يحتاج عيدروس للمشورة الصادقة اكثر من التهليل الاعلامي. قبل عام كان وجوده في السلطة انجاز يستحق الاحتفاء , بعد ما عاناه ظهيره الاجتماعي من ظلم واقصاء.. لكن ضجيج الساحات الان لم يعد مناسبا في السلطة ,ومهامه الجديدة تتطلب عقلية انضج. الرجل يكابد تحدياته على اكثر من مستوى . مشكلته الحقيقية ان لحظة مجده كانت نفسها لحظة اشتداد الازمة , لذا فان نجاحه الامني والعسكري لم يكتمل اداريا وخدميا , ولم يقابل بحيوية سياسية داخل البيت الجنوبي, ما دفعه للتحرك على جبهة اخرى ستستنزف الكثير من وقته وجهده.. لقد مثلت دعوة عيدروس للكيان السياسي الجنوبي نقلة نوعية في مسيرة الحراك..وبعد ان ظل هذا الطلب شعبويا هاهو اليوم يحظى بغطاء سلطوي.. لكن ميوعة الحالة الجنوبية واتساع تناقضاتها وسع من اعباء دعوته ,, ومع غياب الفعالية السياسية للنخب الجنوبية باتت السلطة المحلية وحدها من تشكل قوة الدفع الفاعلة لبلورة كيان سياسي يصون ما حققته من انجاز امني وعسكري. كان الكيان السياسي الجنوبي بالنسبة لعيدروس باب رياح لابد من فتحه وتحمل اكلافه ,, لكن الغريب حقا هو دأب المحيطين به على اضرام معارك استنزافية جديدة وفتح اباب رياح اضافية.. يقدر للرجل بادرة النزول الى مصافي عدن لكبح حالة التدهور المضطر في قطاع الكهرباء وتوفير ما يحتاجه من محروقات .و يمكن على اثر ذلك تفهم اجراءاته الحاسمة حيال الموظفين المضربين ,برغم حقهم الاصيل في الاضراب بعد توقف مرتباتهم لخمسة اشهر, لكن الحاح اللحظة السياسية الزم الزبيدي التحرك خارج المألوف.. وكانت تلك خطوة محمودة, سرعان ما حولتها الدعاية المصاحبة الى مغامرة مجهولة بعد ان تم تصوير تحركات الرجل باعتبارها حربا ضد الفساد ؛ الذي بالقضاء عليه ستفرج كل العقد ,, ونظرا لصعوبة المعركة يجب "تفويض عيدروس مجددا لاستخدام القوة". وبصرف النظر عن جدوى حملات التفويض ,التي باتت صرعة سياسية جنوبية , فانها بالمحصلة تعمق من ورطة المحافظ لاسيما في موضوع المصافي , حيث استثمر هادي فترة انشغال السلطة المحلية بمكافحة الارهاب كي يصدر حزمة قررات منحته وحده الحق في ادارة مصافي عدن , لذا فان تصريح بن دغر الذي ذكر عيدروس بوقوع مصافي عدن خارج نطاق صلاحياته,يعبر بوضوح عن الالغام السياسية التي دسها هادي في قرارته الاستباقية للجم كل محاولات الاصلاح التي قد تاتي من خارج عباءته وتحسب لمصلحة اكبر منافسيه الجنوبيين. والدفع بعيدروس ليصير مبيدا للفساد ,يعني تحويلة الى "توكل كرمان جنوبية" , في حين ان مهام المحافظ اكبر من مجرد التحول الى ايقونة للشفافية.. والمراهنة على جهود محاربة الفساد للخروج من الضائقة الحالية هو توجه محكوم عليه مسبقا بالفشل, لسببين بسيطين : الاول ان الفساد المزمع محاربته ,مسيج سياسيا بقرارات الرئاسة والحكومة ومن دار في فلكها من مراكز نفوذ وازنه. وثانيا ان انهيار الخدمات في عدن مرده الحقيقي ليس الى الفساد بل الى الحرب التي دمرت مجمل البنية التحتية , فيما جهود اعادة الاعمار المحدودة اقتصرت على تجهيز المدارس واستجلاب بعض المولدات الصالحة للمخيمات وليس للمدن. بعبارة اخرى الفساد يشكل سببا هامشيا للازمة , و بالحد الاقصى فان اجراءات المحافظ والهلال الاحمر الاماراتي من شأنها ان تمنح الاسر العدنية ساعة اضافية في النور..اما على المستوى المنظور فان عدن مرشحة لتكون حديدة جديدة بسبب اهلاك كل محطات طاقتها ,وغياب واردات الكهرباء المقدمة من الدولة او المحصلة من الضرائب. لذا من الخفة ان يشحذ قادة الرأي الجنوبين هممهم لاظهار تحركات المحافظ كمعركة تستجلب الانجاز , بذلك نحن ننفخ في فقاعة ستفضحها الايام. الخطورة الحقيقة لا تكمن في انقطاع التيار الكهربائي او تردي الاوضاع المعيشية, فتلك نتائج الحرب التي لن تنقضي الا بانقضاءها, ومن يتحمل مسؤوليتها المباشرة هم الشرعية والتحالف, اما السلطة المحلية فبالكاد تستطيع تخفيف وطئتها على المواطنين. الخطورة تكمن في ذهنية الصراع التي تحكم تموضعات الاقلام والساسة الجنوبين .. حتى الان يبدو ان عيدروس مازال محروما من توصيات فريق فني متخصص يشخص عمق المشكلة دون اثقالها بحمولة سياسية, صحيح ان الفساد المالي والكيد السياسي يعمل على توسيع الازمة , لكن جوهرها كامن في الحرب التي اتت على معظم البنية التحتية جنوبا وشمالا , وبالتالي من الغباء فحص ومعالجة المشاكل ضمن ثنائية سياسية جاهزة؛ تتعاطى مع كل مشكلة مركبة باعتبارها مؤامرة. لقد اثبت عيدروس نضجا وعقلانية سياسية معتبرة خلال الفترة الماضية من خلال موازنته بين طموحات شعبه وحسابات حلفاءه, ولا يجب تبديد هذا الاداء في الالة الاعلامية التي مازالت تنطق بلسان المعارضة.. فيما هي في سدة السلطة..