لا شك أن مقولة «الأيام دول» صحيحة إلى أبعد حد، وأن لا شيء يمكن أن يدعي أن هناك ثباتاً. هذه النظرية العملية جداً بالإمكان قياسها على كل أمورنا اليومية وليست السياسية فقط ورغم أنها في السياسة تكون أوضح ما تكون في الامور العادية . فأنه من سنن الحياة التي تستحق النظر والعبرة سنة (مداولة الأيام) بين الناس والدول والحضارات. يوم لك ويوم عليك ، ومن سره زمن ساءته أزمان ، قد تنطبق كل تلك العبارات على كثير من البشر في زمننا هذا فكم من قلعة حصينة كان الانتماء لها حلما وأصبحت جدران متهالكة تلعب بها الرياح . فهل نعتبر ممن سبقونا فقد رأينا في هذا الزمان عبرا من هو في تمام الصحة والعافية فإذا هو طريح الفراش ومن كانت له صولة وجولة فإذا هو بين عشية وضحاها قد سلب من كل شيء ، فلا تظن يا من ظلمتا و لعبت بمشاعر وأحاسيس الناس أنك ستستمر فلربما يأتي اليوم الذي يكون الامر بأيديهم وقد يعملوا مثل ما عملت بهم ، وهكذا يداول الله الأيام بين الناس فلا يكون هناك مظلوم طوال الوقت ولا ظالم باقيا للأبد . فإذا أنت متقوي بجماعه فسيأتي اليوم الذي تفترقون فيه فأن ما بنتي على باطل فهو باطل ولابد بأن يفضحه الله من فوق سابع سماء ، وما من يدٍ إلا يد الله فوقها.. وما ظالمٌ إلا سيبلى بظالمِ. قال الامام ابن الجوزي رحمه الله : اعلم أن الزمان لا يثبت على حال كما قال تعالى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) . فتارة فقر وتارة غنى وتارة عز وتارة ذل وتارة تفرح الموالي وتارة تشمت الاعادي. فالسعيد من لازم أصلاً واحداً على كل حال وهو(تقوى الله عز وجل) فأن استغنى زانته وأن افتقر فتحت له أبواب الصبر ولا يضره أن نزل به الزمان أو صعد أو أعراه أو أشبعه أو أجاعه. لأن جميع تلك الاشياء تزول وتتغير والتقوى أصل السلامة حارس لا ينام يأخذ باليد عند العثرة. والمنكر من غرته لذة حصلت مع عدم التقوى فإنها ستحول وتخليه خاسراً. ولازم التقوى في كل حال فانك لا ترى في الضيق الا السعة وفي المرض الا العافية. ............... ايها القابض على الجمر اصبر وتحمل كل شيء لانتهاء....