إن عدم القدرة على ضبط النقاش على مستوى واحد داخل الحركة التحررية الجنوبية وخارجها على المستوى الشعبي سيعيق من سرعة وصولها للهدف وسيدفع الجميع ثمنا ووقتا إضافيا . لذلك فان السلوك الاجتماعي يكون في الغالب عامل مؤثر على نجاح الثورة إثناء سيرها أو بعد توقفها او تحقيقها لأهدافها سلبا وإيجابا ارتباطا بنوع السلوك . إن بعض الأخطاء قد تحرف مسار الثورة وقد لا تجعلها تمر بدورتها الطبيعية ككل الثورات الأمر الذي قد يؤدي بها إلى الرسو في نهاية المطاف إلى وضع أسوأ من الوضع الذي كانت عليه الدولة قبل الثورة . وهذه الأخطاء قد يكون مرجعها قلة الفكر التنويري وعدم الإنصات إليه واستيعابه والعمل به إن وجد ، إن الفكر التنويري المناط بالمفكرين إنتاجه يجب إن يعمل على تغيير المفاهيم والتراث السلبي ويتغلغل في الوسط الشعبي ليكسبه المناعة الكافية ضد الأفكار الخاطئة والهدامة التي كانت سائدة منذ مرحلة الدكتاتورية والتسلط الفئوي والقبلي او المناطقي وصراع المصالح وان عدم الاعتراف على المستوى الفردي بوجود ثقافة سيئة تتمثل في الرغبة في الاستحواذ والتسلط الفئوي والمناطقي والقبلي وثقافة الفيء والغنائم وغيرها وانه يجب التخلي عنها فورا فإنها لن تثمر الجهود الجماعية في صنع التغيير إذا كان لهذا الشعب عين على المستقبل الزاهر الذي يراود مخيلته في مجتمع مثالي خالي من الصراعات البدائية ، إن هذه الإشكال السلوكية السيئة لم تكن في يوم من الأيام من سلوكيات شعب حضرموت الجنوب العربي ولكن كانت نسخة دخيلة على المجتمع الجنوبي تمثل نموذج لثقافة دولة باب اليمن تلك الدولة التي لم تنقلها سيادتها على أرضها اي خطوة إلى الإمام بل أنها الدولة الأكثر تخلفا وفي ذيل قائمة الدول في كل المجالات بسبب هذ النموذج السيئ للسلوك الذي تم استنساخه في المجتمع الجنوبي الحضرمي وببقائه لن يفيد الشعب الجنوبي استعادته دولته في شئ بل انها ستبقى دولة في ذيل القائمة كتلك جارتها اليمنية . وانه من المنطق لن تصل الدولة القادمة الى الرخاء والتقدم أبدا بهذا الحال ، التغيير يجب إن يبدأ من الذات ليكون من الممكن الدخول إلى الدولة الجديدة بعقول قادرة على البناء وصناعة النهضة والتقدم ، ولذلك يكون من الواجب ان يقول لسان حال الجميع ( حتى استعادة الدولة لن يغير من شي في حياة الناس على الإطلاق مالم يتم التخلي النهائي عن الموروث السيئ ).
حتى على مستوى النخب والوسط الشعبي انعكست سلبيات مرحلة الانحطاط في سلوكهم فلم يعد بمقدور الكثير منهم الخروج من عباءة التعصب القبلي عندما يجد نفسه في زاوية ضيقة ليستعرض عضلاته باسم القبيلة او يتخذها وسيلة للضغط ، التعصب القبلي مازال خنجر مغروس - من خناجر مرحلة الانحطاط تحت حكم باب اليمنلحضرموت الجنوب العربي - في خاصرة هذا الشعب ، علاه على مصاب الوعي الجمعي من خلل أكان على مستوى الوسط الشعبي اوعلى مستوى النخب ، فعلى مستوى النخب كان السباق الى تصدر المشهد الثوري باسم الأحزاب او التنظيمات سلوك غير ثوري و نشاط غير مألوف لكثير من الثورات وغير موفق يدل على انعدام الوعي السياسي لدى قادة هذه التنظيمات والأحزاب ، ودلالة على الجهل التام بأبجديات العمل الثوري الجمعي والجهل بعملية تدرج أنشطة المراحل التي تمر بها الثورة ، والجهل التام لديهم بمعرفة متى يمكن الحديث عن حرية التعبير عن الرأي وعن الشراكة باسم هذه الحزب أو إذاك ،والجهل بالآثار الوخيمة التي سيفرزها هذا السباق المبكر التي تعد تمهيد ارعن لكافة إشكال العنف الاجتماعي التي ستنعكس على ضياع فرصة تحقيق الثورة لأهدافها وقد تفسدها وسيؤدي ذلك في المحصلة النهائية الى سقوط الكل . أيضا نجد في جانب أخر تداخل وتدخل غير منطقي ولا حكيم يجري في مستوى الشخصيات الاجتماعية بغض النظر عن كينونتها ومستوى مشاركتها وقيادات مرحلة سقوط الجنوب التي يسود مزاجها سلوك غريب ظاهره التوتر دائما عندما تحقق حركة التحرر الجنوبية انتصار ملموس او يستطع نجمها في بعض المحطات ، يدفعها (اي هذه الشخصيات ) للحديث من موقع الناصح صاحب العلم المطلق والمعرفة المستقبلية بخبايا الأمور السياسية في صورة تغضب الإنسان الجنوبي البسيط التي يراها حالة غير صحية ويرى أنها انعكاس لعاهات عقلية قديمة لدى هؤلاء حتى وان كانت سبب ما حل بهذا البلد من دمار للإنسان والأرض على مرحلتين . إن الإنسان البسيط الذي يلملم جراحات الماضي وآلامه وينفض غبار الثقافات السيئة الدخيلة ويتحمل كل العبء في هذه المرحلة وما سبقها لتصحيح أخطا لم تكن من فعل يده بثورة شارفت على النصر ، يرى في هؤلاء إن يحترموا مشاعره وثورته بعدم سلوك إي طريق شاذا يسبب إرباك لهذه المرحلة من الثورة ويرى انه من الأمثل ان يتواروا عن الأنظار نهائيا .