اشعر بحزن عميق جداً وتخنق العبرة حلقي وتضيع الافكار من عقلي عند تاملي لوضع شبوة البائس , محافظتي التي كنت اتفاخر بها ايام طفولتي ، ربما يرجع سبب تفاخري لشبوة ايام الطفولة هو ان عقلي لم يكن يعي شيء عن الحضارات والثقافات وكل ما يعيه في السابق هو انساب القبائل الشبوانية وغزواتها واستقوى قبيلة على اخرى , كنت اتلهف دوماً لسماع قصص الحرب وملاحمها القديمة , لكني اليوم اشعر ان هذا الارث القبلي قد اثقل كاهلي ، وكاهل جميع ابناء شبوة . صديق لي كان يتحدث حول وضع شبوة وارثها القبلي باسى ومرارة وملامح الحزن تجتاح وجهه , وعندما اخبرته بانني كنت احب هذا الارث لحد الهستيريا حتى اني كنت اقف دائماً مدافعاً ومنافحاً ضد من يقلل من هيبة قبيلتي وتاريخها العريق والمجيد الذي لا اعلم عن مدى صحته . تبسم ثم قال : اعتقد ان ابناء شبوة جميعهم مروا بما مررت به وللاسف ان قلة قليلة استفاقت من غيبوبتها , ولكن لا تزال الاكثرية في غيبوبتها تعيش عصر ما قبل التاريخ .
في خلال حديثنا قلت له اني عندما كنت صغير كنت معجب بالشخصية الاسطورية التاريخية " الزير سالم ابو ليلى المهلهل " وكنت لا افوت حلقة من حلقات المسلسل خصوصاً بعد نشوب الحرب ، وكنت اكره شخصية جساس الجبان الذي غدر بكليب وقتله ، وارى ان ما قام به الزير هو عين الصواب وان البكريين " قوم جساس " يستحقون القتل والتشريد , ويجرفني احياناً خيالي الطفولي الذي يحمل الارث البغيض واتخيل نفسي مكان الزير ، وبعد انسجامي بدور الزير الوم نفسي كثيراً كي اعود الى واقعي لاني لا اريد ان يقتل احد من اخواني برمح جساس عصرنا .
فلما افقت من غيبوبتي اللعينة ادركت ان ما قام به الزير سالم هو الظلم بعينه وقد احتقرت حماقاته وكبرياءه وتعاليه على ابناء عمومته كذلك جساس لم يعد في نظري ذاك الجبان الحقير بعد مشاهدتي للمسلسل وانا بكامل قواي العقلية , فكليب قد طغى وتجبر وجساس ليس الا احد ضحايا تلك العقليات المتحجرة التي تجبر المرء احياناً على ارتكاب حماقات لا يطيقها وتحوله من مظلوم الى ظالم .
تبسم صديقي مرة اخرى ولكن هذه المرة في ابتسامته شيء من الالم والحسرة , وقال لن تتعافى شبوة قريباً فالكثير من ابناءها ينظرون للاخرين باستعلاء ، وما درسناه في المدارس عن العدل والحق والمساوة وحديث الرسول الاكرم الذي يقول " الناس سواسية كاسنان المشط " مجرد كلام من الصعب بل من المستحيل تطبيقه في مجتمعنا القبلي ، اما بطولات الزير وحماقاته بامكان الكثير من ابناء شبوة تطبيقها وبكل سهولة على ارض واقعنا المؤلم .
قلت له وماذا عن مثقفين شبوة , لماذا لا يقومون بحملات توعوية لمكافحة سرطان الثار الفتاك , قال ان مجتمعنا للاسف الشديد ينظر للمثقف الشبواني بنظرة ساخرة ويعتبرونه صبأ عن ارث ابائه واجداده القبلي , واستطرد قائلا : كيف تريدنا ان نفهم الجهلاء ان الله تعالى قال ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) ليس لتتقاتلوا , وايضاً قال ( ان اكرمكم عن الله اتقاكم ) ليس اقواكم .