كانت سعادتي كبيرة عندما شاهدت كيس النعنع أبو بلاعة في أحدى محلات لندن الشهيرة ببيع الحلويات وطرت من الفرحة عندما طعمت النعنع بعد مدة ثلاثين عاماً من تذوقي لها, وستكون سعادة أبناء جيلي أكثر عندما يرون صورة النعنع التي أرفقتها بمنشوري لأنها تعيد لهم ذكريات الصباء الجميلة التي أفتقدناها, وسيسعد معنا أبناء هذا الجيل عندما يشاهدوننا نتغنى عن شئ صغير طالما كان يفرحنا ونحنا صغار السن وحتى عندما بلغنا سن الرشد ويستغربون من ذلك. هل رأيتم يا أعضاء المجلس المحلي والمحافظة والحكومة كيف أن أصغر الأشياء وأبسطها تفرح أبناء هذه المدينة ولايحلمون بكرسي أو حكم أو ملايين..؟!! سعادتهم أيها الرئيس عبدربه تكمن في حياة بسيطة في لقمة عيش يتحصلون عليها بشرف ودون عناء, يحلمون بكهرباء تلصي لهم ثلاث أو أربع ساعات دون توقف فقط, يحلمون بقصبة المي تشتغل على أقل تقدير من الصبح إلى غاية العصر وتستكمل أمهاتنا الطباخة والتصبين وبعدين قفلوا لما تشبعوا ... أطفالنا يحلمون بنعنع أبو بلاعة ويطيروا من الفرحة لما يشاهدوها مثلي بعد ثلاثين سنة, يحلمون بالذهاب إلى المدارس بعد أن يكونوا شبعوا من النوم من عدم إنطفاء الكهرباء بالليل فهل هذا الشئ كثير عليهم..؟! وهم من ضحى بالغالي والنفيس بجميع مراحل صراعكم السياسي التي كانت عدن محورها. أكثر من سعادتي كان حزني على عدن وسكانها وأطفالها وأنا أتفكر وأطوس بما يعانونه بسبب ما يحصل فيها هذه الأيام التي كانت من أقدم الدول التي تأسس فيها النظام الصحي والبلدي قبل أي دولة من دويلات شبه الجزيرة العربية والخليج, وعلى الرغم من ذلك تدنت وأنطمست كل تلك المنجزات التي طالما تغنينا بها وأصبح حالها في الحضيض بفضل الحكومات المتعاقبة التي مرت على مديتنا وعملت كل ما بوسعها لتدمير كل منجزات الإستعمار البغيض والذي شارك جيل أبناءنا وأجدادنا معهم في بنائها وتطويرها. أنا لن ألوم الإمارت والسعودية أو أية دولة خليجية من عدم إصلاح وتطوير الخدمات في عدن والجنوب التي يتغنون بإستقلالها وتحريرها من عصابات الحوثي وصالح, ولكنني أحمل كامل المسئولية بدءً من رئيس الجمهورية وحكومته الموقرة ومحافظ عدن والمجلس المحلي كافة لما يحصل لعدن وأهلها اليوم وما تعاني من تدمير شامل لبنيتها التحتية والتي تسببت بالأمراض والأوبئة ومات العديد من أبنائها بسبب إهمالهم, ولأنهم هم وحدهم الذين تقع على عاتقهم المسئولية وليس دول الخليج..!! اليوم إذا كنا نفرح عندما نرى الأشياء الصغيرة كنعنع أبو بلاعة ونسعد بطعمه وعبق رائحته الجميلة, لكننا في الوقت ذاته نحزن ونتدمر ونتقزز ونغضب بشدة من عرف البلاليع وطفحها في كل أنحاء المدينة والتي تسببت بعودة وباء الكوليراء الذي كافحته وقضت عليه عدن قبل أكثر من مائة عام وأزكمت أنوفنا ونشرت الأمراض من حوالينا. وحزننا وغضبنا اليوم طاغى على أفراحنا وصبرالناس لن يطول أكثر من ذلك أيها الحاكمون. بلال غلام حسين