تعاني المؤسسات الرسمية منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في ايار/مايو 2014 من شلل يعطل اعمالها نتيجة الانقسام بين الفريقين السياسيين الكبيرين في البلاد على خلفية الازمة السورية بشكل رئيس. ويتسبب الشغور في منصب الرئاسة بتعطيل عمل البرلمان اللبناني، نتيجة اصرار بعض الفرقاء على وجوب إعطاء الاولوية لانتخاب الرئيس قبل عقد اي جلسة تشريعية. ويتجلى هذا الشلل المؤسساتي في تعطيل اقرار مشاريع واتفاقات تتعلق بقروض دولية. قروض فرنسا تنعكس هذه الظروف السياسية بطبيعة الحال سلبًا على قرارات الجهات المانحة، وبشكل خاص البنك الدولي وفرنسا، اللذين بدآ بإلغاء قروض للبنان، تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات. وألغت باريس في وقت سابق قرضًا بقيمة 46.5 مليون يورو، كان مخصصاً لبناء مدارس، وآخر بقيمة سبعين مليون يورو، كان مخصصًا لقطاع الكهرباء في بلد لا يزال يعتمد على التقنين في التيار الكهربائي منذ نهاية الحرب الاهلية (1975-1990). ويهدد الشلل التشريعي بإلغاء قرض فرنسي آخر، بقيمة سبعين مليون يورو، مخصص لمشروع معالجة مياه الصرف الصحي في منطقة كسروان، بسبب التأخير في اقرار قانون ضروري لتنفيذه. البنك الدولي لا يقتصر الامر على فرنسا، اذ يحذر البنك الدولي منذ اشهر عدة من خسارة لبنان بشكل نهائي نصف قيمة محفظة القروض، التي تبلغ قيمتها 1.1 مليار يورو، في حال لم يتم التصديق على الاتفاقات المتعلقة بها بحلول 31 كانون الاول/ديسمبر المقبل. يتعلق الجزء الاكبر من مساعدات البنك الدولي بمشروع قرض لتمويل سد بسري في جنوبلبنان، من شأنه ان يؤمّن مياه الشفة والريّ ل1.6 مليون نسمة. وتبلغ قيمة المشروع 500 مليون دولار، وهو اعلى قرض تقدمه هذه المؤسسة الدولية إلى لبنان. ويؤكد المدير الاقليمي للبنك الدولي فريد بلحاج لوكالة فرانس برس ان "الجمود المؤسساتي دفعنا الى الغاء عدد من المشاريع المهمة على صعيد التنمية الاقتصادية في البلاد"، في اشارة الى قروض بقيمة اربعين مليون دولار. ويقول "خلال مباحثاتنا مع المؤسسات اللبنانية، نقول لهم: استيقظوا، اذ يجب فصل الجانب السياسي عن الجانب الاقتصادي والتنمية، وإلا ستكون لذلك عواقب خطيرة على البلاد". استحالة الانتظار ويوضح ان مشاريع اخرى بقيمة 500 مليون دولار هي قيد التنفيذ، "ولكن ليس بالسرعة او الفعالية المطلوبتين، وهناك مخاطرة بألا تحقق اهدافها". واعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الاسبوع الماضي انه بصدد التحضير لعقد جلسة تشريعية "في اقرب وقت ممكن" بعد تلقي المعنيين "انذارًا من البنك الدولي بإزالة لبنان عن لائحة المساعدات". ويؤكد دبلوماسي فرنسي في بيروت لوكالة فرانس برس ان "لبنان يعد أولوية بالنسبة الى فرنسا، ورغمًا عنا وجدنا انفسنا مضطرين لالغاء قروض لا نستطيع ان نواصل تأجيلها الى الابد". ويقول "لا تزال لدينا مشاريع قيد الانتظار، ونأمل ان تحصل المصادقة عليها، حتى لا نرغم على الغاء قروض من شأنها ان تفيد كل اللبنانيين". ويتعرض لبنان لسلسلة من الازمات السياسية والامنية منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في العام 2005. وزاد النزاع السوري المستمر منذ العام 2011 من حدة التوتر والانقسام بين حلفاء النظام السوري ومعارضيه. وتزامن ذلك مع تدفق اكثر من مليون لاجئ سوري الى هذا البلد الصغير، مرتبًا اعباء كبرى على الاقتصاد اللبناني المتداعي. ويقدر البنك الدولي ان ازمة النزوح كلفت الاقتصاد اللبناني نحو 7.5 مليارات دولار. خطر ابتعاد المانحين ومنذ العام 2009، لم تشهد البلاد أي انتخابات نيابية، اذ عمد المجلس النيابي الحالي الى تمديد ولايته لمرتين متتاليتين. ولم تتمكن الحكومة التي تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، وتضم ممثلين عن مجمل الاطراف السياسية من اتخاذ أي قرار مهم نتيجة الانقسام بين مكوناتها. ولم تقر الحكومات المتعاقبة اي موازنة منذ عشر سنوات، فيما تعاني البنية التحتية من ترهل، ويحتاج معظمها اعادة تأهيل. وبلغت الازمة اللبنانية حدها الاقصى خلال الصيف مع فشل الحكومة في ادارة ملف النفايات، التي تكدست في الشوارع، من دون ان تتمكن بعد اكثر من مئة يوم من اتخاذ أي اجراءات حل حاسمة. وتوضح الخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة لوكالة فرانس برس انه اضافة الى خسارة القروض، يخاطر لبنان بابتعاد الجهات الدولية المانحة تدريجيًا عنه. وتقول "بعد تحذيرات عدة، لن تعطينا الجهات المانحة فترات سماح اضافية. على لبنان ان يحافظ على مصداقيته، والا فاننا بصدد ايذاء انفسنا على المستويين المحلي والدولي". وتؤكد بلعة ان "الجهات المانحة تخصص مبالغ معينة من اجل لبنان، لكنه لا يستخدمها، في حين ان دولًا اخرى تحتاجها، وفي حال لم يتصرف بها، فقد تبتعد عنه".