الواقع الموبوء المليء بالأزمات والصراعات والظروف المعيشية المُهلكة وظروفنا اليمنية المزرية سواء في الفترة الراهنة والتي سبقتها كنا ومازلنا شعب يسير على البركة وعلى درب كله عشوائية وتخبط ولا رؤية وأفرز جيلاً أمياً ثقافياً وعلمياً وصرنا نوّرث الأمية العقلية والعليمة لأبنائنا يسيروا على نفس خطى إلغاء الفكر والتفكير فقط بلقمة العيش في ظل واقع مزر يصر الجهل أن يكون هو الراعي الرسمي لتفكيرنا المُحبط .. سياسة التجويع والحاجة والفقر والعوز كلها أسباب قهرية جعلت اليمني يفكر فقط كيف يشبع بطنه دون تفكير بشيء آخر من شأنه توسيع لمداركه وقدراته بما يضمن له الارتقاء بواقعه العلمي والفكري والثقافي والسلوكي والتأهيلي وإفراغ العقل من التفكير والطموح والإبداع وكانت النتيجة مجتمع كله أمية فكرية وأمية سلوكية وإبداعية. لا نلمح إلا شباباً مرمياً على الأرصفة يفتقر للثقافة والفكر والمنطق الصحيح والعقل السليم ولا يجد من يوجهه التوجيه الأمثل أو يحتويه سواء من مؤسسات ثقافية ونواد علمية تصقل مواهبه الموءودة تحت ركام الركود أو توسع من مداركه المغلقة من كل تنوير إبداعي لا يعرف إلا مضغ العلف والتحديق في فراغ العتمة .. بالتأكيد ليس ذنبه وذنب اليمني البسيط أن صار بهذا التبلد الفكري المرعب بل ذنب عقود ولّت من تجهيل العقل وإقصائه مقابل قوة النفوذ والسيطرة والحسب والنسب .. ليس ذنبه بل ذنب سياسة تجهيل وتهميش لعقلية شعب كان الغرض منها جعله تابعاً لا يفكر إلا كيف يأكل ويشرب وينام وكيف يوفر لقمة الرغيف وجرعات الماء ثم ينام مُغلق الأحلام. هي سياسة أزمات طوّقت هذا الحاضر الموبوء وجعلت الفرد يدور حول دائرة مغلقة من الحرمان والتيه ويسعى حول ساقية لا يجد فيها إلا رمالاً متحركة تغوص فيها أقدامه كلما أراد النجاة .. هي عقلية متحجرة همّشت صوت العقل والثقافة أمام معتقدات ورؤى جاهلية تعتبر الفكر والثقافة أشياء هامشية وثانوية لا جدوى ولا لزمة لها من شأنها أن تجعل الشعب يتمرد ويخرج عن قبضة الجهل الفولاذية فصار العقل يعيش كساداً لا نظير له إلا الموت. كل ما قلته ليس تنظيراً أو جموح قلم وسطوة كلمة مكبوتة بل هو واقع حال عشنا معاناته , ومازلنا , نرزح تحت طائلته حتى اللحظة جعلتنا شعب بلا طموح ولا أمنيات وليس لنا أي تطلعات مستقبلية أو خطط لتحسين واقعنا وحياتنا وعجزنا رغم محاولات بائسة لتحريك مشهد ثقافي مدفون منذ زمن ومازال وأصبحنا وبكل قهر نعيش طفرة في الركود الثقافي نجا منها نزر بسيط لا يقارن مع كم العقول الرازحة تحت خط التبلد العقلي المُمنهج والشاهد على ذلك افتقارنا لكل ما من شأنه الرقي بالفكر والثقافة من منتديات ومسارح ودور نشر ونتاجات أدبية وإبداعية ودور عرض سينمائية ومسرحية ومعاهد موسيقية لأنها في شريعة أعداء الحياة وبعض العقليات الصدئة رجس من عمل الشيطان لابد أن نكفر به. فهل بعد كل هذه الغشاوة العقلية من غشاوة ؟؟ وعلى هذا النهج يقاس باقي الأمور في بلادنا الميت من كل شيء له صله بالحياة وله صله بكل ما فيه فتك وقتل وبارود وبندقية. لا ذنب يتحمله اليمني سوى أنه استسلم لمثل هكذا واقع رث وفقد صوابه وفكره ورغبته في الحياة والذنب الكبير يتحمله من أجبروه وقادوه لمثل هكذا خنوع ورضى بكل كساد حتى تبلدت تلافيف عقله.. هو ذنب من تنعموا بخيرات كده وعرقه وردموا عليه الغبار وهو يتنفس. ذنب من زرع فينا ثقافة التبعية والعشوائية ومنطق القوة الخالية من العلم والفكر وحصد فينا تبلدا مقيتا لازلنا نفخر به ونظنه هو الصواب.. ولكن إلى متى سنظل نجتر جهلنا ونُقصي الفكر دونما محاولات لكسر قواعد الجهل بل إننا نغوص أكثر في مستنقعاته؟ متى سندرك أن الثقافة والعقل هما أساس بناء أي وطن لن ينجو إلا بمثقفيه ومفكريه ومبدعيه؟ ومتى نلتفت للإبداع وللمبدعين ونجعل من واقعنا منبراً تنويرياً لوطن مازال يرزح تحت طائلة التعصب والهمجية والأمية السلوكية والفكر الأهوج ؟؟متى يا ترى؟