نخطئ كثيراً في تقويم مكانة الآخرين ومواقفهم وسلوكياتهم.. من خلال محاولة تعميم الانطباع الشخصي (الذاتي) وكأنه حكم من الناس أجمعين.. في الوقت الذي هو لا يتعدى كونه انطباعاً يتأثر بالمنافسة.. أو بالموافقة أو الاختلاف.. أو بالحب أو البغض. وبالمقابل فإن من الأخطاء القاتلة: أن يفهمك أحدهم خطأً.. ثم يحاكمك حسب فهمه.. لهذا فمن المهم أن نتقبل قيم الآخرين كما هي دون أن نشوهها أو نخفض من قيمتها على ضوء قيمنا نحن.. وعلينا إذن، أن نرى الآخرين كما هم.. وأن نقبلهم كما هم عليه.. لا كما نريدهم نحن.. في الحقيقة.. لا نعلم ماذا نريد من الآخرين!!. وبدون هذا النهج سنظل نتساءل بغرابة وحيرة واستنكار وغضب في معظم الأحيان، عن ظواهر وسلوكيات قد تبدو لنا مبهمة، ونعقد حوارات بين ذواتنا من قبيل: نعرف أن المواطنين لا يحبون المسئولين.. وهذا أمر مفهوم، لأن هناك ظلماً لا نهاية له.. ولكن ما هو غير مفهوم هو الاحترام الكاذب الذي يظهره بعض من هؤلاء الناس للمسئولين.. والكرم الباذخ في المآدب التي يقيمونها لهم!!. نستغرب كثيراً ظاهرة مديح المسئول.... ولكننا لا نفهم أن تلك ازدواجية سببها الأول والأخير هو القمع والخوف الثابت والمتأصل من بطش السلطة ورموزها. كما أنه ليس غريباً ولا مستغرباً عندما نفهم أن يقوم بعض الأفراد أو الجماعات بالمزايدة لأجل أن يكونوا في السلطة، أو في أقل الأحوال أن يصبحوا خداماً للسلطة، أو رموزها.. ولكننا لا نفهم في الحقيقة أن مثل هذا السلوك يعبر عن نتيجة وسبب في آن لدور الجهل والأمية الحاسم.. كونهم ينتمون لثقافة تقليدية، زرعت في عقولهم فكرة الخضوع للمسئول، ولو جلد ظهورهم، وسلب مالهم، وانتهك أعراضهم.. فضلاً عن ترسيخ ثقافة الإقصاء في العقل الواعي واللاواعي.. باختصار.. نحن لا نفهم علاقة الكتاب بالحكومات.. فعندما ننتظر من الكاتب أن يساعدنا ويعلمنا وأن يوضح لنا مستقبلنا.. فإن توقعنا وانتظارنا هذا ينطلق من ثقة مضمونها أنه لا يخطر في بالنا أن كاتباً قد يمدح الحاكم!!. كما أننا نفهم أن يوجد موظف يستغل وظيفته لصالحه الخاص.. ولكننا لا نفهم لماذا لا يحاسب مثل هذا الموظف عندما يكتشف الآخرون فساده.. وهل يعني ذلك أن الجميع يستغلون وظائفهم؟ وأن الجميع اتفقوا بالصمت على قبول هذا الواقع. لا نعرف تماماً.. ولكن الحوادث كثيرة بحيث تبدو وكأنها ظاهرة عامة. نحن لا نفهم لماذا الحاكم يبقى حاكماً مدى الحياة بمختلف الوسائل وتحت كل المسميات والأشكال.. إلا إذا مات أو اغتيل أو حصل انقلاب أو ثورة ضده.. على أي حال نحن لا نفهم فوق هذا كله وراثة الحكم.. لأن كثيراً منا لا يفهم أن أهمية الأعاصير والعواصف تكمن في أنها تزلزل الهدوء.. وتعلن المواسم الجديدة.. وترسم العمق الثابت لأشجار الحياة.. وتسمح للفروع أن تميل دون انكسار. وقياساً على ما سبق، لا نفهم أن ثقافة الجهل والخوف والخضوع والإقصاء هي التي أعاقت تغيير البنية التحتية لتفكير هذا الشعب. وكمحاولة للهروب من هذا الوضع الذي يغوص بالتناقض ويحيل إلى احتمالات وفروض مفتوحة.. هناك أشخاص اعتادوا الحياة الرتيبة.. الجامدة.. الساكنة.. يتناولون نفس الطعام.. ويغنون أو يستمعون الأغاني الحزينة ذاتها.. ويؤمنون بالخرافات عينها.. ويحلمون بنفس الأحلام.. فيلبسهم اليأس.. ويدثرهم القنوط.. ويصبحون غرباء غير قادرين على العيش مع من حولهم.. والإنسان الذي يلجأ إلى هذا النوع من الحياة الساكنة، فإنه حتى لو فكر أن يتدفق مع التيار.. سيجد أن التدفق ذاته لا يستقر.. وتعرقله أشياء عدة تحدث حوله كإنسان. صحيح أن هناك سلسلة من الأسئلة الموجعة الجارحة غير أن الخطورة الناتجة عن مثل هذا الهروب من الواقع واللجوء إلى الاستكانة تتمثل في إهدار ملكات العقل التي تبعث على التحليل والتأمل وفك الرموز والابتكار والتجديد، وتوليد القرار المعزز بإرادة العزم والمقاومة. وختاماً، نذكر الإنسان الذي ينتمي لمثل هذا النوع من البشر بأن التحسر على قدرك لا يجدي نفعاً.. بإمكانك تغييره.. ذلك فقط يجدي!.. فالثقة تنبت في النفوس وتنمو وتتعزز برعاية المجتمع كله ولذلك: يجب أن تنفصل عن السكوت.. وينبغي أن تعلن عن هذا الانفصال فوراً. يجب أن ترفض تقبلك للفراغ.. وينبغي أن تعلن تمردك عليه فوراً. قاوم من أجل أن تتحول إلى شخص مختلف. لأن عالمنا سلس.. يتدفق فيه كل شيء ويمتزج.. كمقدمة لظهور كل شيء فيه بشكل جديد. [email protected]