ستظل الحرب الدائرة في اليمن من حيث التصنيف تمثل حرب عبثيه حتى وان اخذت تصنيفات شتى وفقا لتسميات الفراقاء وان صحت هذه التصنيفات من قبلهم او لم تصح ستظل حرب عبثيه بامتياز ذلك بأنها لم تحترم الكليات الخمس التي دعانا ديننا الاسلامي في الحفاظ عليها وهي الدين والعرض والمال والنفس والعقل وبالتالي فأنها حرب عبثيه من هذا المنظور. ووفقا لذلك فان الحرب تمثل معادلة مفتوحة لا تحتكم لعناصر معينه ولا تحكمها أي ضابط او سياج وبالتالي فان كل شيى فيها مباح وهي حياه استثنائية للمرء لأنه يتعلم من خلالها اشياء كثيرة ويعرف اشياء اكثر وتمر عليه حكايات يعيش بعضها ويسمع عن الاخرى .
في الحرب الاخيره وأثناء نزوحي الى عدن عشت حكايات ومشاهد كثيرة بعضها خاصة بي وبعضها عشتها مع اخرين ورغم طرافتها الا انها تحمل من مدلولات الشيى الكثير عند قراءتها بعمق وهاكم حصيلة ما حاولت جمعه منها .
*مجنون لول نصيب :
كانت الساحة اللحجية في الشيخ عثمان تعج بالنازحين الذين كانوا يتجمعون على شكل مجموعات وكنت كلما ذهبت الى الساحة اجلس في المجموعه التي تضم عدد من زملائي من ايام الدراسة الابتدائية وقد فرقتنا السنين لكن المصائب تجمع المصابينا بتعبير الشعر فقد جمعتنا الحرب .
في احدى الليالي لمحت شابا عدنيا بالقرب من تجمعنا يقوم بالرقص وبطريقة ملفته للأنظار فنظرت الى زميلي في الدراسة ايمن احمد ناصر فقال لي انه معجب بالفنانة الكبيره لول نصيب ويحاول تقليدها فنظرت مره اخرى الى الشاب ووجدته فعلا يقوم ببعض الحركات التي كانت تقوم بها الفنانه الكبيره لول نصيب شفاها الله عند مشاركتها في الحفلات الفنيه .
*اليابلي والمحلاوي وسكرة القات :
حضر الى منزلي ذات ليله الدكتور سند المحلاوي وأخذني بسيارته للمقيل في منتدى اليابلي بالشيخ عثمان وأثناء مقيلنا حضر ابن صديقي المحلاوي الى المنتدى واخذ السيارة من ابيه بعد ان ابلغ والده ان صديق له وعده بإعطائه بترول (بنزين) للسيارة بمبلغ بسيط لان اسعار البنزين في ايام الحرب ارتفع سعرها كثيرا ومرت الساعات وابن الدكتور سند لم يعد السيارة ولم يرد على الاتصالات الكثيرة لوالده فشعر صديقي بالحرج وقال لي ليسئ هناك امل بعد الان والوقت متأخر غادرنا المنتدى وعاد صديقي سند الى منزله في حي السنافر بالشيخ عثمان اما انا فعلي العوده الى المنصورة حاولت ان اجد تاكسي يقلني فلم اجد نتيجة لازمه البنزين فقررت العودة مشيا على الاقدام رغم ان اغلب شوارع الشيخ عثمان ومن ثم المنصورة كانت غير مضاءة نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي لكنني جازفت بالمشي في تلك الاحياء رغم الظلمه المسيطرة على الشوارع معتمدا على الله وعلى نشوة القات الذي كان لايزال في فمي ويمدني بطاقة معينه ما ان اقتربت من حي الوحدة السكني بالمنصورة قررت النزول من الفوت بات الى الشارع لان اغلب مناهل الصرف الصحي كانت من دون اغطيه فخشيت ان اقع في احداها نتيجة للظلمة والسواد الحالك فنزلت للمشي في الشارع نفسه وكان مغلقا لا تمر به السيارات فمشيت بطاقة القات حينها وكنت لارى شيئا امامي وفي لحظة معينه وجدت نفسي اقف لاشعوريا بعد ان كدت اصطدم بجسم غريب كان امامي ولا يفرق بيني وبينه سوى شعره فقط حينها طارت سكرة القات من راسي وعرفت ان هذا الجسم هو امراه كانت تسير في نفس الخط الذي كنت اسير فيه وكانت تغطي جسمها كاملا مع وجهها بجلباب وخمار فحمدت الله حينها وابتعدت عنها لأكمل مشوار طريقي وكنت اتسائل مع نفسي ماذا اذا اصطدمت بها كيف سيكون الوضع حينها ومن ثم رحت احكي الحكاية بالتلفون لصديقي سند الذي كان يضحك ويقول في نفسه كل السبب ابني وأزمة البترول.
*العويني نازحا مع اغنامه :
ذات ليله وانأ في طريقي الى الساحة اللحجيه وجدت الاستاذ علوي العويني في احدى الشوارع القريبه من حارة دبع بالشيخ عثمان وبعد ان سلمت علية وجدته شاكيا مما تعرض له من اعتقالات لأكثر من مره دون ان تكون له أي جريرة وراح يحكي لي قصص وحكايات الاعتقال منذ البدء حتى الافراج عنه ثم قال لي لو كنت اعلم ما سيحصل لي لكنت نزحت مع اسرتي التي نزحت منذ البداية لكنني بقيت في لحج خشيا على اغنامي حتى لا تموت من الجوع ثم قال لي في اخر الامر وبعد اعتقالي لثلاث مرات سابقة اضطررت لاستئجار سيارة من لحج بمبلغ كبير وحشرت فيها اغنامي وخرجت ليلا من لحج بعد تهديد جديد تعرضت له وعند وصولنا الى الفيوش وضعت اغنامي عند احد الاصدقاء ومن ثم واصلت الى الشيخ عثمان ولحقت بأسرتي .
**نصر والمولعة والمنطقة الحساسة :
نصر عبدوه واحد من ابناء لحج المقيمين في المنصورة بعد ان كان نصر ياخذنا بسيارته بعد خوجنا من صلاة العصر للذهاب الى منطقة الهاشمي بالشيخ عثمان لشراء القات من هناك كان نصر مولعيا بالقات ولا يستطيع مفارقته ذات ليله ذهبنا كالعادة فوجدنا سوق القات خاليا إلا من نزر قليل بسبب الحصار الذي فرض حينها على دخول القات والخضروات الى عدن تجولنا انا ونصر في السوق فلم نستطيع الشراء بسبب الاسعار الخياليه التي كان يطرحها القلة من بائعي القات مستغلين عدم وجوده قام نصر بإعطائي مفاتيح سيارته وقال كل واحد منا يبحث بمفردة عن القات وسيكون لقاءنا عند السيارة فذهبت وفي احد الاركان من السوق ناداني احدهم هل تريد قات قلت نعم ثم قال لأمراه كانت بجانبه هاتي القات فقامت تلك المراه بإخراج القات من منطقة حساسة من تحت ملابسها اعجبنى القات وقمت بشرائه بسعر معقول ثم ذهبت الى عند السيارة حسب الاتفاق جاء نصر بعد حوالي نصف ساعة خالي الوفاض الى عندي ثم قال لي هل اشتريت قات قلت نعم قال ارني اياه فراه ثم سالني عن السعر فقلت له فاندهش وقال من فين اشتريته فأشرت له بالمكان ثم قلت له يا نصر ان القات اشتريته من امراه وإنها قامت بإخراجه لي من منطقة حساسة من تحت ملابسها فقال ضاحكا المهم اريد قات حتى تخرجه لي من .......
الطلياني لقب يكنى به علي صويلح من ابناء لحج كان الطلياني واحد من النازحين في المنصورة بعد ان انتقل للنزوح في اكثر من منطقة في لحج ثم استقر اخيرا في المنصوره منذو ان حل الطلياني في المنصورة كنت اراه في حركه مستمرة بين المنصورة والشيخ عثمان لا يهدا ابدا دائما السؤال عن لحج وأخبارها وأحيانا يجازف بالذهاب الى لحج ثم العوده.
في النصف الثاني من شهر رمضان اغلقت الطرقات بين عدنولحج وكنت ارى الطلياني في كل مكان اذهب اليه وهو يسأل عن لحج وعن الطريق ومتى سيتم فتحها ويحاول الوصول الى أي شخص يعلم انه استطاع الدخول الى عدن من ابناء لحج.
كان الطلياني متوترا حينها فعرفت ان معاشة الشهري لشهرين متتالين موجود في لحج لكنه لم يستطع الذهاب الى لحج لأخذه ذات ليله لمحت الطلياني قل اذان مغرب رمضان بربع ساعة تقريبا يقف بجانبه رجل كبير في السن ملاحمه بأنه من رجال تهامة او الزيود كما نطل عليهم في لحج نسبه الى موطنهم زبيد فظننت ان هذا الرجل جاء من لحج وما اكثر الزيود في لحج فاقتربت منهم وسلمت عليهم ثم قلت للرجل ايش اخبار لحج فإذا بوجه الرجل يميل الى العبوس ويسألني لماذا تسأل عن لحج الوطن لكه في حرب وأنت تسال عن لحج ثم راح يطبق علي الاتهامات باني عنصري وجهوي وما الى ذلك فقلت له رويدك يا اخي ظننت انك قادم من لحج فاستشاط غضبا وكرر لي الاتهامات مره اخرى فقلت في نفسي سامحك الله ياطلياني جعلتني احنب مع هذا الزبيدي ثم قلت اللهم اني صائم وانسحبت من بينهما بسلام.
*ترتر والعقربي وشوربه النوفا
ترتر لقب شهير في حوطة لحج يكنى به احد ابناء احمد كعامس وبيت كعامس الى جانب بيت باقادر هم بيوت الفل اللحجي الشهير وقد استمد ترتر هذه الشهره من بيعه للفل.
وجد ترتر نفسه نازحا مع اسرته في مدينة انماء السكنية كان ترتر يمني نفسه كل يوم ويدعو الله ان تنتهي هذه الحرب ويعود الى داره في لحج وعمله في بيع الفل لكن ترتر وجد نفسه وقد مرت شهور كثيرة دون أي جدوى اقترب شهر رمضان ولم يبقى له سوى يومين او ثلاثة فأطلق ترتر صيحه هل سيراجع هؤلاء انفسهم رمضان على الابواب ونحن بعيدين عن لحج كيف سيمر دون ان نتذوق شربة النوفا وهي وجبة رمضانية وصلت صيحة ترتر الينا في المنصورة فحكيتها للشيخ سعيد العقربي وهو رجل كبير تجاوز العقد الثامن من عمره ونزح من لحج الى المنصورة فقال العقربي ان ترتر اخذ هذه الصيحة من لساني وكنت انا اود ان اقولها.
مر النصف الاول من شهر رمضان وترتر محروما من شربة النوفا وكذلك سعيد العقربي في بداية النصف الثاني من رمضان ذهب سعيد العقربي الى صبر لاخذ معاشة الشهري وعندما حاول العوده الى عدن لم يستطع بسبب اغلاق الطريق فعاد الى منطقة المحله بلحج وعاش ما تبقى من شهر رمضان والأيام الاولى من شوال في المحلة في منزل اصهاره.
فوجئنا بعودة سعيد العقربي الى المنصورة عن طريق بيراحمد تهريب سادس ايام شوال وعندما هنأته بالعيد وسلامه الوصول قال لي قل لترتر العقربي شبع من شربة النوفا في المحلة فاعجبنى مطلع البيت ونظمت عليه بيتين من شعر الدان .
" قل لترتر العقربي شبع من شربة النوفا وانته يا ترتري في انماء وهية مجنون " " رمضان كله تتحسر والعقربي غارق في شربة النوفا لا اذانه وهية محنوب "