في الحلقة السابقة لم نكمل مقارنة الأحداث السياسية للفتنة الكبرى الناتجة عن مقتل الخليفة عثمان بن عفان مع الحرب اليمنية الأولى بين الشمال والجنوب في عام 1994, ولكننا سنكملها في هذه الحلقة مع الأخذ بعين الاعتبار إن ما نتطرق له في هذه الحلقة هو هام جدا لكونه يرتبط بقضايا تمس مجريات الأحداث في الثورة الجنوبية التحررية , وعلينا إن ننظر لها بتجرد وحيادية لما لها من حساسية في الوسط السياسي الجنوبي , وبالتالي فإننا نواصل استكمال هذه المقارنات على النحو التالي : 5- الخوارج : وبالنسبة لحادثة الخوارج الذين خرجوا على الإمام علي بسبب رفضهم أولا لتوقيف الحرب لغرض التحكيم وثانيا لاستئنافها من قبل علي بعد فشل التحكيم , فهم لم يخرجوا عن طاعة علي ليلتحقوا بمعاوية بل أنهم شكلوا فريق ثالث ضد كل من علي ومعاوية لينقسم جيش المسلمين التابع للدولة الإسلامية إلى ثلاثة أطراف موالية لكل من علي ومعاوية والخوارج , ولذا قرر الطرف الأخير التخلص من علي ومعاوية وعمرو بن العاص , وفيما نجح في قتل علي على يد ابن ملجم إلا إنه فشل في قتل معاوية وعمرو ابن العاص , واتبع الخوارج بعد ذلك نهج ديني متطرف بُنيت على أساسه التنظيمات المتطرفة حاليا كتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة ,... وغيرها . وبالمقابل سنجد لحالة الخوارج ما يشابهها في واقع حرب 94 وقضيتنا الجنوبية , فالذين كانوا يعترفوا بالبيض رئيسا وقاتلوا معه في الحرب ووافقوا على قراره في فك الارتباط حينها ثم تراجعوا عنه بعد هزيمة الجيش الجنوبي واحتلال الجنوب هم من يشابه حالة الخوارج , والفارق في الحالتين هو أن الذين خرجوا عن البيض في 1994م لم يخرجوا لسبب ما إلا لان البيض هُزِم في الحرب وكذا لم يشكلوا فريق ثالث ضد كل من البيض وصالح بل إن أغلبيتهم عادوا إلى عباءة نظام علي صالح تحت مسميات مختلفة فمنهم من تأطّر في حزب المؤتمر بكل صراحة ومنهم من عاد تحت يافطة المعارضة ومنهم من بقي في الخارج دون فائدة , وجميعهم تخلوا عن الدولة الجنوبية المعلنة في 1994م وقرار فك الشراكة الوحدوية ليس هذا فحسب بل انهم يحمّلوا البيض المسؤولية ويتهموه بالعمالة ووصل البعض منهم إلى طلب محاكمته , في حين انه لم يبقى على موقفه من قرار فك الارتباط إلا البيض الذي ضل قابض عليه كالقابض على الجمر حتى سانده الشعب الجنوبي الذي خرج سلميا في 2007م في إحياء هذه المناسبة الهامة بمليونيات سنوية في حين تخلى بقية السياسيون الجنوبيون عنها , وإذا سُئل سائل لماذا قبل السياسيون المشاركة في دولة الجنوب المعلنة في 94 أكان في مجلس الرئاسة أو مجلس الوزراء أو مجلس النواب بينما تخلوا عنها بعد الهزيمة وانقلبوا لمهاجمة البيض ؟!!!. الجواب لأنهم ليس في مستوى المسئولية التي تحملوها ولا يمتلكون رؤية وطنية تعيد لشعب الجنوب كرامته , بل إنهم يبحثون عن مناصب ومصالح شخصية ليس إلا , وهذا الخذلان الكبير من النخب السياسية الجنوبية هو ما اضعف موقف البيض أمام دول الإقليم والعالم ولازال يضعفه إلى حد الآن . وبعد انطلاق الحراك السلمي الجنوبي في 2007م تفتحت أبواب الأمل للرئيس البيض وحدد خط السير الذي ينتهجه متناغما مع مطالب الجماهير الثائرة في الميدان , إلا انه سرعان ما تجمعت أعداد من تلك النخب السياسية التي خرجت عن البيض وتخلت عن قرار فك الارتباط بعد هزيمة الجنوب في 7يوليو 1994م وحددت مسار سياسي آخر , وبالتالي يبرز مسارين سياسيين لحل قضية الجنوب في إطار النخب السياسية الجنوبية التي تطالب بالتحرير والاستقلال وهما: المسار الأول: الذي يتبناه الرئيس البيض مع أغلبية كاسحة من شعب الجنوب والذي يستند في نضاله من اجل تحرير الجنوب إلى المستمسكات القانونية التالية } الجنوب العربي - ثورة 14 أكتوبر- الاستقلال وقيام الدولة في الجنوب (ج ي د ش ) ثم الدخول في الوحدة بين دولتين (ج ي د ش) و (ج ع ي ) ثم قرار فك الارتباط الذي ألغى شرعية إعلان الوحدة {, وعلى هذا الأساس يتم النضال من اجل التحرير والاستقلال واستعادة الدولة, وبعد الاستقلال يتم تغيير تسمية الدولة وفق لما يقرره الشعب عبر استفتاء حر في حين إن المسار الثاني: هو } المسار الذي خرج عن مسار البيض واختلف معه , وبالتالي اخذ بعدا متطرفا بالعودة إلى ما قبل الاستقلال 1967 {,فأنصار هذا المسار لم يقروا بالمستمسكات القانونية المحددة في المسار الأول , لأنهم لا يعترفوا بثورة 14 أكتوبر ولا بدولة ج ي د ش ولا بقرار فك الارتباط , وعلى هذا الأساس يتم النضال من اجل التحرير والاستقلال وبناء الدولة على ارض الجنوب العربي الذي لا تجد لها أي صلات باليمن , وهذا الطرح يخشى من عودة النظام الجنوبي السابق نظام الحزب الاشتراكي , وهو كمّن يقول بأن لديه ارض بيضاء (لم تقم عليها دولة ) في ملكه اسمها الجنوب العربي ويريد من المجتمع الدولي السماح له ببناء دولته الجنوبية عليها دون إن يقدم الحجج والبراهين القانونية ودون إن يتبنى الثورة الحقيقية والعمل المنظم ودون إن توجد لدية الإمكانيات والقدرات الذاتية لتحقيق ذلك, وبالتالي فان هذا المسار يضر بقضية الجنوب أكثر مما يخدمها من وجهت نظر الكاتب . 6- القيادة السياسية: لما لهذه الجزئية من حساسية قد يساء فهمها في الانتقاص من قادة الإسلام سيما وأننا نتطرق إلى مقارنة السياسة المتبعة من قبل القيادات وليس مقارنة بين القيادات نفسها فنعتذر من القارئ الكريم لأي سوء فهم ,لان عثمان وعلي ومعاوية هم من صحابة رسول الله ومن المبشرين باللجنة وبالتالي لا وجه لمقارنتهم بأي شخصيات في الوقت الحاضر وما نتطرق له هو مقارنة سياساتهم المتبعة في القيادة التي عادتا تختلف بين البشر أي كانوا في مراتبهم الدينية أو الدنيوية. وسنورد بعض الإشارات في هذه المقارنة . الرئيس علي عبد الله صالح انتهج سياسة كسب ولاءات القيادات العسكرية والمشائخ وقيادات أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية والإغداق عليها بالأموال بسخاء على حساب الشعب ومتجاوزا النظام والقانون , إذ تم إطلاق العنان لهذه الفئات ومنحها الحرية الكاملة للعبث بالمستضعفين فضلا عن أذكا الصراع المذهبي والطائفي وتنمية التطرف الديني عن طريق إنشاء المدارس الدينية المتناقضة كمدارس السلفية والوهابية ومدارس الشباب المؤمن الشيعية وجامعة الإيمان , ولم يقتصر على ذلك في الشمال بل نقل كل هذه الأمراض إلى الجنوب بعد احتلاله في 94م , زد إلى ذلك بناء ترسانة عسكرية ضخمة على حساب التنمية تخدم العائلة والقبيلة والمذهب على حساب الدولة . إن تلك السياسات المتبعة التي في جوهرها ترهيب وترغيب وفرّق تسد وخلخلة المجتمع وإفساده كانت مبنية على الكذب والخداع , لان صالح يعتقد إن الكذب سياسية في حين إن السياسة ليست كذب ولا بلطجة بل هي علم بحاله , فالرئيس مهاتير محمد رئيس ماليزيا الذي نقل بلده من التخلف إلى التقدم كان صادقا وسياسيا محنكا وليس كذابا أو بلطجيا .وبالرغم من إن سياسة صالح مكنته من الحكم لفترة طويلة إلا إنها لم تبني دولة تستند على النظام المؤسسي بل عملت على تقوية المذهب والقبيلة داخل الدولة على طريقة سيدي وصانا قالي لا ترجع . أما الرئيس علي سالم البيض فكان صادقا ينفّذ عكس سياسة صالح وهي سياسة بناء الدولة المتمثلة في الالتزام للعمل المؤسسي وحفظ المال العام والتزام العسكر بالسلطة المدنية وإيصال حكم الدولة إلى كل مناطق الشمال , فكان ينطلق من أفكاره اليسارية بمكافحة الفقر والبطالة وتوفير فرص عمل للشباب وتطبيق مجانية التعليم والصحة , ولكن هذه السياسة لم تكن مقبولة للمنظومة السياسية في الشمال فتمكن الرئيس صالح من كسب ولاء العديد من القيادات العسكرية والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية المحسوبة على الجنوب والذي يعتمد عليها النائب البيض بالإغراءات والأموال والسيارات التي كانت احد الأسباب الرئيسية في خذلان البيض من رجاله وهزيمته في الحرب. أما في عهد الدولة الإسلامية فكان الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قد اتبع سياسة دنيوية مكنته من كسب ولاءات القيادات العسكرية لأنه كان سياسيا أكثر من كونه دينيا وينظر إلى السياسة نظرة مميزة بمعزل عن الدين تحاكي أمور الدنيا أكثر من الآخرة , إن هذه السياسة مكنته من كسب ولاء الجيش له في الحرب أكثر من ولائه للإمام علي رضي الله عنه الذي تعرض لهزائم من قبل معاوية , واستطاع الأخير من وضع أسس للدولة الأموية التي اشتد عودها وحققت انتصارات كبيرة في الفتوحات الإسلامية قبل إن تتفكك على أيدي العباسيين . لقد كان الإمام علي رجلا تقيا دينيا أكثر من كونه سياسيا يمارس السياسة انطلاقا من المعتقد الديني يعمل للآخرة أكثر من الدنيا , فكان حريصا على عدم التبذير بالمال العام للقادة العسكريين ورجال الجيش بل كان يحفظه في بيت مال المسلمين لتصريفه للفقراء والمساكين , ويشاع بأنه حين سؤل احد القادة العسكريين الإسلاميين عن سلوك القيادة عند علي ومعاوية قال: "إن الصلاة خلف علي لأخشع وان الأكل في موائد معاوية لأدسم ". وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأنه إذا نجحت الدولة الأموية في عهد معاوية عن طريق الجمع بين الأمور الدينية والدنيوية إلا إنها ما لبثت إن تتفكك من بعده لتقوم على أنقاضها الدولة العباسية. وإذا ما قارنا ذلك مع أي دولة أوربية في الوقت الحالي مثل بريطانيا التي تطورت عبر التاريخ من كل النواحي وأبقت على كلما هو ايجابي وتركت كلما هو سلبي ستجد إن سياسة كسب الولاءات وشراء الذمم من أموال الدولة تكاد تكون سياسة مندثرة وأي تجاوز سوف يٌعرض الرئيس نفسه للمحاكمة , وبالتالي لا يمكن تجاوز هذه السلبية في بلدنا إلا بالتقدم العلمي والثقافي وانجاز تنمية اقتصادية شامله .