حالة التعاطف الكبيرة مع حملات الاحتجاج على السلطة الفاسدة، لا يمكن حصرها في سياق سياسي أو مناطقي أو حتى طائفي. كان جلياً وجميلاً التنوع الطبيعي الذي شكل آلاف الناس الذين نزلوا إلى وسط بيروت. وكان جلياً وجميلاً أيضاً، القلق الذي انتاب زعران الطبقة الطائفية المقيتة، فجعلهم يسرعون في ترتيب صفقات ما بقي من كعكة البلد، ويحذرون الناس من النار التي تأكل كل شيء إن أصروا على الاحتجاج. لكن الأكثر وضوحاً وجمالاً، هو الدرس المنطقي الذي يعطيه الشارع لمن يرغب، بأن القدرة على الاحتمال محدودة، ولو استمرت لسنين، وإمكانية التغيير جدية، ولو كانت تنتظر من ينظمها. قنبلة في مجلس الوزراء وسلام يهدّد: لن انتظر أحداً سلام: طاولة مجلس الوزراء ليست المكان الملائم لحل الخلافات (هيثم الموسوي) تبدو جلسة مجلس الوزراء اليوم أشبه بقنبلة موقوتة تنتظر من يشعل فتيلها. الأزمة الحكومية تزداد تعقيداً. مفتاح حلها يكمن في تنازل تيار المستقبل وحلفائه للعماد ميشال عون، لكنهم مصرون على عدم التنازل تزداد الأزمة تعقيداً. الحراك في الشارع يحاول الخروج من الصدمة التي أوقعه فيها بعض منظميه، وبعض السلطة، أول من أمس. يعيد المنظمون رصّ صفوفهم تمهيداً لمعاودة التحرك يوم السبت المقبل. السلطة في المقابل تغرق في الأزمة أكثر فأكثر. حوار حزب الله وتيار المستقبل برعاية الرئيس نبيه بري في عين التينة أمس لم يحقق أي تقدّم لحل العقد التي تجمّد عمل الحكومة ومجلس النواب. تيار المستقبل والرئيس تمام سلام، يساندهما بري والنائب وليد جنبلاط، لا يزالان متمسكين بعدم تقديم أي تنازل للعماد ميشال عون، رغم معرفة من بيدهم الأمر في التيار الأزرق أنه لا حل للمشكلات التي تشل المؤسسات من دون التنازل لعون. وفي الوقت عينه، لا يملك «المستقبل» أي تصور للحل، ويعبّر سياسيوه عن خشيتهم من ارتفاع حدة الحراك الشعبي، ومن إمكان دخول التيار الوطني الحر وحزب الله على خط التحركات الشعبية، سواء من خلال الحراك الحالي، أو عبر احتجاجات مستقلة. كلام في السياسة | إما دولة الزعران وإما زعران الدولة؟! يروي أحد المسؤولين العارفين قصة ما حصل في ساحة رياض الصلح نهاية الأسبوع الماضي، بكل أسرارها وخفاياها. يقول إن المسألة لا تفهم، إلا إذا بدأنا بسردها من بدايتها، أي من واقع قيام «دولة الزعران». دولة الزعران هي فعلياً دولة المافيا السياسية الاقتصادية المصالحية والريعية، التي قامت في ظل زمن الوصاية السورية، واستمرت خصوصاً وفي شكل أكثر فاعلية وتقية، بعد زوال تلك الوصاية. وهي دولة عابرة للطوائف والمذاهب. مافيا الحكم ومحاصصة النفايات: روائح «المستقبل» و«أمل» و«جنبلاط» تفوح في كل لبنان أزعور ويرث سكر في بيروت وافرام والأسعد للقائمقاميتين والعرب بقاعاً (هيثم الموسوي) تمخضت مناقصات النفايات فولدت بعد ثلاثة أشهر من إطلاق دفتر شروط مبتور، فوز ستة تحالفات لشركات محلية وأجنبية في مختلف المناطق اللبنانية. الشركات التي نجحت ملفاتها التقنية أظهرت فوارق كبيرة في الأسعار التي قدمتها، ويتوقع أن تشكل هذه المسألة نقطة الخلاف الأساسية أثناء مناقشتها في مجلس الوزراء اليوم. وفيما أُعطيت إشارات سياسية سلبية حول النتائج من كل من الرئيس نبيه بري والوزير الياس بو صعب، ستواجه الحكومة جلسة نقاش صعبة تختلط فيها مصالح كل فريق، مع معضلة مواقع المطامر المقترحة، لكن المؤكد ان صراخ المعتصمين خلف الجدار المستحدث في ساحة رياض الصلح، ستكون حاضرة في تقرير مصير المناقصات على وقع ضغط الشارع، علماً ان مفاعيل المناقصات لن تظهر قبل سنة ونصف، في وقت لا يزال فيه "الحل السحري" للمرحلة الانتقالية مفقوداً لم تشكل نتائج العروض المالية لمناقصات النفايات الصلبة التي أعلنها وزير البيئة محمد المشنوق أمس، مفاجأة للمتابعين لهذا الملف. لا بل إن "الأخبار" أعلنت النتائج عبر "تويتر" قبل ساعة من صدورها، بالاستناد إلى معطيات التقويم الفني التي سربت منذ مساء السبت الماضي، والتي كان لها الدور الحاسم في رسم خريطة الفائزين، قبل الدخول في تفاصيل الأسعار التي قدموها، والتي شكلت بدورها فضيحة كبرى للعارضين أنفسهم. علماً بأن تدقيقاً علمياً ودقيقاً لهذه الأسعار يظهر أنها قد اعتمدت السعر الحالي الذي تتقاضاه مجموعة افيردا (سوكلين وسوكومي) سقفاً ادنى لها، فجاءت تقريباً متساوية معها مع فارق لا يتجاوز 5 دولارات للطن في مختلف المناطق الخدماتية الست. فكيف تم توزيع الصفقة؟ شربل نحاس: محكومون بالأمل! ينبغي دعوة الموظفين إلى التحرك بعدما هددهم سلام بوقف الرواتب (مروان طحطح) أكثر من خمس ساعات أمضاها الوزير السابق شربل نحاس أمس مع منظّمي الحملات الناشطة في ساحتي رياض الصلح والشهداء، دارت خلالها نقاشات طويلة قبل صياغة نصّ نوقشت فيه كلّ كلمة تقريباً خوفاً من تأويلاتها السياسية. بعدها خرجت حملة «طلعت ريحتكم» بمؤتمرها الصحافي بعد ظهر أمس، معلنة فيه موقفها من التطوّرات الحاصلة، وداعية إلى التظاهر يوم السبت المقبل شكّلت مساهمة الوزير السابق شربل نحاس في خلفية الحراك الشبابي من خلال الاجتماع الذي سبق المؤتمر الصحافي لحملة «طلعت ريحتكم» عامل اطمئنان لكثيرين، أخافهم، في اليومين الفائتين، سلوك عدد من المنظّمين من جهة، والاتهامات المتبادلة ب«التشبيح» و«الاندساس» و«العمالة» التي وجّهت من قبل أكثر من طرف إلى بعض المشاركين في التظاهرة الأخيرة من جهة ثانية. وقد بقي نحاس، حتى بعد انتهاء المؤتمر الصحافي، يتلقى اتصالات من إعلاميين وناشطين يستفسرون منه عن التطوّرات، أو يطلبون منه تسلم القيادة، لأن «ما عنا حدا يقودنا، لكي نكمل صحّ يجب أن تكون معنا، نحن نثق بك». يشكر نحاس محدّثه على هذه الثقة، مصرّاً على حصر مشاركته ب«تقديم أي مساعدة تحتاجون إليها بعيداً عن أي دور». «طلعت ريحتكم» تلملم جراح الأحد: للتنسيق مع القوى الأخرى تداركت أمس حملة «طلعت ريحتكم» بعضاً من الأخطاء التي وقعت فيها خلال الأيام الماضية، بعدما انهالت الانتقادات عليها من قبل الناس الذين آمنوا بالشعارات التي رفعتها. كثيرون اتهموا الحملة بأنها تخلّت عن أناسها الفقراء، خصوصاً بعدما دعا منظموها القوى الأمنية إلى اعتقال جميع من بقي في ساحة رياض الصلح بعد إعلان الحملة انسحابها. رسالة إلى متظاهرٍ متفرّغ أكتب لك وأنا على يقين بأنه في الوقت الراهن، لستُ بحاجة إلى أن أكتب لمن يشاركون عرضاً في المظاهرات من الجمهور الوطني العريض. فهؤلاء اليوم كُثر، والفضل يعود إلى جهودك في تحقيق تجمّعهم والإتيان بهم الى الساحات العامة، مهما كان مآل هذا التحرّك. ما سأقوله قد يبدو باكراً أوانه ولكن، صدّقني، ليس الامر كذلك. سأطلب منك (طال عمرك) أن تتعهد مجموعة ثانية من النشاطات، في موازاة نشاطات تنظيم التظاهرات التي تتفرغ لها. أطلب منك أن تؤسس حزباً. التحدي الكبير الاستحقاق الكبير، أمام من يقود الحراك، هو في استيعاب ضحايا الوضع القائم (شبيبة المجتمع الأهلي الأكثر فقراً وفقداناً للأمل) من قبل الياقات البيضاء في ما يسمى «مجتمعاً مدنياً»، حتى لا ينقلب هؤلاء الشبان الذين ليس لديهم ما يخسرونه، سوى رتابة حياتهم وبؤسها، بوجه كل تحرك يقصيهم من الشارع، وهم أبناؤه، لا بل أسياده. أحرق نفسه في صيدا: تعبنا من البلد يتأوه عبد الرحمن الجويدي من دون القدرة على أن يتحسس الوجع الناجم عن الحروق التي تغطي جسده بسبب الرباط في يديه. يشكو من وجع في عينيه، فينادي والدته لتفركها بمنديل. يشعر كأنه مقيد على سرير المستشفى. يشيح بوجهه يميناً ويساراً بغضب مكتوم. كأن عبد الرحمن لم يفرغ غضبه كله عندما أشعل النار بجسده عصر الأحد أمام سرايا صيدا بالتزامن مع الاحتجاجات في ساحة رياض الصلح. لا يمت ابن التسعة عشر عاماً بصلة إلى حراك شعبي أو حزبي أو طائفي. لم يشارك في حياته بأي تظاهرة أو اعتصام. لكنه يمتلك في بيته أسباباً كثيرة لكي يشعل ما حوله، فاختار أن يشعل جسده المطروح مصاباً بحروق من الدرجة الثانية. يد محمد قصير يرقد الشاب محمد قصير في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت. حالته الصحية حرجة ولكن مستقرة، نتيجة الاصابة التي تعرض لها خلال تحرك نهار الأحد، وهو لم يصب برصاص مطاطي أو حي كما أشيع، بل ارتطم برأسه «جسم صلب»، بحسب ما تشير مصادر طبية داخل المستشفى. وهذا الجسم الصلب مرجّح أن يكون قنبلة مسيّلة للدموع ارتطمت برأسه وانفجرت مباشرة، ما أدى الى إحداث فجوة في الرأس، وقد أجريت له بعدها عملية جراحية استمرت لأكثر من ساعتين وتكللت بالنجاح. «بدنا نحاسب» تواجه «خمود» التحرّكات الاحتجاجية «دمّك يا محمد قصير، شعلة ثورة رح بيصير»، لم ينفك المتظاهرون الذين تجمّعوا، أمس، أمام قصر العدل في تحرّك «بدنا نحاسب» الذي دعا اليه «اتحاد الشباب الديموقراطي» و»حركة الشعب» وقطاع الطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني، ترداد هذا الشعار «نصرةً» للمتظاهر محمد قصير (21 عاماً) الذي أصيب خلال تظاهرة الاحد الماضي في رأسه، وهو في حالة حرجة. طرابلس تتضامن مع الحراك... وتعارض تحوّلاته أجواء من الحذر والقلق والارتباك عاشتها طرابلس خلال اليومين الماضيين، بالتزامن مع حراك حملة «طلعت ريحتكن» في وسط بيروت، إذ بدت عاصمة الشمال قبل ذلك هادئة بانتظار من يحرّكها ويجعلها تتفاعل مع الحراك، رغم وصول أطنان من النفايات تسللاً إليها. فعندما أطلقت الحملة اعتصامها، سارع بعض شبّان المدينة إلى النزول إلى العاصمة للمشاركة، لكن كان لافتاً أن أغلب هذه المشاركة كانت فردية.