ليست صفات -جسدية- ظاهرة ؛ بل هي شيء غير مرئي ؛ يمكن تشبيهها بالروح ؛ وهذه الروح تتشكل من قيم أخلاقية عليا . . . وأي إنسان يريد أن يوصف بالرجولة عليه تقمص هذه الروح ؛ هي (free size) تناسب كل المقاسات ، وكل الأعمار ، وللجنسين . . . يمكن أن يتقمصها طفل مثل الشهيد عادل التركي أو أمرأة ، وليسوا في حاجة لشوارب وعضلات .
والجماعات كالأفراد ؛ فأي جماعة يربطهم رابط معين ، يمكنها أن تسعى بشكل جماعي لبلوغ القيم العليا ، فتوسم الجماعة بكاملها "بالرجولة" ويستثنى الأفراد الذين يشذون عنها . . . يمكن أن تكون هذه الجماعة حي في مدينة ، أو مدينة بكاملها ، أو قبيلة ، أو شعب . . . التاريخ ينقل لنا عن قبائل بكاملها بلغت أعلى درجات الشرف والرجولة .
والرجولة بمعناها الحقيقي إرادة لاتخلق مع الإنسان . . . فقد يقرر الوالدان تنشأت أولادهم على القيم الأخلاقية العليا ، ولكنَّ إرادة الأولاد هي التي تقرر مايكونون عليه ؛ كثير من الجبناء والسفهاء ربَّاهم آبائهم على أسمى القيم الأخلاقية ، لكنَّهم رفضوها واختاروا لأنفسهم ردائة الأخلاق .
وإذا أردنا تصوير موضوع القيم تصوير مادي ملموس ؛ فيمكن تشبيهه بوادي كبير ؛ فيه جبال وشعاب وسهول ، فيه مروج خضراء وأراضي جرداء . . . ويمكننا تسمية هذا الوادي ب"وادي القيم" ؛ وكل القيم موجودة فيه ؛ سواء كانت قيم حسنة أو سيئة ؛ والعزة والمذلة ، والكرامة والمهانة ، والشرف والتردي ، والوفاء والخيانة ، وحرية النفس وعبوديتها ......إلى آخره . . . والقيم تتوزع في جباله وسهوله وشعابه ؛ وكل قيمه أخلاقية لها طريق ؛ قد تكون طريق الموت أو طريق السلامة ، طريق المكاره أو طريق الملذات .
وبلوغ أي قيمة أخلاقية "رفيعة أو وضيعة" يستلزم شروط ومتطلبات ؛ فالشرف والكرامة دونها تحديات ومكاره وتضحية . . . بمعنى آخر "دونها وادي السباع والضواري" ؛ ولكي تبلغ الشرف والكرامة عليك معاشرة الضواري أحياناً ، وقتالها أحياناً أخرى حتى تخضع لك وتتجاوزها . . . أمَّا المذلة والمهانة والخنوع فدونها مراعي النعاج والبقر ، خانعة لأسيادها ؛ يذبح منها مايشاء ، ويحلب مايشاء .
وقد اختارت عدن بإرادة جماعية من أبنائها "الكرامة والشرف" ؛ وسلكوا لها دروب الموت ؛ اقتحموا المنايا ، وقدموا دماء وعرق ودموع وألم ، وضحوا بكل غالي وثمينٍ . . . ومثل عدن فعلت مناطق وقبائل ومحافظات جنوبية منذ اليوم الأول . وفي الشمال كانت مأربكعدن تخوض معركة الكرامة ، ودفعت كل متطلباتها من التضحية والفداء والصبر ، ولحقتها بعد أسابيع محافظة تعز .
واليوم يمكننا القول بكل ثقة ؛ في عدن تحققت الكرامة وثبت الشرف ؛ وكان الثمن باهض ، لكنَّه يرخص أمام كرامة الشعب وسلامة الوطن ، وهاهي عدن على كل الألسن لاتذكر إلَّا وذكر معها المجد والسمو ، وصدق الشاعر أبو فراس الحمداني عندما قال :
هو الموت فاختر ماعلا لك ذكره فلم يمت الإنسان ماحيي الذكر ولا خير في دفع الردى بمذلة كما ردها يوما بسوءته عمرو