الرئيس الزُبيدي يهنئ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده باليوم الوطني السعودي ال95    مشاركة الرئيس الزبيدي في الأروقة الدولية : دلالات ومعاني ترسم ملامح جديده لمستقبل الجنوب    جامعة 21 سبتمبر: "في ذكرى الثورة.. ثابتون مع غزة والأقصى    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    حزب الإصلاح يحمي قتلة "إفتهان المشهري" في تعز    ريمه : عرض شعبي لخريجي دورات "طوفان الأقصى" بعيد ثورة 21 سبتمبر    نائب وزير الشباب والرياضة يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بثورة 21 سبتمبر    لوبيز يغيب عن برشلونة لمدة ثلاثة أسابيع بسبب الإصابة    أمن الأمانة يرفع الجاهزية تحسبا لاي طارئ    مباحث حجة تكشف غموض احد اخطر جرائم السرقات    11 عاما على «نكبة» اليمن.. هل بدأت رحلة انهيار الحوثيين؟    انتقالي حضرموت يثمن جهود وتحركات الرئيس الزُبيدي داخليا وخارجيا    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور كلية المجتمع ونادي النصر الرياضي بالضالع    وزارة الاقتصاد: توطين الصناعات حجر الزاوية لبناء الاقتصاد    ماذا تعرف عن جائزة الكرة الذهبية؟    مصر تفوز بتنظيم كأس العالم للدارتس 2027 في شرم الشيخ    اجتماع يناقش الوضع المائي لحوض تعز    وقفة في مديرية صرواح بمأرب إحتفاء بالعيد ال11 لثورة 21 سبتمبر    تعز..تكدس النفايات ينذر بكارثة ومكتب الصحة يسجل 86 إصابة بالكوليرا خلال 48 ساعة    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    قبيلة الخراشي بصعدة تقدم قافلة رمان للمنطقة العسكرية الخامسة    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    سوريا تستسلم.. ونحن وراءها؟    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    اثنان من الحكام اليمنيين ضمن الطاقم التحكيمي لبطولة كأس الخليج للناشئين    المحافظ بن ماضي يستقبل نجوم شعب حضرموت أبطال ثلاثية الموسم السلوي ويشيد بإنجازهم التاريخي    انتقالي مديرية الضالع يكرم طلاب الثانوية المتفوقين للعام الدراسي 2024/2025    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    وفاة خمس نساء من أسرة واحدة غرقا في أبين    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    ثورة 21 سبتمبر إنجازات عسكرية وسياسية استثنائية    الجنوب ليس قضيتكم.. فخففوا صراخكم    الراحلون دون وداع۔۔۔    برشلونة يواصل ملاحقة ريال مدريد    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    قاضي: جريمة اغتيال المشهري خطط لها باتقان ونفذها أكثر من شخص    أحتدام شراسة المنافسة في نهائي "بيسان " بين "ابناء المدينة"و"شباب اريافها".. !    وزارة الإعلام تطلق مسابقة "أجمل صورة للعلم الوطني" للموسم الثاني    قراءة في كتاب دليل السراة في الفن والأدب اليمني لمصطفى راجح    الوفد الحكومي برئاسة لملس يختتم زيارته إلى مدينة شنغهاي بالصين    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    عبد الملك في رحاب الملك    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جعفر ... المهندس

لم يسبق أن عمّت هذه الدرجة من الحزن كل أرض الجنوب العربي على استشهاد مسؤول كما حدث عند استشهاد اللواء أ.ح. جعفر محمد سعد.

وهناك سؤالان..

�� لماذا هذا الحزن العام الشامل على كل المستويات في كل الجنوب، رغم أنه لم يُعرف إعلامياً للناس إلا في الأشهر الأخيرة قبل استشهاده؟!

�� لماذا هذا الحزن لم نره في اليمن الشقيق على أي مستوى من المستويات أو فئة من الفئات؟!

كان يعمل في إطار دولة واحدة تشمل الجنوب واليمن... ولم يصدر عنه إعلامياً كثرة أحاديث تشدد على موقف مساند للقضية الجنوبية!! لكن فعله وتصرفاته وممارساته ومشاركاته مع الناس في كل مناسبة كانت كلها رسائل حب وصدق وتفان وتضحية وخدمة جادة للناس وتواضع.. واستقبلها شعب الجنوب، و"عدن" النور خاصة، فشعروا، ربما لأول مرة في تاريخهم، أنهم أمام "محافظ" عليهم لا حاكم عليهم، وأن هذا هو ابنهم وأنه منهم لا متسلطاً بل خادماً لهم ولقضيتهم واحتياجاتهم وأنه إنسان.

وكان طبيعياً أن يغيب ذلك عن الأشقاء في اليمن، فالجنوب مجرد ملحق تابع ومهما كان منصب أو مكانة أيٍّ من ابنائه فهو في هذا الإطار، ولذلك لا عتب عليهم فمنّا من ساهم ويساهم في الحط والطمس ومحاولة الإلغاء لمكانة الجنوب، شعباً وهوية.

فجاء شهيدنا اللواء جعفر ليقدم نموذجاً غير مألوف للحاكم في الجنوب فأشعر شعبه بالمكانة والهوية والسيادة، دون تسلط أو تجبر، فشعر بالخطر من وجوده كل خصوم الجنوب من كل الأطراف، حتى من القلة الجنوبية التي لازالت رهينة للتبعية، فاغتالوه بالغدر باعتقادٍ غبيٍّ منهم أنهم يغتالون الجنوب العربي الجديد.... فجاء التعيين الرئاسي للبديل كالصاعقة عليهم فأتى باثنين أشداء على خصوم الجنوب رحماء بالجنوب أرضاً وهويةً وإنساناً... فاختلطت دموع حزن شعبنا، على فقيده جعفر البطل الإنسان، بدموع فرحه بالبطلين الفدائيين عيدروس وشلال.

عرفت الشهيد جعفر في حرب 1994م على الجنوب حيث كان قائداً لمحور "صبر".. وزرته في جبهته في الخطوط الأمامية في "بير ناصر".. وكان صامداً كفؤاً كعسكري محترف.. ثم كنّا في النزوح بعد الحرب ولم أجد أمامي إلا رجلاً مترفعاً عن الصغائر صادقاً معتزاً بنفسه عفيفاً.. ثابتاً.

جاءت الأحداث الأخيرة... فطلبه الرئيس عبدربه عندما وصل "عدن"، الذي يعرف كفاءته ورجولته، من مقر عمله في بريطانيا حيث يعمل ليوفر تكاليف الحياة... وهنا ملمح الالتزام العسكري والوطني والوفاء... حيث اتصل بالأخ يحيى الجفري ليبلغني بأن الرئيس طلبه وأنه نزح من الجنوب عام 1994م وهو تحت قيادتي المباشرة ولازال ملتزماً ولن يقبل مهمة دون إذن..!! فكان الجواب منّا.. أن القائد رسمياً في "عدن" هو الرئيس عبدربه وأن الوقوف معه والدعم له ضد غزو محتمل واجب..

فترك عمله وغادر إلى "عدن".. فتسارعت الأحداث وجُرح برصاصتين وأُسر وتخلص من الأسر بمساعدة مواطنين في قرية "العند" ونقلوه إلى "أطباء بلا حدود" الذين أخرجوا الرصاصة التي بقيت أسفل الكلية وأوقفوا النزيف.

اتصل بالأخ يحيى الجفري بأنه جريح ومختبئ وأنه لم يستطع التواصل بالرئيس ولا أحد من الذين حوله وأنهم غادروا "عدن" وأنه يعذر الرئيس الذي خرج في البداية في اتجاه "العند" وأنهم بصعوبة أقنعوه بالعودة حفاظاً عليه كرئيس حيث قال لهم "سأبقى معكم فأنا زميل سلاح"..

فأبلغناه أن يتصرف لينسحب من "عدن" -وكان هذا بعد دخول الغزاة "عدن"- وأن يأتي عبر "أبين" و"شبوة" إلى منفذ "الوديعة". وفعلاً تم ذلك وتم ترتيب إدخاله من منفذ "الوديعة" إلى "الشرورة" ثم إلى "الرياض" حيث اهتم الأشقاء في المملكة باستكمال علاجه.

عيّنه الرئيس عبدربه مستشاراً له... ووضع خطة تحرير "عدن" ثم استكمال ذلك بتحرير "العند" وكل "لحج" و"أبين".. ولسريّتها البالغة تمت طباعتها بواسطة سكرتيري الشخصي عندي في مقر سكني بالرياض... وعرضها على الرئيس الذي راجعها معه واعتمدها وكلّفه بنقاشها مع قيادة التحالف في "الرياض" وفي "أبوظبي" وتم ذلك وأصبحت جاهزة للتنفيذ... وتحرك إلى أفريقيا ومن سواحلها اتجه بقارب، ومعه العميد صالح الزنداني الجحافي — الذي وصفه الشهيد بأنه كفاءة كمخطط عسكري —، ووصلا سواحل "عدن" واجتمع مع قيادة التحالف ومع قائد المنطقة اللواء أحمد سيف والعميد ناصر حسن — وقد وصفهما لي الشهيد بأنهما قائدان ميدانيان رائعان — وغيرهما من القادة وتم الإعداد للتنفيذ... ثم التنفيذ الذي قامت به المقاومة الجنوبية ومنها كتيبة سلمان التي قامت بدور كبير في كل المعارك وصولاً إلى تحرير "لودر" بإسناد بري وجوي ولوجستي من التحالف.. وهناك قادة كثر في المقاومة الجنوبية والمقاومة الشعبية ساهموا بدور فاعل في تلك المعارك، وليس المجال لذكر كل ذلك.

بعد تحرير "عدن" تم سحب شهيدنا إلى الخارج... ثم منحه الرئيس وسام الشجاعة...

كان مع الرأي القائل أن لا يتم تعيين وزير دفاع وفاءً لوزير الدفاع الأسير.

وعُرضت عليه مناصب أعلى من محافظ فرفض العمل خارج الجنوب... وعندما عُرض عليه منصب محافظ عدن الأكثر خطورة قَبِل... واتصل بالأخ يحيى.. فقال له الأمور خطيرة وصعبة في "عدن"... فكان جوابه: "أعلم ذلك ولهذا قبلت.. وأنتم كسياسيين تحسبون كثيراً وأحياناً تجعلكم الحسابات تتراجعون... ونحن كعسكريين نحسب ولكن نواجه الصعوبات واسأل أبو علي - يقصدني".

للعلم... لشهيدنا كتب في العلوم العسكرية.. كانت الكلية الحربية ب"عدن" تدرّس كتابين من كتبه.

شهيدنا كان يتمتع بصفات قلَّ أن تجتمع في أحد... فهو شجاع ومقدام لا يهاب... وهو عفيف نفس من الناحية المادية واستُشهد وهو لا يملك شيئاً. وهو معتز بنفسه لا يذلها لأحد غير الله وفي سبيل ذلك يمكن أن يضحي بأي مصالح... وهو محب للجنوب العربي مؤمن بقضيته.. عاشق ل"عدن"... وهو وفيٌّ لا يجحد.. وأمين لا يخون... ونفسه غالية عليه لا يبيع.. ويمكن أن يضحي بأي مصلحة أو منصب إن كان هناك ما يمس كرامته..

وفوق كل ذلك ورغم عسكريته الاحترافية وشجاعته وإقدامه فهو إنسان بكل معاني الكلمة.. يشعر بالناس ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم... ابتساماتهم ودموعهم... وهذا المزج الرائع بين العسكرية وقسوتها وبين الإنسانية بكل معانيها هو طبيعة العسكرية الاحترافية لا نقيضها إلا عند من لا يعرف أن أساس العسكرية ليس مقدار ما تقتل أو تدمر من قوات الخصم بل ما تحقق من أهداف بأقل كلفة ممكنة.

وبفضل من الله فقد تمكن من أداء فريضة الحج قبل استشهاده.

هذا هو شهيدنا اللواء أركان حرب جعفر محمد سعد.. تقبله الله في الشهداء وعوّض بلادنا خيراً.. وعصم قلوب أهله وأحبابه بالصبر الجميل.

وعذراً أيها الصديق والزميل جعفر إن قصرت في إيفائك حقك... ويكفيك أنك عند رب كريم عادل... وأن شعبك لم يذرف دموعاً على مسؤول كتلك التي ذرفها عليك...

والسؤال... هل سأل أحد عن أهله؟!!! (زوجتيه وابنه محمد وبناته الخمس)..

ما أعلمه، حتى الآن، لم يسأل أحد عنهم.... فهو لا يملك بيتاً لأسرتيه.. ولا دخلاً.. ولا يملك رصيداً في الدنيا إلا حب شعبه ودموعه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.