يعتبر بيان عدن التاريخي الصادر يوم 4 مايو 2017م من الناحية السياسية من أفضل البيانات التي صدرت حتى الآن عن الفعاليات الجنوبية بغض النظر عن حجم هذه الفعالية الحقيقي، وقد أخذ هذا البيان حقه سياسياً بالنقاش والنقد والتأييد، لذا سوف نتناول هذا البيان مِن الناحية القانونية فقط. فبيان عدن التاريخي من وجهة نظري، يعتبر بمثابة إعلان دستوري للحركة السياسية الجنوبية، وما دام أنه كذلك فكان ينبغي على صائغيه أن يراعوا الجوانب القانونية في صياغته قدر الإمكان، ولكن يبدو أنهم أهملوها أو على الأقل أهملوا قدراً كبير منها، ولن نستعرض كل تلك الجوانب القانونية وإنما نكتفي بأهمها فقط. فمن الجوانب القانونية التي كان يتعين مراعاتها عدم "شخصنة" البيان أو الإعلان الدستوري ولكن حدث ذلك عندما رُبط البيان بشخص عيدروس الزبيدي، ومحل ملاحظتنا هذه ليس لأن الزبيدي غير جدير بهذه المكانة، ولكن لأن ذلك يتنافى مع خصائص القواعد القانونية المتعارف عليها دولياً. إذ أن من أهم خصائص القاعدة القانونية أن تكون عامة ومجردة ومعنى ذلك أنها "لا تخص شخص معيناً بالذات ولا واقعة محددة بعينها، بل تقصد أشخاصاً معينين بصفاتهم ووقائع مشخصة بصفاتها، وكل شخص أو واقعة توافرت فيها المواصفات اللازمة تطبق عليها القاعدة. أما التجريد فيقتضي أن تصدر القاعدة في صيغ مجردة لا تتعلق بشخص بعينه ولا واقعة بذاتها، ولذلك فالقاعدة القانونية لا ينتهي دورها بتنفيذها مرة واحدة "سفري" بل يجري تطبيقها كلما وجدت الشروط والمواصفات" سواء في الشخص أو الواقعة. وما حدث في صياغة هذا البيان هو إهدار لهذه الخاصية من خواص القاعدة القانونية وسفك مضمونها بطريقة سافرة. لذلك كان ينبغي النص في البيان على صفات وشروط القائد فقط، وليس شخصه وكذلك تحدد مهامه أو صلاحياته سواء كان القائد عيدروس أو غيره، على أن يعقب ذلك لاحقاً تزكية أو اختيار.. قائد أو رئيس .. الخ من الصفات، وذلك استناداً إلى هذا البيان، وليس تفصيل البيانات التاريخية ذات الطابع القانوني على مقاس أشخاص معينة. إن من أسباب الإخفاقات التي وقع فيها الحراك الجنوبي أثناء مسيرته النضالية السلمية، أنه رُبط بأشخاص معينين أو من سمو مجازاً "قادة" بل من المؤسف أن رُبِط مصير القضية الجنوبية برمتها بأشخاص معينين انطلاقاً من قاعدة "اللي شبكنا يخلصنا" . فزال الأفراد أو عادوا إلى سراديبهم أو انحرفوا عن المسار، ومع ذلك استمرت القضية الجنوبية شاخصة للعيان لا ينكرها إلا من سَفِه نفسه، وإن كانت لم تلق الإنصاف الذي تستحقه حتى الآن لأسباب عديدة من أبرزها الشخصنة كما أسلفنا القول. إن ارتكاز أي حركة ثورية - وحتى إن أصحبت دولة بعد ذلك – على أشخاص معينين لن يكتب لها الاستمرارية فبمجرد زوال أولئك الأشخاص إما حقيقةً أو حكماً، تتفسخ بعدهما تلك الحركات الثورية والدول، ما لم تقم على بناء مؤسسي سياسي وقانوني سليم، يحمل مشروعاً واضح المبادئ والأهداف، يؤمن بالمتغيرات وسياسة فن الممكن.