شعرت بغصة في حلقي حال سماعي بمغادرة علي البخيتي إلى ما يشبه تغريبة اختيارية في بيروت .. البخيتي لم يكن صديقي بأي يوم من الأيام ، عرفته فقط كفارس نشر فذ صاول في ساحات التواصل الاجتماعي كهزبر يقف بلا خوف للغفوري والانسي وكرمان .. كان الفيسبوك هو أشرس ساحات العراك الذي اشتمل على الجانب الأهم من ثقل تداعيات الحادي والعشرين من سبتمبر 2015م .. ولما كشف الإصلاح عن مدى قوته المفرطة في حوائط فيسبوك لم يتصور أحد أن يقف الشاب علي البخيتي بكل تلك الكفاءة النادرة ليبدد أوهام الإصلاح فيه .. تلك الساحة ضخت فيها المليارات كي تخاض المعركة مع الحوثيين دون سلاح وكان البخيتي هو السلاح الوحيد الذي جابه تلك الاسلحة من طرف الحوثيين ، هو من برز اليهم بعد ان خرست كل الألسن وعجزت عن مجاراة الطاقة الساخرة اللاذعة للغفوري والانسي .. ثبت بعد ان اقفر المعسكر الحوثي من ميزان يتساوى بالقوة مع اولئك ، ظهر بعد أن قاربت الثورة الفتية على الإفلاس في فيسبوك هرع إلى نجدتها ولولاه لكانت الثورة الزاحفة من الريف قد اخسرت معركتهم دون سلاح .. لولا اللغة القضة الطرية والتعابير السيالة والمعاني الغنية التي تفجرت من حائط علي في الفيسبوك لكانت تلك الثورة اوهام أو كانت في أسوء تقدير ثورة صماء وحراك أخرس .. كان علي البخيتي صوت الحراك الحوثي في 21 سبتمبر وكان قلب الامال والتطلعات التي تصورها الملايين في تباشير البخيتي التي صاغت أحلام البسطاء في عجينة شاب خبير عليم مثقف وواع كان هو نفسه ترجمان الثورة وضمانة للناس بأنها ستنتج من أمثاله مثقفين وملهمين .. البخيتي الفارس ينتقل إلى ساحة شرف أخرى ويفني جهدا جبارا في تصويب مسار 21 سبتمبر حينما اختطفتها الأهواء وبصمت بابهام اسود على حالات اقتحام بيوت قيادات الإصلاح بصنعاء الفارس الشاب يعيد الكرامة حتى إلى منزل توكل كرمان التي أسالت حبرا كثيرا في التقليل من شأنه على فيسبوك .. علي البخيتي يحاكي نموذج رائد أراد أن يجر أنصار الله إليه وهو يؤثث مكتبا للمحاماة في عاصمة ثورة الفلاحين أراد أن يجرهم إلى منطق الحضارة والتحاكم إلى القانون .. عاش معارضا فيهم وودع العضوية في المجلس السياسي القائد للثورة الفتية لا لشيء إلا لأنه شعر بتطلعاته تتسرب تحت أقدام " المشرفين" ، شعر بأن صقور هاشمية صنعاء قد سرقت الثورة من نوارس صعدة شعر بأن ثورته فقد فقدت عذريتها في مدينة أزال .. شرع يجر شجاعته معه وهو يبرز متحديا سلطة أنصار الله التي بلغت حد الطغيان في شأن الأسرى السياسيين في سجون الحوثيين ، وقف كما هي عادته في الصف المقابل للجبروت الذي مورس ضد الاسرى السياسين وخصوصا أسرى الاصلاح وعلى راسهم القيادي محمد قحطان .. علي البخيتي هو صاحب العجلة السادسة وليس حميد الأحمر كما يظن البعض متطلعا إلى الدور المرتقب للابن البرجوازي لشيخ مشايخ حاشد .. علي البخيتي هو من تنوع في الوطنية وغاص في المراحل منذ فبراير 2011م ، إلى مؤتمر الحوار الوطني ، إلى حراك 21 سبتمبر 2014م ، إلى الاستقالة الجريئة والعلنية من عضوية التيار المنتصر ، إلى الوقوف كمعارض للثورة التي زفها بكتاباته إلى التعرض للضرب وهو يتظاهر متضامنا مع عدو كان لدودا بالامس ، مع كل هذا المرور والمراحل التي ارتقى فيها الفتى عشرات السنين إلى الشيخوخة وتعرض لتيارات وانواء التحدي في صورة أصوات وابخرة وادخنة وهراوات مرت على صفحة وجهة مع كل ذلك يتعين أن يكون هو وليس أحد غيره صاحب العجلة السادسة التي تؤسس لدور قادم قد يقوم به هذا المغامر الجسور .. ولكن حينما تصل العلاقة بين رفقاء الامس إلى حد الضرب والشتم ، وحين تتجاوز الأصابع دواعي الاحترام المتبادل إلى السحب و "الهزر" ، حينما يعجز البخيتي عن العيش محتفظا بشجاعته وبكرامته معا ، حينما يسود نظام يخير علي البخيتي بين الاثنتين ، أعتقد أن البخيتي سيشعر حينها أن وجوده في صنعاء أصبح بلا فائدة .. غادر علي البخيتي صنعاء وودعها توديع مودع وكتب عن ذلك بما يشبه كل تلك المعاني التي تتحشرج في صدر رجل مقبل على دار اغتراب .. انتقال من اغتراب إلى اغتراب ، تلك خلاصة شاب حاول ان يعتاش بطريقة اخرى غير ما يختطها الدين والقبيلة ، كانت حياة علي البخيتي مجرد امنية لشباب مثقف تمنى وأراد أن يعيش ببلد لا يرسمها حميد أو يختطها عبدالملك ،،،