ما يحدث في اليمن حالياً باعتقادي يمكن تشبيهه بزواج مصالح، نهايته الحتمية الطلاق، حيث أن التحالفات في هذه الحرب ليست مبنية على أساس قوي ومتين أو على رؤية سياسية واضحة أو مبادئ وقيم أو تقارب فكري أو ايدلوجية بين المتحالفين من طرفي الصراع ( صالح والحوثي ضد هادي والحراك الجنوبي )، إنما التحالفات القائمة الآن مبنيةٌ على الانتقام والسيطرة، بالإضافة إلى أنها حرب بالوكالة وبالنيابة عن أطراف إقليمية ودولية. من الذي كان يتصور يا ترى أن المخلوع صالح الذي خاض ستة حروبٍ ضد جماعة الحوثي المتمردة، وقتل قائدها الأسبق حسين بدر الدين الحوثي سوف يتحالف مع الحوثيين في انقلاب 2014، وضد نائبه السابق عبدربه منصور الذي ضل نائباً لصالح طوال 19 عاماً إلى أن أصبح عبدربه منصور رئيساً توافقياً لليمن.
في الضفة الأخرى من الحرب، عبدربه هادي منصور الذي حارب الجنوبيين في حرب 1994 أو ما تسمى بحرب " الردة والانفصال " بصفته وزيراً للدفاع آنذاك، يعتبره اغلب الجنوبيين خائناً للوطن، وقاطعوا الانتخابات التي أفضت به رئيساً لليمن، لكن هادي أصبح الآن -بفضل زواج المصالح- في خندقٍ واحدٍ مع الحراك الجنوبي في مواجهة الانقلاب، بل أن الفضل يعود للحراك الجنوبي والمقاومة الشعبية الجنوبية في تحرير المحافظات الجنوبية من قبضة مليشيا المخلوع صالح والحوثي.
ما يُغذي هذه الحرب بشكلٍ أكبر أن الطرفين المتصارعين أصبحا يحاربان بالوكالة وبالنيابة عن اطراف إقليمية فعبدربه هادي والمقاومة الجنوبية الشعبية والمقاومة الشعبية اليمنية تقاتل لكسر الذراع الإيراني في اليمن وبتمويلٍ خليجي-عربي ودعم قوات التحالف العربي عسكرياً، وإيران بدورها تحاول دعم وتمويل أذرعها في اليمن اللذان هما جماعة الحوثي والمخلوع صالح بهدف زعزعة الاستقرار بشكلٍ أكبر في المنطقة وتنفيذاً لمشروعها في الوطن العربي.
المؤسف حقاً أن "زواج المصالح" سوف ينتهي لا محاله بصراعٍ جديد لأن التحالفات الآن قائمة على أساسٍ هش وضعيف وفيه حالةٌ من التوتر وعدم الإرتياح، فلا الحوثي يأمن صالح ولا صالح يأمن الحوثيين، ولا الحراك الجنوبي يثق بعبدربه هادي ولا عبدربه هادي يثق بالحراك الجنوبي والنهاية لهذا الزواج المبني على المصالح فقط هو الطلاق. وكل طرفٍ ينتظر الفرصة المناسبة لينقض على حليفه وشريكه ويقصيه من المشهد السياسي بعد أن يحقق مصالحه.
ومؤخراً بدئت التشققات في صفوف الحلفاء، فصالح والحوثيين علاقتهم متوترةٌ جداً في صنعاء، والاتفاق الأخير بينهما على تشكيل مجلس سياسي للحكم، يدل على أن المخلوع صالح يخطط فعلياً لإقصاء الحوثيين، ويتبين ذلك من خلال صيغة الاتفاق التي تعطي المؤتمر الشعبي العام أكبر من حجمه على الرغم من أن الحوثيين هم من قام بالجزء الأكبر من الانقلاب.
بالنسبة لهادي والحراك الجنوبي فالوضع متوتر أيضاً خصوصاً بعد أن عين هادي شخصيات مكروهةً في الشارع الجنوبي مثل نائبه الجديد الجنرال علي محسن الأحمر واحمد عبيد بن دغر رئيساً للوزراء وهما شخصيتان ليس لهما قبولٌ في الشارع الجنوبي إطلاقاً، وبالوقت نفسه أعتبر الجنوبيين اقصاء خالد محفوظ بحاح واقالته من مناصبه رغم كفاءته هي بداية انقلاب هادي على الجنوبيين والحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية الشعبية.
وإذا قدر الله ولم يكن الطلاق بين (الحلفاء الفرقاء) اثناء الحرب، فمؤكدٌ أن بعد الحرب سوف يحدث طلاقُ وصراعُ بين الطرفين المنتصرين، وهذا يحدث كثيراً أثناء الحروب والصراعات السياسية.
وأذكر هنا أمثلةً تاريخيةً على عجالة، فعالمياً بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على دول المحور بدأ الصراع بين الحليفين السابقين أي الولاياتالامريكيةالمتحدة والاتحاد السوفيتي، وأستمر الصراع إلى عام 1991 بهزيمة السوفييت، وعلى مستوى اليمن فالتجمع اليمني للإصلاح تحالف مع المخلوع صالح لاحتلال الجنوب في صيف 1994 وتم فعلاً احتلال الجنوب، ثم أنفجر صراع بين الإصلاح وصالح وكانت ثورة الشباب القشة التي قصمت ظهر البعير.
أخيراً، أظن أن على القادة الجنوبيين أن يستعدون لجميع الاحتمالات وأن يجهزون اوراقهم من الآن، وأن يستغلون القوة الشعبية والعسكرية التي لديهم في تحقيق طموح الشعب الجنوبي في التحرير والاستقلال.