ما أُخذ بالقوة أعدناه بالقوة. دخلت القوات الغازية إلى الجنوب عام (1994م)، ثم كان دخولها الثاني عام (2015م)، ثم تلى دخولها الثاني حرباً، تُوّجت بانتصار الجنوب، ودحر القوات الغازية، واسترداد كامل الأرض الجنوبية. اليوم، مجال القوة يبقى مقتصراً في الدفاع من أي هجوم، والحماية الأمنية من أي اعتداء. فيما حربنا الجديدة تتمثل في بناء مؤسسات الدولة، وتفعيل خدماتها. الانتصار العسكري لا يعني شيئاً، إذا لم نجعل من حال الناس بعده، أفضل مما كانوا قبله. ولا يعني شيئاً، إذا لم نستطع إدارة المدن التي حررناها، ولا يعني شيئاً إذا لم نستطع أن نُدير مؤسسات الدولة، ونقودها إلى نجاحها. إذاً، هذه هي حربنا الجديدة، حرب إثبات ذاتنا، وإمكانياتنا، وقدراتنا في إعادة بناء مؤسسات الدولة. الانتصار في الحروب، لا يعني أن المنتصر هو الأفضل. فكم من ميليشيا انتصرت في حربٍ، ثم تركت خلفها فشلاً لا يستقيم له نجاح. ولا يعني انتصارها أنها الأفضل، والأمثل! بل هي ترى في الحروب مهنتها، لذا فانتصارها فيها ليس بمستغرب. إثبات الأفضلية يكون عبر نجاح القيادة نحو رفاهية مستقبل الشعب والوطن، عبر بناء مؤسسات الدولة، وتفعيل تقديم خدماتها للمواطن، وإلّا فالحال يُصبح هنا شبيهاً بميلشيا انتصرت في حربها، ثم تركت خلفها فشلاً! رجل الحرب، لا يمكن له أن يقود عملية البناء، ليس لأنه لا يُريد، بل لأنه لا يستطيع. من قادوا معركة التحرير، هم قادة عسكريون، لذا وجودهم في مناصب مدنية لن يُحقق نجاحاً، وإدارة حياة الناس ليست معركة عسكرية حتى يتولاها رجل عسكري، بل هي إدارة مدنية، سينجح في إحراز نجاحها رجل التخصص، صاحب الإمكانية والقدرة. ليس تحاملاً، لكن إذا أردنا النجاح، فليكن الرجل المناسب في المكان المناسب. هل يمكن لدكتور جامعي أن يقود لواءً عسكرياً؟ فكيف لعسكرياً أن يُدير حياة مدنية!؟ فليكن رجال الحرب، للحرب. ورجال الدولة للدولة. فمثلما انتصرنا في الحرب بقوة رجال الحرب، سننتصر في إعادة بناء مؤسسات الدولة بقدرة رجال الدولة.