على طول فترة الحرب ومنذ الشرارة الأولى ، كانت شركة مصافي عدن هي الممول الأول والوحيد لكل جبهات القتال خاصة في المناطق الجنوبية وتحديداً عدن ، وكل من كان يدعي انه بطلاً جسوراً للمقاومة كان أول تفكيره الحصول على المحروقات والوقود من خزانات الشركة والتي كانت تحوي تلك المشتقات النفطية (المخزون الاستراتيجي النفطي لكل محافظات الجمهورية) . إضافة للنفط الخام الذي تم قصفه وإحراقه مع بعض الخزانات الأخرى التي تم احراقها أيضاً في ذلك القصف المتتالي ، واستهداف شبكة أنابيب الشركة الحيوية وميناء الزيت . وخلال فترة الاقتتال والتحرير ، تم استنزاف مخزون الشركة بالكامل من قبل المتنفذين في عدن وبتوجيهات عليا لتغطية السوق وكذا محطات توليد الكهرباء وبدون أي مقابل – والجميع يعرف ذلك – الأمر الذي أدى إلى تفريغ جميع خزانات الشركة حتى وصل بالمصفاة لاستدانة بعض المشتقات من شركة النفط لتسيير مركباتها . وهذا ما حصل لأول مرة منذ تأسيس المصفاة حتى اليوم !
وبعد أن كان هذا الصرح الاقتصادي الحيوي هو أحد المرتكزات الأساسية لتموين البلد بالمشتقات النفطية وضخ خزينة الدولة بالموارد المالية أصبح في خبر كان ، فهو الآن مجرد خردة من الآلات الحديدية المنصوبة كالأطلال لذكريات الزمن الذي مضى ..
الأمر الذي أوصل الشركة للولوج في أصعب المواقف وذلك في توفير رواتب هؤلاء العمال الذين كانوا سنداً وسبباً رئيساً في تحرير عدن والتي نالت من الجزاء (ما يجازي به الحمار أُمّه) كما يقال في المثل الشعبي !
وتزامناً مع ذلك ، فقد انطلقت حملة شعواء مسعورة ضد المصافي وعمالها ، وهرج ومرج كبيرين دفع (الحكومة الموقرة) للتحرك بحركة سلحفية بالاتجاه المعاكس من قضية المصفاة وتوفير النفط الخام والذي بدوره سيحل معضلة رواتب عمال الشركة منذ أكثر من خمسة أشهر ، فاستوردت المشتقات الجاهزة واستنفذت المخزون النقدي من العملة الأجنبية والمحلية وباتت تتخبط شهرياً مع نفاذ كل كمية من المحروقات ومطالبة محطات توليد الكهرباء ومحطات البنزين بالمزيد من المشتقات بشكل مستمر .
يقال في وسائل الإعلام ان هذا البلد هو بلد نفطي ، وكدتُ أن أصدق هذه الأكذوبة لولا أنني لم ألمس على أرض الواقع – كغيري من الناس – نتائج هذا ( التنفط ) على أرض الواقع !
المهم – وما يهمنا جميعاً هنا – أن نشير للقيادة السياسية ونذكِّر به كل الأبواق المأجورة ، هو أن المصفاة هي أول من دفع الثمن غالياً لهذا التحرير ، وأول من نال الجزاء الكبير الذي قدمته عدن والحكومة والقيادة ثمناً لتلك المرحلة ، وها نحن ننتظر الوقت التي تفاجئنا بها وسائل الإعلام بإعلان مناقصة لتفكيك هياكل الورش الإنتاجية للمصافي ببيعها كخردة حديد لدفع آخر مستحقات العمال قبل ترحيلهم لمزبلة البريد أسوة بسابقيهم من العمال المتقاعدين الذين يشحتون رواتبهم أمام مكاتب البريد ، ونتباكى على آخر صرح اقتصادي (سيادي) لم نستطع الحفاظ عليه ليدفع ثمن هذا التحرير ودعم الشرعية !!