ذكريات راسخة في الوجدان , جزءا من حياة عشتها , لم يمر يوما دون أن تصغا إذني للمذياع , هكذا عودنا والدي , يفتح عينيه للبحث عن إذاعة عدن في مذياعنا القديم , لازلت أتذكر وانا ارتدي ملابسي المدرسية وانأ استمع لبرامج الصباح والأغاني التي تخاطب الوجدان تمدك بالنشاط والحيوية , صباح الخير من بدري أمانة شلها يا طير وصحي اللي نوى هجري وقل له يا صباح الخير ومن همي وآهاتي تبلغ له تحياتي وأشواقي أليه يا طير وقل له يا صباح الخير (محمد سعد عبدالله ). إذاعة عدن فاتحة كل صباح , وفي الإذاعة المدرسية , والجامعية , واستمرت الحكاية في المدارس التي تشرفت بالعمل بها كإدارة مدرسية منذ الثمانينات من القرن المنصرم , وكنت من المتابعين بشغف لبرنامج العلم والإنسان للمفكر ألإعلامي الرائد والمبدع احمد عمر بن سلمان , برنامج إذاعي لكل سبت صباحا ومساء حقق رقماً قياسياً على مستوى إذاعات العالم العربي من حيث سنوات بثه ، فما زال برنامج (العلم والإنسان) أحد البرامج المتميزة في تاريخ إذاعة عدن منذ أغسطس 1965م حتى ما قبل الحرب الظالمة التي عكرت صفوتنا , ودمرت حياتنا , وقبحت واقعنا , وحرمتنا من كل جميل ونقاء ورقي مزدهر , ويعود الجزء الأكبر في تميز البرنامج إلى شخصية معده ومقدمه الإعلامي القدير أحمد عمر بن سلمان بصوته المميز . الرائد في مجال تبسيط العلم وتقديمه إلى العامة من الناس بغض النظر عن اختصاصاتهم واهتماماته . ويمتد شريط الذكريات , وكانت الصدفة , انتقلت للسكن في المنصورة الوحدات السكنية الذي أسسها نظام الطبقة العاملة للموظفين والعمال ذوي الدخل المحدود , وكانت محطة الباص ( النقل البري )الذي استقله لعملي في مديرية الميناء( المعلا والتواهي ) تعج بالموظفين والعمال , هكذا كان حال عدن خلية نحل تصحوا فجرا بحركة عمل وعلم وإبداع , بنشاط وحيوية ومثابرة واجتهاد , ويتكرر الموقف في الظهيرة عند انتهاء الدوام اليومي , كثيرين ممن كنت التقيهم في هذه المحطة , كنا سواسية , بعظهم وزراء ونواب وزراء ومدراء يركبون اليوم السيارات الفارهة , وكان احد هولا هو احمد عمر بن سلمان وتشرفت بتجاذب الحديث معه أكثر من مرة , رجلا متواضع , ألفاظ راقية , معلومات قيمة تشعر انك أمام هامة ومرجع في زمن كانت المعلومة صعبة المنال والتداول , اللحظات التي تقضيها معه تثريك بكم هائل من المعلومات والسمات الثقافية والمثل الذي تحتذي به تلقى أحمد عمر بن سلمان تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه غيل باوزير في محافظة حضرموت، وكذلك الدراسة الإعدادية حيث كانت المدرسة الوسطى في غيل باوزير تتصف بمواصفات لا تتصف بها أية مدرسة مماثلة أحب اللغة الانجليزية وأتقنها ومن خلالها استطاع التوغل في المراجع العلمية للبحث عن المعلومة والنظريات العلمية والحياة والإنسان كانت نافذته للاطلاع على العالم وتطورات العصر . ارتبط احمد عمر بن سلمان بتاريخ إذاعة عدن الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً وتأثيراً , والوسيلة التنويرية في زمن التخلف والجهل والمرض الداء الثلاثي الذي كان سائدا في المنطقة والجوار , وكانت إذاعة عدن من عدن النور الذي ينير العقول ويغذيها بالفكر والثقافة الإنسانية , والثورية التحررية , فكان احمد عمر بن سلمان جزءا من هذا النور وجزءا ناصعا من تاريخ عدن , نورا لا زال قادر على أن يضيء ظلام العقول , لكن أين إذاعة عدن اليوم , وأين من يهتم لتاريخ عدن , ليرعى هذه القامة والإعلامي البارز , الزمن والعمر أجهده , وكغيره من المتقاعدين يعاني من أمراض الشيخوخة ,وأجهدهم معاناتهم للبحث عن الراتب وأمور الحياة التي نفتقدها اليوم كالكهرباء والماء الوسيلتين الأساسية للحياة والسند للمريض في صراعه مع المرض , أزعجني تسرب خبر وفاته (ربنا يعطيه طول العمر ويمد من حياته ليبقى نبراس يضيء سماء عدن والوطن ), وأعاد شريط ذكرياتي , ودفعني لكتب عنه وعن تلك المرحلة , فعلا صدمة أفقت منها بعدها بدقائق تكذيب الخبر والحمد لله , فلازالت روح احمد عمر بن سلمان تسكنه وقلبه الضعيف ينبض , ولازال يبتسم للحياة مثل هذا العقل لا يعرف التشاؤم والتذمر , لكن من منا يسال عنه يزوره , يتابع حالته و وضعة , وهل مثل هكذا خبر ناقوس يذكرنا بهاماتنا ورموز عدن والزمن الأصيل , احمد عمر بن سلمان يعيش وهل نحتاج لخبر وافته حتى نتذكره وغيره الكثير . فسيبقى احمد عمر بن سلمان حكاية إذاعة عدن من عدن والعلم والإنسان عاصرته أجيال وأجيال وسيبقى وسام في صدر عدن .