أي حضارة أو أي دولة شُهد لها بالرقي والنماء إما أنه كان يتولاها مفكرون ويسكنها متعلمون يعملون في نفس الوقت أو أنه كان فيها ولاة صالحون ومفكرون -في شعبٍ جاهل- غيروا بأفكارهم سلوكيات شعبهم فنقلوه من الأدنى إلى الأرقى، أو أن الولاة لم يكونوا كذلك وكان الشعب فيها متعلم ويعي واجباته -قبل أن يمليها عليه ولاة أمره- فاكتفى أفراد الشعب بالتعلم والعمل والنقد والبناء وكانوا سواعد خير تعمل لأجل الوطن دون رياءٍ أو ملل ودون انتظار مقابل لما صنعوه لأجل أنفسهم وأولادهم فقوّموا بجِدّهم وجهدهم سلوكيات من حكمهم دون أن يعرضوا أنفسهم ووطنهم لأي خراب قد يسببه الغباء(من طرف الشعب أو من طرف الحاكم وأعوانه). أما هنا في شعوب التخلف والجهل التي تريد القوى الخارجية تمييعها وتجويعها فالحاكم فيها والمحكوم على حدٍ سواء غطّاهم الجهل إلى الأعناق فاختنقوا به، نهض الحاكم بالقرارات وفي المقابل سرد أفراد الشعب للشعب التحليلات،فلا قرار رأيناه نفع ولا تحليل لأي محلل قد شابه تحليل محلل آخر أو أن أحدهم صدق.
رئيس دولة لايعلم إلى أي ركن يلجأ ولا بأي دولةٍ يترجّى،رئيس حكومة لا يعلم عن يقين بأن كلامه الذي صرّح به باستطاعته تحقيقه، ووزراء لا يعلمون ماهو المطلوب منهم وأين مكان عملهم، كل هذا وهم يعيشون حياة الترف والبذخ وهم في بلاد شعبها مات من ضنك الحياة التي يعيشها وكأن مهامهم تقتصر على خدمة أنفسهم.
سوء الولاية مرض يتناقله الولاة ولا يفتك بغير الشعب فإذا كان الشعب قادراً على بناء نفسه سيقوّم إعوجاج ولاة أمره، أما إذا كان كالبهائم دون وعي ينتظر من راعيه أن يأتيه بالغذاء أو الذهاب به إلى المراعي ليعتاش هناك فلن يتغير شيء وسيطول الانتظار للمجهول الذي ربما سيكون أعنف من الواقع بأحداثه؛ لأن الراعي هنا لا ينظر لنفسه بأنه يرعى بهائم بل يرعى بشر لديهم عقول تُفكّر وباستطاعة البشر تغيير الواقع والاستغناء عن الراعي أو تقييمه بحكم العقول التي ميّز الله بها البشر.
كثرة الشكوى للخلق لن تُجدي بشيء،ها قد مات الضمير في صحراء المسؤولية القاحلة، والواقع يأبى أن يغيّره العنف إنّما تغيّره العقول والعقول لا يصنع ماتُمليه غير العمل.