الأديب الناقد السوري المعروف / عبد المنعم الجاسم من مدينة الطبقة السورية يعيش في المملكة العربية السعودية متخصص في اللغة العربية نرحب به أشد الترحيب عبر صحيفة ( عدن الغد ) ونبدأ بطرح أسئلة الحوار : حاوره / سعيد المحثوثي
هناك فرق بين النقد والتصويب ، ما هو النقد .؟ النقد : هو الإمازة ، تماما كما جاء تعريفه لغة ، فالناقد يعرف الجيد من الرديء ، وليست مهمته تجويد الرديء أو العكس ، هب أنك ذهبت لصرف مبلغ ما من عملة إلى أخرى ، تجد الصراف بمجرد عده للمبلغ يستطيع إمازة المزور منها ، وقد يحتاج سواه لمعاينة أكثر ، وآخر يحتاج لأجهزة تكنولوجية للكشف ، وهذه مراتب النقاد .. وللعلم فليس من الضرورة أن يكون الناقد عارفا بموسيقا الشعر أو بقواعد النحو ، لأنه حقيقة يغوص لما هو أبعد من المسائل العلمية في الأدب ، وهو أقرب ما يكون لعلم الكلام .. أما التصويب في الشعر فإنه هو الآخر يتفرع إلى اتجاهين يجيد أحدهما الناقد ، من حيث إنه يوجه صاحب النص للطريقة فقط بعيدا عن التفاصيل ، كمن يساعد فقيرا بأن يعطيه حبلا وفأسا ، ويدله على مكان الاحتطاب ، أما الثاني وهو التصويب الأكثر دقة فإنه من تخصص الناقد المتخصص في العربية وفنونها .. وعندنا أيضا المدقق ، سواء كان لغويا أو موسيقيا ، وهذه مسألة علمية صرف ..
عُرف عنكم الحزم في النقد وعدم المجاملة دون تجريح كيف يختار ضيفنا الناقد عبد المنعم النصوص التي يرغب بنقدها .؟ أولا : أشكر لك الإطراء هذا أستاذ سعيد بلقب ( ناقد ) ، والحقيقة أنني قارئ مهتم بالشعر كثيرا ، أضف إلى ذلك كوني متخصصا في اللغة العربية ، ما يعطيني صفة زائدة عن القارئ العادي ، أما ما يتعلق بمسألة الحزم ، فإني أخالفك الرأي ، فليس الأمر كذلك ، وما جاءت هذه الصفة لآرائي التي كثيرا ما تفتقد إلى الصواب ، إلا لانتشار اللامبالاة في إطلاق العبارات الرنانة لكل من هب ودب ، فلما آليت على نفسي أن أكون صادقا في التعبير عن رأيي ، بدا ذلك حزما ، لأنه خالف رياح المجاملات الهوجاء .. وأما اختيارا للنصوص ، فإنه في الغالب اختيار عشوائي ، فأنا أفتح صفحتي ، وربك يعين من أجده في وجهي ، فإذا كان نصا رديئا ، فليس حظ صاحبه بأحسن من حظ من يلاقي النعمان بن المنذر في يوم نحسه ( للمزاح فقط ) .. وإن كان النص جيدا ، (تبشبش ) خاطري ، وفي الحالتين فإني أعبر عن رأيي وشعوري تجاه ما قرأت .. ومع هذا ، فثمة من نبحث عن جديدهم المبهر ، كما كنا ننتظر جديد نزار قباني رحمه الله في الثمانينيات من القرن الماضي ..
معظم شعراء العرب التزموا ببحور الخليل بن أحمد الفراهيدي ، حدثنا عن قواعد بحور الفراهيدي وكيف عمل على ضبطها وهل أنت مع البقاء ضمن دائرته وإغلاق باب الاجتهاد بعده .؟ الفراهيدي رحمه الله لم يأت بجديد ، ولم يضع قواعد من عنده ، ومع هذا فإن الحداثيين (كادوا يخرجونه من الملة) ، فالرجل صنع مع الشعر ، صنيع اللغويين مع اللغة ، هم قعدوا للغة سماعيا ، وهو قعد للشعر سماعيا ، أو كما يقول الملاحدة : هكذا تكلم زرادشت ، يعني : هو يقول لنا : هكذا صاغ السابقون الشعر ، فإن كان ثمة من يستطيع الإتيان بأفضل من طرائقهم ، فمرحب به كل الترحيب ، وأنت تعلم يا سيدي بأن الأخفش استدرك الخليل ببحر غاب عن الخليل ، ليس لأن الأخفش ( أفهم ) كما يحلو للبعض القول ، ولكن لأن الفراهيدي لم يسمع ، أو لم ينقل له شعر على تلك الهيئة ، وهي ( فعلن ) مكررة أربعاً .. وقد كنت سمعت عن باحث أضاف بحرا وأخذ عليه براءة اختراع ، وهو عبارة عن جهد ضائع لا قيمة له ، فقد جاء بتفعيلات معينة بترتيب معين ، ولوى عنق المفردات لإدخالهن حشرا ضمن القالب ، وقد قام أحدهم بإرسال هذا الإعجاز العروضي لي ، مرفقا معه قصيدة على ذات البحر ، فما كان شعوري وأنا أقرؤها إلا وكأنني راكب عربة بعجلات مربعة الشكل على طريق جبلي متعرج ..
ما الفرق بين الشعر قديماً وحديثاً .؟ لا أجد فرقا بين الشعر قديمه وحديثه فليس هناك انتهاء صلاحية للنص ولست أستغرب ولا أستبعد أن نسمع لمن هو أشعر من المتنبي ذاته في أيامنا هذه ..
في زحمة المنابر الإعلامية من فضائيات وشبكة انترنت وإذاعة هل مازال الشاعر المعاصر منبراً إعلامياً .؟ في مسألة الإعلام تهمش دور الشعر ، وصارت المسألة عكسية ، والحقيقة أن الشعر اليوم هو بحاجة الإعلام ، وانظر تجد حولك على ذلك أمثلة كثيرة ، ومع أني لا أحب ذكر الأسماء ، ولكن لو تتبعت الفتى المصري هشام الجخ ، بعد برنامج أمير الشعراء ، تجد القنوات تطبل له وتزمر ، وقد كاد يشغلهم عن كل مكرمة ، كقصيدة ابن كلثوم ، والمصيبة العظمى أن بينه وبين الشعر سبعة بحور ، على الأقل ..
هل قام الشعراء المعاصرون بواجبهم كاملاً تُجاه قضايا الأمة .؟ بالنسبة للواجب تجاه الأمة ، فكل - بلا استثناء - مقصرون ، إلا بالكلام ، وبما أن الشعر ضرب من الكلام ، فأعتقد أن الشعراء غير مقصرين الشعر ليس له رسالة ، لأنه رسالة بذاته ، ويصعب شرح ذلك ، لأنه شبيه بتفسير الماء ..
هل برأي ضيفنا المكرم أن الفيس بوك خدم الشعر والشعراء .. وبماذا ؟ بالنسبة للفيس بوك ، فإنه عالم متكامل ، حتى إنني أرى أن تسميته (افتراضيا ) فيها إجحاف شديد ، ولقد قدم - برأيي - للشاعر الكثير ، إذ قدم له شرائح متنوعة من القراء والنقاد ، ناهيك عن المدققين ، وكذا الكثير من الشعراء ، وفي هذا تلاقح عجيب للمعرفة ، وإثراء كبير للإبداع ..
ما هو الشيء أو الواجب الذي يتحتم على الشاعر من قواعد ونحوه .؟ اللغة السليمة والموسيقا ركنان أساسيان من أركان القصيدة العربية الفصيحة ، لذا فمعرفة النحو واجب على كل من يمتلك الموهبة الشعرية ، إذا أراد تسخير موهبته للفصيح من الشعر ، وإلا فإنه مضطر لرهن موهبته للشعر الشعبي ، وهنا أراه ظلم الموهبة التي أهداه الله إياها ..
نراك من المتابعين والمهتمين بنخبة شعراء العرب فأكثر نقدك فيها .. ما الجديد الذي قدمته النخبة .؟ اهتمامي ومتابعتي لنخبة شعراء العرب تأتت من سببين اثنين ، أحدهما : أنني أحمل ودا كبيرا لمؤسسها ، أخي وصديقي براء بربور ، وأما السبب الآخر ، وأظنه الأهم : فلجديتها في الطرح ، وإخلاصها للإسلام والعربية والشعر ، بحسب الترتيب .. وأنا حقيقة لا أنشر ، ولا أتابع في أي صفحة ثقافية شعرية ، سوى في النخبة ، وفي رابطة أدباء الفرات ، التي أحمل لها وللقائمين عليها من الحب الكثير ..
الشعراء القدامى أخذوا حظهم ونصيبهم من الإطراء والمديح وحتى لا نبخس شعراءنا الحداثى حقهم أرجو أن تذكر لنا بعض أسماء المعاصرين من الشعراء والشواعر الذين يراهم ضيفنا عبد المنعم يستحقون الإشادة .؟ في عصرنا الذي نعيش شعراء كثر ، فمنهم من أخذ قسطا من الشهرة إعلاميا ، ومنهم من ينتظر ، ومنهم من لا يأبه بالأضواء ، فمن الشاعرات مثلا ، لدينا عفاف عطا الله ، المسمية نفسها على الفيس حنين العربي ، فشعرها رقيق المعنى رشيق اللفظ ، بعيد عن حوشي الكلام ، ولدينا كذلك الشاعرة رفاه المنجد ، فهي شاعرة متمكنة جدا ، كذا يوجد شاعرة جيدة جدا اسمها رنا العزام ، ومن الشاعرات اللاتي يحسب حسابهن الشاعرة فتون الحسين ، والشاعرة مايا الحاج ، وهناك شاعرة مكثرة مع جودة في شعرها تطلق على نفسها اسم جود الزمان ، وكذا فإن الدكتورة سميرة الطويل من الشاعرات المجيدات ، فأما الشعراء فإنهم كثر ، ومن الذين أحسبهم فحولا في الشعر ، أذكر الشاعر العراقي جاسم محمد جاسم ، ومن اليمن أذكر الشاعر أحمد عبد الغني الجرف ، وهناك شعراء يمنيون رائعون ، وهم تحديدا في هذا العصر يشكلون ظاهرة رائعة ، منهم يحيى الحمادي ومحمد الجهمي وأحمد الحربي ، والشاعر الرائع جبر البعداني ، وكذا لا ننكر دور الشاعر محمد البياسي ، شاعرا ، وداعما للحركة الشعرية بشكل لافت جدا ، لاينكره عدو ولا صديق ، ومن الشعراء الذين أطرب لهم حقيقة الشاعر أحمد يوسف عبيد ، والشاعر الجميل براء بربور ، والشاعر الدكتور حسين الحسن ، والشاعر الجميل جدا ثامر الشمري .. والقائمة طويلة ...
قديماً كانوا يتساءلون بقولهم من أشعر العرب هل يصح هذا السؤال بمعنى هل من الممكن حصر الإجابة في شاعر .؟ بلا شك يصح أن نفاضل بين شاعر وشاعر ، وبين قصيدة وقصيدة ، بل حتى بين بيت وبيت ، وإن شئت بين شطر وشطر ..
أجمل الشعر أكذبه هل هذا صحيح .؟ أجمل الشعر أكذبه ليس صحيحا فحسب ، بل هو أكثر من ذلك ، وإن من أسوأ الردود التي تتلقاها من شاعر ( هش ) حين تشير له بضعف في مكان ما ، أن يقول لك : نقلت شعوري كما هو ، أو أن يجيبك : هذا بالفعل ما حدث معي ، والحقيقة أنني كمتلق لا يهمني ما حدث معك تماما كما لا تهم عاشق كرة القدم النتيجة بقدر ما يهمه أن يرى مباراة جميلة ..
كلمة أخيرة توجهها للشعراء المع اصرين وللصحيفة .؟ وصيتي للمعاصرين ممن يريدون خوض غمار القصيدة : أن يكون على قدر المسؤولية ، فمن يخطب الحسناء لم يغلها المهر ، والقصيدة حسناء ، وأي حسناء .. وأتوجه لك أستاذنا المحثوثي بشخصك الكريم ، وللصحيفة بالشكر الجزيل ، على أن جعلتموني أشعر أن عندي شيئا أقدمه للقارئ ، فألف شكر لكم ومحبة ، ومثلها للقارئ الكريم الذي هدر وقته في متابعة حديثي هذا .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..