يشير تقرير مجموعة البنك الدولي الأخير بان نسبة الفقر وصلت إلى 80% ، بين سكان اليمن، و إنَّ هناك اكثر من مليون طفل مهدد بالمجاعة. وهذه المعطيات لم تكن مفاجئة للمراقبين و لليمنين الذين يكتون بنار الفقر . وقد تكون حالة الفقر أسوأ كثيراً مما أشار إليهالتقرير ، خاصة وإن المعطيات الإحصائية لا تكون في الغالب دقيقة في ظل الأوضاع السياسية المضطربة التي تعصف بالبلاد والعباد. والآن دعونا نلقي الضوء على بعض أسباب الفقر من وجة نظر شخص مهموم بوطنه ، ويحاول أن يراقب عن كثب الاوضاع الإقتصادية والأجتماعية القائمة في اليمن. من الواضح إنَّ أسباب الفقر ودرجته تختلف من بلدٍ إلى آخر ، كما تختلف وسائل قياس الفقر ، وما إذا كان الحديث يدور حول الفقر المطلق Absolute poverty ، أم الفقر النسبيRelative poverty ، والتي على ضوء التشخيص ، تختلف وسائل العلاج السوسيولوجي و السيساسي والاقتصادي للفقر. وهنا يمكننا الإشارة ، بعجالة ، إلى إنَّ السبب الرئيسي للفقر في اليمن لا يكمن فقط في التخلف الاقتصادي ، ولكنه يكمن أيضاً في الجهل والانفصال عن العملية الإنتاجية بكل تجلياتها المادية والروحية. فمستوى الأمية في اليمن تصل إلى 36% ، وهذه النسبة مخيفة ، وتدل على عدم قدرة الانسان اليمني على المساهمة الواعية في الأنتاج ، واللحاق بالمجتمعات المتطورة، خاصة ونحن نعيش في عصر الإنتاج. فأين نحن من عالم المعرفة والإنتاح والأمية هي السائدة في حياتنا. وهناك سبب آخر لا يقل تأثيراً ، يتصل بما يمكن أن نسميه "بثقافة الكسل" Culture of laziness، التي تتجلى في بعض الصفاتالسلبية القاتلة التي تلازم بعض الجماعات في بلادنا، مثل الإسراف في النوم والخمول ، وتناول " القات" ، والثرثرة الضارة والمؤذية ، وتعاطي الخمور والمخدرات والتسكع في الشوارع ، والأتكالية وانتظار من يتصدق عليهم بالعطايا وغيرذلك من الصفات السلبية . والسؤال هنا ، هو : كيف يمكن لهؤلاء أن يتحرروا من عبودية الحاجة ، و يصبحوا فعاليين في المجتمع ، ومساهمين نشطين في الإنتاج ؟ وكيف يمكن لهم أن يتحرروا من تلك الثقافة البائسة ، كالكسل والاتكالية والتسكع وتعاطي المخدرات ، التي تولد الفقر و تعصف بحياتهم وحياة أسرهم ، وتولد بيئة مرضية ، ينتج عنها الكثير من الظواهر السلبية الأخرى كالسرقة والإرهاب وغير ذلك من الانحرافات والجرائم ؟ إذ لا يمكن للثرثرة الفائضة في مقايل القات ، وهدر الوقت الثمين أن يفضيان إلى الإنتاج المادي أو الفكري. صحيح إن نسبة البطالة قد بلغت أكثر من 60%، و غدت فرص العمل المتاحة قليلة أو معدومة، ولكن هذه الوضعية الإجتماعية البائسة لا تعالج بالنوم وتعاطي القات والتسكع ، فهناك وسائل كثيرة للاستفادة من الزمن بشكل أيجابي، كالتعليم والقراءة ، والرياضة ، والأنشطة الاجتماعية والسياسية والعمل التطوعي وغير ذلك. المهم أن لا يظل الإنسان أسيراً لقدره البائس. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن السبب الثالث للفقر ، هو الفساد المتفشي في المؤسسات الحكومية سواء من قبل المتنفذين ، أو حتى بين اوساط الناشطين في المجتمع المدني الذين كان يؤمل فيهم خيراً. الاكثر من ذلك إن القادة السياسيين والإداريين ، الذين هم في موقع المسؤولية ، لم يستطعوا ، مع الأسف ، وضع سياسات فعالة لمكافحة الفساد ، لسبب بسيط ، وهو أنهم يفتقرون في غالبيتهم الكفاءة اللازمة ، وبالتالي لا يمتلكون رؤية استراتيجية لحل المعضلات القائمة ، ولا يمثلون القدوة الحسنة ، فهم ، في الغالب ، وكثير منهم يمارسون الفساد ، ويتربعون ، بتعالٍ ، على رأس الهرم . وتكون النتيجة مزيد من الفساد أو كما قال الشاعر : إِذا كانَ رَبُّ البَيتِ بِالدُفِّ مولِعاً فَشيمَةُ أَهلِ البَيتِ كُلِهِمِ الرَقصُ. ولا شك إنَّ المسؤولين الفاسدين يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية في تفشي الفساد واستمرار . لقد سمعنا ثرثرات كثيرة ولكننا لم نسمع إنَّ مسؤولاً كبيراً ، أو حزباً سياسياً معروفاً ، قدم تحليلاً واقعياً وعلمياً عن أسباب الفساد ونتائجة الكارثية على المجتمع . ذلك أن أغلبهم يسرفون في الحديث ، وبشكل مضحك في أغلب الأحيان ، عن النمو الأقتصادي والإجتماعي وعن زيادة عدد الخريجين من الجامعات والمعاهد المهنية ، وغير ذلك من سياسات التضليل، التي تشكل الوجه الآخر للفساد الإعلامي والفكري. اليمن خيراتها الزراعية والسمكية والمعدنية والسياحية كثيرة ، وهي غنية بكل المقاييس بالنظر إلى حجمها السكاني المحدود ، مقارنة بدول أخرى في العالم، ولكن هناك جهل وتخلف رهيب يخترق كل أوجه حياتنا جراء الفساد القائم والدائم والمستمر والمتسارع في نموه. ولذلك فأن على اليمنيين ، رجال ونساء ، شباب و شبات ، ان يعيدوا حساباتهم تجاه وطنهم ، و ان يعتمدوا على عقولهم و سواعدهم لمكافحة الفقر من خلال العمل الجاد للقضاء على ظاهرة الفساد و الكسل العضلي والفكري ، و الكف عن التسكع و تعاطي المخدرات ، ومنها القات، وانتظار العطايا من الخارج. فالخارج قد يساعدنا ، لاعتبارات سياسية خاصة به ، في دحر المليشيات العدوانية، هنا أو هناك، ولكنه لن يحررنا من العدو الذي يسكن في عقولنا ، ويجعلنا عبداً للحاجة ، ومجرد متسولين ، فقراء دون عمل أو أمل.