اللجنة الدولية للصليب الأحمر تم تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ قرابة قرن ونصف القرن. وتسعى هذه المنظمة إلى الحفاظ على قدر من الإنسانية في خضم الحروب. ويسترشد عملها بالمبدأ القائل بوضع حدود للحرب نفسها: أي حدود لتسيير الأعمال الحربية وحدود لسلوك الجنود. وتُعرف مجموعة الأحكام التي وضعت استنادا إلى هذا المبدأ والتي أقرتها كل أمم العالم تقريبا، بالقانون الدولي الإنساني الذي تشكل اتفاقيات جنيف حجر أساسه. اللجنة الدولية للصليب الأحمر منظمة مستقلة ومحايدة تقوم بمهام الحماية الإنسانية وتقديم المساعدة لضحايا الحرب والعنف المسلح. وقد أوكلت إلى اللجنة الدولية، بموجب القانون الدولي، مهمة دائمة بالعمل غير المتحيز لصالح السجناء والجرحى والمرضى والسكان المدنيين المتضررين من النزاعات. وإلى جانب مقرها الرئيسي في جنيف، هناك مراكز للجنة الدولية في حوالي 80 بلداً ويعمل معها عدد من الموظفين يتجاوز مجموعهم 12000 موظف. هذا وفي حالات النزاع، تتولى اللجنة الدولية تنسيق العمل الذي تقوم به الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر واتحادها العام. واللجنة الدولية هي مؤسس الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ومصدر إنشاء القانون الدولي الإنساني لاسيما اتفاقيات جنيف نشأتها وتاريخها يعود الفضل في نشأة اللجنة الدولية إلى رؤية وإصرار رجل واحد. الزمان: 24 حزيران/يونيو 1859. المكان: سولفرينو, بلدة في شمال إيطاليا. اشتبك الجيشان النمساوي والفرنسي في معركة ضارية, وبعد ست عشرة ساعة من القتال كانت ساحة القتال تغص بأجساد أربعين ألف من القتلى والجرحى. وفي مساء اليوم نفسه وصل مواطن سويسري يُدعى "هنري دونان" إلى المنطقة في رحلة عمل. وهناك راعته رؤية آلاف الجنود من الجيشين وقد تركوا يعانون بسبب ندرة الخدمات الطبية الملائمة. ووجّه إذ ذاك نداء إلى السكان المحليين طالباً منهم مساعدته على رعاية الجرحى وملحاً على واجب العناية بالجنود الجرحى من كلا الجانبين. وعند عودته إلى سويسرا نشر "دونان" كتاب "تذكار سولفرينو", الذي وجّه فيه نداءين مهيبين: الأول يدعو فيه إلى تشكيل جمعيات إغاثة في وقت السلم تضم ممرضين وممرضات مستعدين لرعاية الجرحى وقت الحرب; والثاني يدعو فيه إلى الاعتراف بأولئك المتطوعين الذين يتعين عليهم مساعدة الخدمات الطبية التابعة للجيش وحمايتهم بموجب اتفاق دولي. وفي عام 1863 شَكَّلت "جمعية جنيف للمنفعة العامة", وهي جمعية خيرية بمدينة جنيف, لجنة من خمسة أعضاء لبحث إمكانية تطبيق أفكار "دونان". وأنشأت هذه اللجنة التي ضمّت "غوستاف موانييه" و"غيوم-هنري دوفور" و"لوي أبيا" و"تيودور مونوار", فضلاً عن دونان نفسه "اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى" التي أصبحت فيما بعد "اللجنة الدولية للصليب الأحمر". بعد تأسيس اللجنة شرع مؤسسوها الخمسة في تحويل الأفكار التي طرحها كتاب "دونان" إلى واقع. وتلبية لدعوة منهم أوفدت 16 دولة وأربع جمعيات إنسانية ممثلين لها إلى المؤتمر الدولي الذي افتتح في جنيف في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1863. وكان ذلك المؤتمر هو الذي اعتمد الشارة المميِّزة شارة الصليب الأحمر على أرضية بيضاء والذي ولدت من خلاله مؤسسة الصليب الأحمر. ومن أجل إضفاء الطابع الرسمي على حماية الخدمات الطبية في ميدان القتال والحصول على اعتراف دولي بالصليب الأحمر ومثله العليا, عقدت الحكومة السويسرية مؤتمراً دبلوماسياً في جنيف عام 1864,شارك فيه ممثلو اثنتي عشرة حكومة واعتمدوا معاهدة بعنوان "اتفاقية جنيف لتحسين حال جرحى الجيوش في الميدان", والتي غدت أولى معاهدات القانون الإنساني. وعقدت مؤتمرات أخرى لاحقاً وسَّعت نطاق القانون الأساسي ليشمل فئات أخرى من الضحايا كأسرى الحرب مثلاً. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية عقد مؤتمر دبلوماسي دامت مداولاته أربعة أشهر واعتمدت على أثره اتفاقيات جنيف الأربع في 1949 التي عززت حماية المدنيين في أوقات الحرب. وأُكْمِلت هذه الاتفاقيات في 1977 ببروتوكولين إضافيين. مهامها وتشمل مهامها: زيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين. البحث عن المفقودين. نقل الرسائل بين أبناء الأسر التي شتتها النزاع. إعادة الروابط الأسرية. توفير الغذاء والمياه والمساعدة الطبية للمدنيين المحرومين من هذه الضروريات الأساسية. نشر المعرفة بالقانون الإنساني. مراقبة الالتزام بهذا القانون. لفت الانتباه إلى الانتهاكات والإسهام في تطور القانون الإنساني. إن دور اللجنة الدولية الخاص قد عهدت إليها به الدول من خلال الصكوك المتعددة للقانون الإنساني. ومع ذلك, وبينما تحافظ اللجنة الدولية على حوار مستمر مع الدول, فإنها تصر في كافة الأوقات على استقلالها. ذلك أنها ما لم تتمتع بحرية العمل مستقلة عن أي حكومة أو سلطة أخرى, فإنه لن يكون بوسعها خدمة المصالح الحقيقية لضحايا النزاع, وهو ما يقع في صميم مهمتها الإنسانية. تعطي الصفحات التالية فكرة عن هذه المنظمة الفريدة, عن نشأتها وأهدافها ومثلها. وهي تبيّن أيضاً طريقة عمل اللجنة الدولية وأسباب تصرفها على نحو بعينه وطبيعة المستفيدين من أعمالها. رغم أن اللجنة الدولية نشأت عن مبادرة سويسرية خاصة فإن عملها ونطاق اهتماماتها له طابع دولي. للمنظمة مندوبون في نحو 60 بلداً عبر أنحاء العالم بينما تمتد أنشطتها لتشمل أكثر من 80 بلداً, ويعمل معها قرابة 12 ألف موظف أغلبهم من مواطني البلدان التي تعمل فيها. ويوفر نحو 800 شخص الدعم والمساندة اللازمين لعمليات اللجنة الدولية في الميدان انطلاقاً من مقرها في جنيفبسويسرا. تتولى البعثات الميدانية بالأساس أنشطة الحماية أو المساعدة أو الوقاية لصالح ضحايا حالات النزاع المسلح أو الاقتتال الداخلي القائمة أو الناشئة. (للتعرف على تفاصيل حول هذه الأنشطة أنظر الفصل الخاص بها.) تغطي البعثات الإقليمية تقريباً جميع البلدان غير المتضررة من النزاعات المسلحة مباشرة. وتضطلع هذه البعثات بمهمات محددة تتصل بالأنشطة الميدانية من جهة و"الدبلوماسية الإنسانية" (أنظر ص37) من جهة أخرى. ويساعد وجود هذه البعثات في منطقة من المناطق على رصد تطور الأحداث الخطرة المحتملة وعلى العمل كجهاز إنذار مبكر, وهو ما يسمح للجنة الدولية بالاستعداد للعمل الإنساني السريع عند الضرورة. الوضع القانوني اللجنة الدولية للصليب الأحمر منظمة غير متحيزة ومحايدة ومستقلة, وهي غير حكومية من حيث طبيعتها وتشكيلها. وقد أسندت إليها الدول مهمة حماية ومساعدة ضحايا النزاع المسلح من خلال اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977, تلك الصكوك التي خلفت عن جدارة اتفاقية جنيف الأولى لعام 1864. إن مهمة اللجنة الدولية ووضعها القانوني يميزانها عن كلٍ من الوكالات الحكومية الدولية, كمنظمات الأممالمتحدة مثلاً, والمنظمات غير الحكومية. وفي غالبية البلدان التي تعمل فيها عقدت اللجنة الدولية اتفاقات مقر مع السلطات. ومن خلال هذه الاتفاقات التي تخضع لأحكام القانون الدولي تتمتع اللجنة الدولية بالامتيازات والحصانات التي لا تُمنح عادة سوى للمنظمات الحكومية الدولية, وتشمل هذه الحصانات الحصانة القضائية, التي تحمي اللجنة من التعرض للملاحقة الإدارية والقضائية, وحصانة المباني والمحفوظات وغيرها من الوثائق. إن هذه الامتيازات والحصانات لا غنى عنها للجنة الدولية حيث تكفل شرطين ضروريين للعمل الذي تضطلع به, ألا وهما الحياد والاستقلال. وقد عقدت المنظمة اتفاقاً من هذا النوع مع سويسرا, الأمر الذي يكفل استقلالها وحرية عملها عن الحكومة السويسرية. == عام من العمل لمساعدة المضارين من النزاعات خلال عام 2005, زار مندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر حوالي 528 ألف شخص من المحرومين من حريتهم في 76 دولة. كما ساهمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مشاريع المياه والصرف الصحي والبناء لمساعدة حوالي 11 مليون شخص. وفي العام نفسه, قدمت اللجنة الدعم للمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية لخدمة حوالي 2.4 مليون شخص في حين لم تتوانى عن تقديم المساعدات العاجلة لحوالي 3 ملايين شخص. المزيد وصف رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر في اليمن انطوان غراند الوضع في اليمن بأنه "كارثي" ، مشيرا الى انه تم تسجيل اكثر من 5 الاف قتيل ونحو 30 الف جريح ونحو 1.4 مليون نازح جراء النزاع القائم في البلاد منذ مارس الماضي. وقال غراند في مقابلة خاصة مع وكالة انباء ((شينخوا)), ان "الوضع الانساني في اليمن كارثي حيث أثر النزاع على جميع نواحي الحياة", لافتا الى معاناة السكان المدنيين من نواح عدة مع استمرار الضربات الجوية (في اشارة لضربات التحالف العربي) والقتال المكثف على الأرض، فضلا عن القيود المفروضة على حركة البضائع إلى البلاد وداخلها. واضاف "لقد انخفضت المؤن الغذائية والمستلزمات الضرورية بشكل حاد في بعض المناطق بما في ذلك تعز، وتأثرت البنى التحتية مثل المستشفيات والطرق ومحطات المياه والكهرباء بشدة في بعض المناطق". واكد قائلا "هناك خوف لدى الناس على حياتهم وأطفالهم وجزء من هؤلاء الناس الذين يعيشون في المناطق التي توجد فيها مواجهات مسلحة تركوا منازلهم, حيث تشير التقديرات الى ان هناك 1.4 مليون شخص نازح، فيما قتل أكثر من 5,000 شخص (أكثر من ثلثي هذا العدد من المدنيين) وجرح ما يقارب 30,000 آخرين". وفي ظل استمرار النزاع, قال غراند "ان صعوبة تقديم المساعدات الإنسانية تزداد بشكل مستمر وخاصة في الخطوط الأمامية، بالإضافة إلى ذلك، يتعرض العمل الإنساني المستقل وغير المتحيز للتحدي بشكل متزايد من قبل جميع المتحاربين وذلك بسبب كثافة الأعمال العدائية وانقسام المواقف حيث يسعون إلى التأثير على توزيع المساعدات من حيث المكان والمستهدفين". وأوضح أن ذلك الامر يتطلب من اللجنة الدولية "الدخول في مفاوضات طويلة للحفاظ على منهجها المتسم بالعمل الإنساني المحايد وغير المتحيز والمستقل". وواصل رئيس اللجنة الدولية في اليمن حديثه عن عوائق عملهم قائلا " ان الوضع الأمني يعرقل الاستجابة الإنسانية الفعالة ويقيد التحركات في الميدان" مشيرا الى ان تأمين الضمانات الأمنية من جميع الأطراف يستغرق وقتا طويلا كما ويعد أمرا مرهقا للغاية. وتابع "والأهم هنا أن الضمانات الأمنية لا تتم ترجمتها كما ينبغي على أرض الواقع، فنحن نحاول باستمرار أن نعمل بشكل متوازن بين الاحتياجات الملحة للسكان المتضررين وسلامة فرقنا التي قوامها 264 موظفا في اليمن". وبالإضافة الى ذلك , اكد غراند ان من ضمن التحديات الذي تواجه عملهم بشكل متزايد هو الاستغلال للمساعدات الإنسانية، "ولذا فهم مستمرون بالدعوة لإفساح المجال للعمل الإنساني غير المتحيز وأيضا الوصول الفوري إلى المتضررين". وفي ظل الاجراءات التي تفرضها قوات التحالف على الموانئ البرية والبحرية والجوية اليمنية من قبل التحالف العربي,قال غراند, انه قبل اندلاع الأعمال العدائية المكثفة في مارس 2015، كانت اليمن تستقبل 90% من وارداتها الغذائية من خارج البلاد، والآن يدخل أقل من 15% من تلك الواردات وينطبق نفس الشيء على الوقود والبضائع الأساسية. وتابع " انخفضت المؤن الغذائية والمستلزمات الضرورية بشكل حاد في بعض المناطق، وقد ارتفعت أسعار المواد الأساسية مثل الدقيق وغاز الطهي بنسبة 300% في بعض المناطق.. كما انخفضت واردات الوقود بشكل حاد, وتعاني المستشفيات في جميع أنحاء البلاد نقصا في الإمدادات الطبية والجراحية وكذلك نقص حاد في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر". واوضح غراند "وعلاوة على هذه القيود المفروضة على الواردات الخارجية، يتم فرض قيود داخلية على حركة البضائع في أجزاء معينة من البلاد، وخاصة في المناطق الواقعة تحت الحصار مثل تعز". وتشهد مدينة تعزجنوبصنعاء منذ ابريل الماضي معارك هي الاشرس بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي , حيث يشن الحوثيون باستمرار قصفا عشوائيا على المراكز الصحية والاحياء ما يتسبب بسقوط ضحايا مدنيين, بالإضافة الى فرضهم حصارا خانقا ومنعهم وصول كافة الامدادات. وفي السياق ذاته، اكد المسؤول في اللجنة الدولية انطوان غراند " ان تعز إحدى المدن التي تعرضت للقتال الشديد بسبب الصراع الدائر في اليمن، خاصة بسبب القتال المكثف على الأرض والضربات الجوية المستمرة, ولذلك تأثر قطاع الرعاية الصحية بشكل كبير, حيث يعمل حاليا فقط أقل من نصف عدد المستشفيات التي كانت تعمل في السابق وغالبا ما تضطر إلى التعامل مع أعداد كبيرة من الجرحى". واضاف "لقد تم قطع إمدادات المياه والكهرباء في تعز لأكثر من شهرين حتى الآن, وتعاني بعض أجزاء المدينة من الشحة الشديدة في إمدادات المواد الغذائية, ونواجه صعوبات متزايدة في إدخال الإمدادات إلى المدينة بسبب الحصار المفروض". واشار المسؤول الدولي بقوله: "منذ أسابيع حتى هذه اللحظة، طلبنا مرارا تصريحا لتوصيل المستلزمات الطبية والجراحية إلى المستشفيات التي تحتاج لتلك المستلزمات بصورة عاجلة ولكن دون جدوى.. لذلك نجدد دعوتنا لجميع أولئك الذين يشاركون في القتال في تعز للسماح فورا لتوصيل الإمدادات الطبية وكافة أشكال المساعدات الإنسانية". وعبر غراند عن اسفه , من عدم احترام الاطراف للقانون الدولي الإنساني والتجاهل الصارخ للسكان المدنيين.. لافتا الى ان المدنيين والبنى التحتية المدنية والخدمات الطبية تأثرت بشكل كبير للغاية في تعز. ويشهد اليمن قتالا مستعرا منذ مارس الماضي بين القوات الموالية للحكومة اليمنية ومسلحي جماعة الحوثي الشيعية مسنودين بقوات موالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. ويشارك التحالف العربي بقيادة السعودية الجارة لليمن في عمليات عسكرية تتمثل بضربات جوية بدأتها في 26 مارس الماضي, بالإضافة الى قوات برية دخلت اليمن منذ شهر , وفرض التحالف قيودا على كافة الموانئ اليمنية بطلب من الحكومة الشرعية في البلاد.