واحد من أغرب وأرعب المواقف التي مررتُ بها في حياتي وقع لي اليوم، كنتُ قادمة من عمّان إلى القاهرة وفور وصولي وأنا في المطار طلبتُ تاكسي من شركة "كريم"، أنا متعودة على التعامل مع هذه الشركة دائمًا في تنقلاتي داخل القاهرة، من قاعة الوصول في مبنى المطار رقم 2 وإلى موقف السيارات حيث التاكسي مسافة 30 مترًا تقريبًا، سائق السيارة ساعدني في جر حقيبة السفر وكنت أرتدي حقيبة ظهر ثقيلة فيها أوراقي والمحفظة واللابتوب وأشياء أخرى. اقترح عليّ بلطف انه سيحملها عني هي الأخرى فشركته على تعاونه واعطيتها له لأني كنت مرهقة. فتح لي باب السيارة ودخلتُ.. انشغلتُ بمكالمة بينما كان يضع هو الشنطتين في الخانة الخلفية ومضينا في طريقنا وأدار هو كعادة الشخصية المصرية الحكواتية حوارًا حول أشياء متعددة.. تحدثنا عن البلدان العربية وميزة كل منها وعن ميزة القاهرة دون غيرها، كان قد مضى على الرحلة عشرون دقيقة حينما هاجمني هاجس مفاجئ بأن صديقي الودود هذا أخذ شيئا من شنطتي ! طردتُ هذه الفكرة مرارًا لكنها ظلت تتردد وتلح عليّ بشكل مزعج كجرس إنذار للدرجة التي فقدت معها تركيزي تمامًا. طلبتُ منه أن يتوقف قليلًا ويجلب لي شنطتي لأني نسيتُ موبايلي الآخر داخلها (لم يكن لدي أي موبايل آخر). جلب لي الشنطة وترجلت معه في نفس اللحظة، اخذت شنطتي وعدنا للسيارة، أدار هو المحرك ورحت أنا أفتش محفظتي فوجدت النقود بداخلها ناقصة مبلغًا وقدره.. قلت له بكل حزم وهدوء : لو سمحت ارجع النقود التي أخذتها من شنطتي الآن حالًا.! ارتبك وراح يحلف لي أيمانًا مغلظة على طريقة "وحياة ربنا ما انا عارف انتي بتتكلمي عن إيه" وطلب مني أن أتأكد من الحقيبة وما بداخلها، كنت قوية بشكل لم أتخيل أني قد أكونه وأظهرت ثقة وهدوء لم أصدق نفسي عليها ولم افقد توازني ولا لثانية.. حينما رفعت صوتي وطلبت منه مرة أخرى أن يرجع النقود لأننا لسنا في صدد أي تفاوض، قلت له لو سمحت وبكل احترام أنا أقول لك أنت أخذتها وأنا رأيتك والآن اطلب منك بهدوء ووديًا أن ترجعها قبل أن نذهب سويًا إلى الشرطة وسيكون وفد من السفارة في انتظارنا لأني قد أبلغتهم وبعثت لهم موقعي وهم يتعقبون طريقنا ( كانت كذبة مشروعة بالتأكيد لأننا فعليًا لا نملك سفارات ترد على تلفوناتنا فما بال أن تتعقب أحدا) .. أنكر مجددًا ولكن كان قد ظهر عليه الرعب الذي كان ينبغي أن يظهر عليّ أنا، لأننا كنا في طريق سريع وربما كان لصًا محترفًا أو قاتلًا بإمكانه أذيتي.. قال ربما أنها سقطت في الخلف وإنه سينزل ليبحث.. قلت له اركن الآن وسننزل معًا لنرى!.. قال حسنًا سنبحث عن مكان بالإمكان ان نوقف فيه السيارة. بعد قليل أخرج لي النقود وأخبرني أنه أخذها لأن "ظروفه صعبة"وأنه يعتذر لأنه اضطر لذلك.. النقود التي أرجعها كانت تنقص عن المبلغ الذي أخذه.. وبنفس درجة الهدوء قلت له : الناقص كذا وكذا ومرة أخرى اقول لك لو سمحت ارجع لي كل نقودي وإلا ستجد نفسك وراء الشمس وأنا أعني ما أقوله لك ! .. بحث في جيوبه وافرغها وهو يحاول أن ينكر وجود أي نقود معه ! قلت له إذن إلى الشرطة ! لم يستحمل طويلًا فارجع لي المبلغ كاملًا و أخذ في الاعتذار.. طلبت منه أن ينزلني فقال أن المكان مقفر ولا يستطيع أن يتركني هكذا، مؤكدًا انه يخجل من نفسه وانه يرغب في ان يوصلني إلى البيت وانه لن يأخذ مني اي نقود، رفضت الفكرة، فقال انه سيتركني عند أقرب موقف. طلب مني أن لا أؤذيه في لقمة عيشه وأخذ مني وعدًا بذلك. اوصلني فعلًا لأقرب موقف واوقف لي تاكسي وحمل لي شنطتي لداخله أيَضًا! لازلت في حالة صدمة إلى الآن، لا أعرف إن كان يستحق العقاب أو ان كان يجب أن اوفي بوعدي له وأتركه وشأنه، لا أعرف ما الذي يجعل شاب مهندم ويظهر عليه انه "ابن ناس" يسرق بهذا الشكل الفج، لا اعرف كيف يتجرأ على السرقة وهو يعرف ان رقمه وسيارته وبياناته كلها معي بحسب شركة التوصيل، لا أعرف لماذا لم يسرق كل النقود وترك بعضها، هل أراد أن يشوشتي حتى إذا دفعت له اجرته لا أشك بشيء! لا أعرف أشياء كثيرة ولكني لا أشعر نحوه الآن بشيء سيء بقدر ما أشعر بالامتنان لهذا الموقف..فمنه خرجت بخلاصتين: 1- ثقتك بالله وبحقك وبنفسك أعظم أسلحتك على الإطلاق 2- حدسك هو مرجعيتك التي يجب أن تتبعها طوال الوقت.