بعنوان .. ( نعم للمشاريع الواضحة ) كتب الشيخ / عبدالرب السلامي مقالا مختصرا ومركزا حول مشروعين لا ثالث لهما في الجنوب – كما قال – أولهما بحسب ما جاء في مقاله حرفيا : مشروع دعم الشرعية وإسقاط الانقلاب وبناء الدولة اليمنية الاتحادية وفق مخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصلة ... وثانيهما : مشروع التحرير والاستقلال وإقامة دولة الجنوب العربي على حدود ما قبل 22 مايو 1990 م . ثم اقر ان المشروعان مختلفان ولكنهما واضحان .. وأردف انه يحترم أصحاب المشاريع الواضحة مهما كان الاختلاف معهم , ولكنه " شخصيا " على حد قوله من أنصار المشروع الأول – إي الدولة الاتحادية اليمنية – لأنه – إي موقفه – كما قال " مبني عن قناعة تامة ورؤية واضحة وتقدير كاف للمصالح والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية , ولأنه السبيل السلمي والممكن لحصول الشعب على حقه في تقرير مكانته السياسية بأدوات دستورية " ! .. ومضى يقول : ورغم اختلافي مع أصحاب المشروع الثاني , لكنني احترم رؤيتهم واطراد خطابهم . وفي الأخير اختتم بنصيحة أوافقه على مضمونها تماما وهي موجهه إلى الذين يراوحون بين المشروعين وهي ان عليهم يحددوا موقفا واضحا , لأن عدم تحديد الموقف بحسب رأيه – وانا اتفق معه في هذه النقطة - هو عبث بعواطف الشعب الصابر , لأن مصائر الشعوب ليست سلعة رخيصة في بورصة النفاق السياسي !.. إلى هنا وانهي بعض ما أردت ان اقتبسه من مقالة الدكتور السلامي , قبل ان أتطرق إلى بعض الملاحظات التي أود ان أتناولها بهدوء ومنطقية , بعيدا عن الانفعال أو سوق الاتهامات جزافا خاصة ونحن نتحدث مع رئيس حركة وطنية نهضت خلال الأعوام القليلة الماضية وهي حركة تتكىء – بحسب علمي – على موروث ديني يحاكي إلى ما تستند عليه حركة النهضة في تونس الشقيقة .. ان لم أكن مخطئا . الملاحظة الأولى : يقول الشيخ عبدالرب ان هناك مشروعان في " الجنوب " ..!! وفي الحقيقة ان هذه الجملة لا تستند إلى إي معطى واقعي نهائيا , فلو انه قال على سبيل المثال ان هناك مشروعان في " اليمن " لقلنا من الممكن ان يكون ذلك صحيحا , على الرغم من ان فكفكة المشروع الأول وخلع عنه غطائه " التبريري " وما يضفى عليه من رتوش وتزين كفيل بوضعه أمام شعب الجنوب على حقيقته التي تقول انه " مشروع احتلال جديد " تجري عملية تشريعه بحلة جديدة طرزت هذه المرة بأيدي خبراء قانونيين مما يسمى بالشرعية الدولية من جهة , ومن شرعية المبادرات والأزمات والتسويات السياسية التي لم يكن شعب الجنوب في يوم من الأيام طرفا فيها من جهة أخرى !! .. هذا هو لب واصل " المشروع الأول " في حقيقة الأمر بلا رتوش أو مكياج . وبالتالي فهذا المشروع الذي أعلن الشيخ عبدالرب انه من أنصاره – ونحن نحترم خياره ووضوحه – إنما هو مشروع شمالي بامتياز ولا وجود له في الجنوب ولا علاقة للجنوب به على الإطلاق على الأقل على المستوى الشعبي الجماهيري , والشيخ والنهضة حينما تصطف مع هذا الخيار الخارج عن إرادة شعب الجنوب فإنما تضع نفسها في الطرف الأخر المعتدي على الجنوب, وإلا فليسمح لي عزيزي الشيخ ان يظهر لي أنصار هذا المشروع جماهيريا في الجنوب من خلال مليونية على سبيل المثال أو حتى مسيرة خجولة ؟!! .. فهل يا ترى انه من الممكن جدا لهذا المشروع الذي قلت بتواجده في الجنوب ان يظهر جماهيره الكبيرة في مظاهرة سليمة تطالب به ؟! ثم هل يمكن لهذه الجماهير التي تناصر هذا المشروع " الاحتلالي " ان تعترف وتحترم – ان كان لها وجود بهذا القدر أو ذاك – النسبة الطاغية أو الأغلبية الكاسحة للمشروع الثاني وهو مشروع الاستقلال أو استعادة دولة الجنوب ؟! لمن أراد التأكد من منطقية هذا الطرح بإمكانه ان يؤجل الحسم إلى يوم 17 ابريل القادم ليتعرف على أنصار هذا الحق الوطني وليس المشروع السياسي كما وصفه الشيخ , لأن الحق الوطني في جوهره ولبه لا يجوز وصفه بالمشروع السياسي . الملاحظة الثانية : يقول الدكتور ان موقفه مبني عن قناعة تامة , ورؤية واضحة وتقدير كاف للمصالح والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية وهو السبيل الممكن لحصول الشعب على حقه ! .. وهنا يا عزيزي نجدك قد خلطت بين أمرين من محددات موقفكم أو موقف حزب النهضة , المحدد الأول هو " القناعة التامة " .. إي ان يكون الإنسان الفرد أو المجموعة لديها إيمان بموقف أو رؤية سياسية وهذا خيار مشروع لا يمكن لأحد ان يجادلك عليه , ولا يمكن لأحد ان يخاصمك لأن موقفك هو كذلك وإلا لوضعنا قاعدة احترام الرأي الآخر في مهب الريح .. فمن حقك الطبيعي ومن حق حزبك ان يكون لها موقفا واضحا لا لبس فيه تجاه إي قضية وطنية وهو وحده من يتحمل تبعات هذا الموقف في مسيرته السياسية , ولكن الأمر الثاني هو الذي نختلف معك حوله وهو رهن مصير الأوطان والشعوب والقضايا الوطنية العادلة للظروف والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية والمصالح بحسب ما ذكرت ..!!! كيف هذا يا عزيزي ؟؟ .. منذ متى تتحدد المواقف الوطنية للأوطان وللشعوب وفقا للعوامل الخارجية وليس وفقا للحق الوطني الذي لا يجوز رهنه لهذه المتغيرات ؟ .. وفي هذا السياق دعني أسألك هذا السؤال السهل , وهو سؤال عبر عن جوهر الكثير من الناس العاديين كل بطريقته : هل هذه الظروف والمعطيات السياسية والمصالح الخارجية كانت أقوى على الجنوبيين عام 2007 م حينما انطلقت مسيرتهم الظافرة بإذن الله أم اليوم ؟!! .. هل وضع الاحتلال بقواته ومؤسساته وجنوده وجحافل جيوشه أكثر على ارض الجنوب اليوم هذا الذي تحدد فيه هذا الموقف وفقا للظروف أم قبل عدة أعوام ؟! .. وهل لو استعرنا الحالة الفلسطينية كمثال وقلنا انه كان من الأفضل لياسر عرفات ان يقبل عرض أيهود براك وذلك عطفا على منطق " الظروف والمتغيرات والمصالح " بدلا من رفضه ...!! يا سيدي الفاضل القضايا الوطنية لا تخضع فيها المواقف لهذه المعايير أبدا . ربما ستقول لي ان " القضية الفلسطينية " تختلف عن قضيتنا وان ما تسميه أنت احتلال هو عندي ليس كذلك !! فان كان الأمر هكذا بالنسبة لكم فلا داعي إذا الحديث عن شعب الجنوب ومعاناته وقضيته باعتباره بحسب رؤيتكم جزء من شعب آخر , وباعتبار ان قضيته لا تختلف عن قضية الحوثيين أو المهمشين في الحديدة وتهامة وهنا لا حاجة لكم أبدا الحديث عن متغيرات دولية أو مصالح دول , أو حتى الاصطفاف إلى جانب القوى الجنوبية التي تميز نفسها عن قوى الشمال باعتبارها تنتمي إلى قضية وطنية تخص شعب الجنوب ودولة الجنوب السابقة. الملاحظة الرابعة : ذكرت في المقال ان هناك مشروعان وانك مع المشروع الأول الذي هو إعادة الشرعية ..!! ولكنني أتساءل بمنطقية عطفا على حقيقة ان حركة النهضة التي تتزعمها قد تخلقت قبل " أزمة الشرعية " وقبل " الحركة الانقلابية " وقبل حتى ما يسمى بالحوار الوطني ومخرجاته .. وهذا ما يجعل لهذه الحركة منطقيا موقفا واضحا من قضية الجنوب وفقا لميلاد الحركة , فهل نفهم من هذا ان موقفكم قد تغير ؟!! أو تذبذب وهو ما نصحت بتجنبه !! ولكننا في هذا السياق وبالعودة إلى أدبيات حزب النهضة وعلى وجه التحديد ما قدمتموه بعنوان : رؤية شرعية بخصوص الوحدة اليمنية تجاه الخيارات المطروحة لحل القضية الجنوبية " .. وفي الفقرة رقم ( 2 ) جاء نصا : " الوحدة السياسية القائمة حاليا – في ظل حالة الاحتقان الجنوبي الواسعة – لم تعد تحقق المصالح المرجوة من قيامها , بل قد يؤدي استمرارها – بصورتها الحالية – إلى فساد وحدة الإخوة في الدين وتقطيع أواصر القربى وتهديد السلم الاجتماعي وحصول الفتنة بين المسلمين , مما يجعل مسألة السعي لإيجاد حل عادل لقضية الجنوبية يرتضيه الشعب في الجنوب ويجنب اليمنيين فتنة واجبا شرعيا على عموم القادرين من أبناء الأمة بشكل عام وعلى حملة المشروع الإسلامي بشكل خاص " .. اعتقد ان هذا النص كان قد ورد في عام 2011 م , وإذا قارنا بين الأسباب التي ذكرتموها في هذا النص والتي على أساسها دعوتم إلى اعتماد حل يرضي الشعب في الجنوب لوجدنا أنها قد تطورت أكثر مما قبل ونقصد هنا حالة الاحتقان عطفا على ما حدث في حرب 2015 من دمار وقتل وسفك دماء وانتم كان لكم شرف المشاركة في الدفاع عن الجنوب وهو ما يفترض ان يجعل موقفكم اعتمادا على ما تأسس عليه أقوى وأكثر ثباتا !! فمالذي تغير ؟ وفي باب تعريفكم لقضية الجنوب فقد قلتم ان " القضية الجنوبية هي قضية شعب سلبت حريته وغيبت إرادته وصودر حقه في تقرير مصيره منذ أكثر من أربعة عقود من الزمان , ثم هي قضية دولة مستقلة توحدت مع دولة أخرى على أساس الشراكة فتحولت إلى ضم وإلحاق بالقوة .. فغدت القضية الجنوبية اليوم قضية شعب يطالب بالحرية وتقرير المصير واستعادة سيادته على أرضه وبناء نظامه السياسي والاجتماعي الجديد بإرادة شعبية حرة " . ... فكيف تغير توصيفكم لهذه القضية حتى تم اختزالها إلى مشروع رقم 1 ومشروع رقم 2 ؟! وكيف تقبلون اليوم يا دكتور بالمشروع رقم ( 1 ) أو المشروع الأول القائم على مخرجات الحوار اليمني في الوقت الذي وجهتم مع مكونات الثورة السلمية التحررية الأخرى بتاريخ 26 يناير 2014 رسالة موحدة إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي تضمنت رفضكم لمخرجات الحوار اليمني التي تقول اليوم انك معها ومؤيد لها ؟!! وقد وقعتم عليها ضمن قائمة كبيرة من القيادات الجنوبية كان على رأسها الرئيس / علي سالم البيض وجاء اسمكم الكريم ضمن الموقعين عليها ... مالذي حدث إذا ؟؟ .. ومن هو في هذه الحالة المعني والمستحق بنصيحتك القيمة التي قلت فيها : أجدها فرصة لأنصح المذبذبين الذين يراوحون بين المشروعين ( يد مع الشرعية اليمنية , وأخرى مع استعادة دولة الجنوب ) .. إلى هؤلاء أقول : عليكم ان تتركوا العبث بعواطف الشعب الصابر , فمصائر الشعوب ليست سلعة رخيصة للبيع في بورصة النفاق السياسي ... الله المستعان يا شيخنا العزيز ... لا حول ولا قوة إلا بالله .. اعتقد ان انك أنت شخصيا ومن تراه من حركة النهضة أحق بهذه النصيحة القيمة التي كما قلت سابقا اتفق معك حولها .ومن المؤسف جدا ان تكون قيادات الحركات الإسلامية بهذا القدر من التذبذب تجاه مثل هذه القضايا الكبيرة في الوقت الذي يفترض فيه ان يكونوا رمزا للمصداقية والصدق خاصة وان مثل هذه القضايا غالبا ما تنتج كوارث كبيرة على الجانب الإنساني . ملاحظة : وجهت رسالة استفسار إلى قيادي في حزب النهضة ان كان موقف الشيخ عبدالرب السلامي يمثل رأي الحركة فأحالني مشكورا إلى مقالا له عام 2015 م دون ان يجيب على سؤالي الواضح ..