سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أكرم المشرقي: الإعاقة الحقيقية تكمن في إلغاء التفكير وكبح جماح الطموح رغم إعاقته الجسدية إلا أن شغفه بالعلم والدراسة دفعه إلى تحقيق ما عجز عنه كثير من الشباب
في اليمن حكايات لا تنتهجها خرافية الراوي أو خيال كتاب المسلسلات والأفلام.. بقدر ما تسطر حروفها الأيام وسويعاتها العابرة في شريط العمر الإنساني.. حيث تتميز بلادنا بتنوع في المضامين ما بين دموع الألم الأكثر حضوراً وبين مساحات الورود اليانعة التي تتفتح رغم الحضور الطاغي للألم لتؤكد أن انكسار الألم يأتي باستمرار وتدفق الأمل، والإصرار على عبور شواطئ الدموع من أجل استمرار الحياة. لستُ معاقاً إن ما نسطره على هذه الصفحات ليس مجرد روتين ورقي أو فقط حكايات نسردها دون غاية، بل إن غايتها منح شبابنا نماذج يستهلون من خلالها حياتهم بكل جدية واجتهاد بإمكاناتهم وطاقاتهم حتى ولو كانت محدودة. نقاوم من خلال ما نسرده من إبداعات عوامل الإحباط التي يذهب ضحيتها الكثير من شبابنا، ونصر على البحث عن حالات قد تكون عوامل الإحباط التي تعيش فيه لا تعد ولا تحصى، لأنها تحمل بين جنباتها شعاع أمل رغم إعاقاتهم وإحباطاتهم، فهم يدركون أن الإنسان ميزه الله بالعقل والحكمة ويستطيع هذا الإنسان أن يقهر بهذا العقل كل معاناته إذا أراد أن يبلغ أحلامه النظيفة.. دون أن تقهره نظرة التمييز التي تتسبب بها إعاقة الأطراف أو غيرها. الشاب أكرم المشرقي، يحكي لنا حكاية إعاقته التي لم تمنعه من بث بذور الأمل إلى كل من حوله وعرف قصته، يوري لنا فيما يلي روايته قائلاً: قد أكون معاقاً بغياب أحد أطرافي، لكني أرى أن الإعاقة الحقيقية هي التي تجمد العقل وتفقده قدره وتحديد بوصلة مساره نحو الحياة التي خلقنا الله فيها لنكون صناع التجديد فيها. ويضيف: في عام 1986 كان مولدي في قرية لم تستجلب إليها تلك المنتجات الإنسانية التي تعنى بشئون الصحة والأمومة والطفولة وحقوق كل تلك الفئات، كغيرها من قرى اليمن المتناثرة في الجبال والسهول، وولد هناك طفل بإعاقة خلقية، ومضت الأيام والطفل أكرم عبدالله عبدالقادر المشرقي يكبر بينما قدمه اليسرى (موقع إعاقته) تشكل حملاً ثقيلاً على أسرته التي بحثت عن وسيلة تخرج طفلهم من الوضع الذي يعيش به فلم تجد غير السفر به من القرية إلى المدينة لعرضه على الأطباء الذين لم يجدوا من حل غير بتر ساقه، كون التشوهات ترتبط بالعمل الخلقي والذي يصعب في أحيان كثيرة علاجه. على الأكتاف يبدأ الطفل في تتبع حركة الأطفال من حوله وهم يذهبون إلى المدرسة كل صباح، لتقوده براءته إلى الإلحاح على أسرته ليكون مثل أقرانه من الأطفال، يحمل حقيبته المدرسية ليتعلم.. وأمام إصرار وتشجيع جده له وجدت أسرته نفسها أما تقسيم وتوزيع واجبات (حمل) أكرم كل صباح إلى مدرسته وإعادته ظهراً إلى المنزل، وكانت بداية المرحلة الحقيقية لأكرم نحو الحياة.. وإذا كانت الأسرة قد ظنت أنها رغبة في التعليم سرعان ما ستتبدد لدى أكر، غير أنهم وجدوا أنفسهم أمام رغبة تتجسد بشكل أكبر في مواصلة دراسته فارضاً عليهم الاستمرار في جدولة برنامج نقله على أكتافهم.. يقول أكرم المشرقي: لقد وجدت في جدي حفظه الله خير من يسندني ويشجعني على مواصلة دراستي ليصبح أبي وأمي وجميع أفراد أسرتي روافد لهذا التشجيع بعد أن تيقنوا أني تجاوزت مرحلة الرغبة العابرة في الدراسة وأصبحت بالنسبة لي أشبه التلسكوب الذي يمكنني منه رؤية الكون وأسراره. ويضيف: وقبل أن أتجاوز الصفوف الأولى عرفت أسرتي بوجود مركز لصناعة الأطراف، وأصبح لدي قدم صناعية، لحظتها أدركت أن مرحلة التحدي الحقيقية بالنسبة لي تبدأ من حيث يكون الاعتماد فيه على النفس دون الإحساس بما أولده من متاعب وإرهاق لمن حولي وهم يتحملون العناء اليومي لسفري من المنزل إلى المدرسة والعكس. الإعاقة.. محفز ودافع يتابع أكرم سرد ملحمته: بعد أن أصبحت لي قدم صناعية شعرت بحرية الحركة والقدرة على مواصلة دراستي في المدينة، ومكنتني أسرتي من ذلك في مدينة تعز، وكنت في رحلتي الثانية بمدرسة26 سبتمبر وهي الحاضنة لي في مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية.. وكلما كنت أتجاوز مرحلة دراسية أجد نفسي أشعر بنهم كبير لخوض معركتي مع المرحلة التالية دون الالتفات إلى إعاقتي بالرغم من القدم الصناعية التي لا تقارن من حيث الحركة والراحة الجسدية مع ما يتمتع به الإنسان العادي، إلا أني لا أنكر دور الإعاقة في خلق القيمة التحفيزية لدي لإكمال دراستي، وليس ذلك فحسب بل لقد كانت لدي رغبة أكبر في أن أتعلم أي شيء آخر.. ولهذا التحقت بدورات تدريبية في صناعة القمريات والزخرفة خلال عامي 2003-2004م قبل أن أجد نفسي كمعاق ضمن الملتحقين بجامعة العلوم والتكنولوجيا كطالب في قسم الحاسوب وتقنية المعلومات، وتخرجت منه في العام الجامعي 2009-2010م لأجد فرصتي مع صندوق المعاقين كمسئول للخدمات التعليمية ومدرب في معهد العزيمة للغات والكمبيوتر منذ ذلك الحين حتى اليوم. إعاقة تعطيل التفكير وكبح الطموح بماذا يفكر أكرم؟ كان هذا سؤالنا له بعد أن سرد قصة كفاحه في مواجهة الإعاقة، ويجيب: أنا شاب أرفض المبررات والعلل التي يقولها كثير من شبابنا الذي تلبسوا ثوب الإحباط نتيجة الإعاقة الخلقية أو المعوقات الإدارية أو الاقتصادية والظروف المعيشية التي يعاني منها كل شباب اليمن، فتركوا دراستهم وفضلوا العيش في عالم المجهول. ويؤكد: الإعاقة ليست قاصرة على ما يصيب الأطراف أو أجزاء من الجسد، إنما الإعاقة الحقيقية هي إعاقة العقل المعطل عن التفكير والطموح والإبداع، إذا توقف العقل عن كل ذلك يكون فعلاً معاقاً، كما أن الارتباط بالأمل مهما كانت الظروف صعبة لأنها مهما كانت الظروف غاية في الصعوبة فإنها لا يمكن أن تقهر المرء أو تمنعه عن مواصلة سيره نحو تحقيق غاياته وأحلامه المستقبلية إلا إذا استسلم هو لها. يحكي أكرم حكايته وآماله التي لا تزال تناجي منافذ العلم باحثة عن مساحة جديدة تمكنه من مواصلة مشواره العلمي الذي يعتبره أساس البناء والتغيير، وهي إشارة أو رسالة دفع بها أكرم في اتجاه الطاقات الكبيرة من الشباب اليمني الغارق في إحباطاته وقنوطه.