يتصاعد الخلاف الإعلامي المستعر بين جناحي تحالف ال21 من سبتمبر في صنعاء ،بعدما أرتفعت حدة الخطاب المتبادل بين الأثنان على خلفية تهديد الحوثيين بخطف المحامي الشخصي للرئيس السابق /علي عبدالله صالح ،قبل أن يقود نشطاء موالون للأخير حملة إعلامية على نسق متقطع تضمنت إتهامات للحوثيين بالخوض في عمليات فساد واسعة، وتوجيه الفشل العسكري صوب الجماعة المسلحة المدعومة من طهران. لم يكن التهديد بأختطاف الحوثيين لمحامي صالح الأول من نوعه في مسلسل الخلاف بين طرفي التحالف شمالًا،إذ إن الحوثيون فعلوها ذات مرة، وأختطفوا قيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح. ونظم الحوثيون مؤخرًا عرضًا عسكريًا أمام منزل حليفهم القوي الذي قاد نشطاء وصحفيون موالون له حملة إعلامية حملت الحوثيون المسؤولية عن تردي الأوضاع في المدن الخاضعة لسيطرتهم وتضمنت في الأثناء أتهامات مباشرة بالفشل في مناطق الصراع مع حلفاء الحكومة الشرعية. وفي محاولة للأثنان،لاقت صدى إعلامي واسع،لتقديم علاقتهم بالشكل الأفضل بعد أسبوع من الصراع الناعم، ذهب علي عبدالله صالح، وصالح الصماد وهو رئيس المجلس السياسي الذي شكله الحوثيون مناصفة مع حزب الرئيس السابق إلى مسقط رأس الأول لتفقد المقاتلين هناك، في زيارة أكدت أن خلافًا كبيرًا بدأ يتوغّل في علاقة طرفي التحالف،إذ إن تحالفهم لم يشهد أي زيارة من هذا الحجم لمسؤولان رفيعان في أفضل فترات الإنقلاب،ما بدأ أن الأمر يتعلق شخصيًا بطريقة صالح المعهودة في إيصال رسائلة السياسية، تحديدًا في هذا التوقيت الذي يتلقى فيه تحالف صالح والحوثيين ضربات عسكرية قوية في مناطق الساحل الغربي وعديد جبهات.
يعتقد متابعون مهتمونً إن التسلسل الزمني لمواقف جناحي تحالف الحوثيين وصالح تؤكد مدى هشاشة هذا التحالف رغم إن طرفاه حاولا تمييع مابدأ يطفوا كثيرًا على السطح. يمضي هؤلاء مجددين إن كل من الحوثيين وصالح حاول في فترة من الفترات إن يؤسس لمرحلة سياسية بدون حليفه الآخر في صورة تقدم المشهد الحقيقي لتحالف صنعاء،إذ إن التاريخ الطويل لعلاقة الاثنان اللذان خاضا قتالًا داميًا ست مرات،يدفع كل منهما لتصفية حساباته مع الآخر على طريقة ضرب عصفورين بحجر،أولًا الخروج من المازق الحرب وثانيًا تصفية بعض ملفات الكشف القديم.
قبل أشهر ذهب محمد عبد السلام وهو الناطق الرسمي للجماعة المسلحة إلى العربية السعودية وألتقى هناك بقادة رسميين في محاولة ثنائية للحوثيين والرياض للوصول لتفاهمات سلام وإزاحة جناح صالح من جانب آخر،بدأ خطاب عبد السلام حينها ناعمًا تجاه الرياض وتضمنت أحد لقاءته،إشادة بسعي المملكة للسلام.
رأت الرياض حينها إن الرابط الجغرافي والسياسي لها مع الحوثيين أكثر منه مع صالح وبالتالي مضت في محاولة جذب الحوثيين الذي يعني السلام معهم تأمين الحد الجنوبي لها الذي يشهد تمركزًا أكثر ونفوذًا أعلى للحوثيين وكان طبيعيًا جدًا إن تبحث الرياض عن فريق يقضي على صالح الذي شكل هاجسًا لها نظير خطورته سياسيًا ولم تجد فريقًا يتلهف لصالح أكثر منهم.
تماهى الحوثيون مع الرياض حينها وبدت كل الإحتمالات تظهر رويدًا رويدًا وكان من بين تلك الإحتمالات هو نشوب صدام بين الطرفان.
أزعجت تلك الخطوة جناح صالح فعليًا،لكنه لم يظهر ذلك وبدأ الرجل يراقب الخطوة الثنائية بين الحوثيين والرياض بقلق وترقب،كانت مخاوف صالح حينها من إن يتوصل الاثنان لإتفاق برعاية دولية يبعده بشكل أو بآخر وإن كان الحوثيون وقتئذاك يمضون في خطواتهم تحت راية عامة لكن بدت خطواتهم منفردة.
كان ذهاب الحوثيين إلى الرياض الضربة الأولى في عمق التحالف الذي بدأ في ال21 من سبتمبر/إيلول،2014 ومن حينها باتت علاقة الحوثيين بصالح والعكس مهترئة وإن كانت هكذا من قبل،لكن هذه المرة بدأ إستقلال الخطوات وذاك يعني إنفصام في السياسة والإتجاه.
مجددًا ضُرِبت العلاقة بين طرفي الإنقلاب بعدما نشرت دورية مخابراتية فرنسية تقريرًا عن إمكانية الدلف بنجل صالح رئيسًا أو هكذا، برعاية أبوظبي، وظهر الأمر في صورة رسمية مدعومة دوليًا، ما أثار مخاوف الحوثيون وأبدى الكثير من قادة الجماعة إنزعاجهم لكن البعض حاول تقديم صورة المؤيد في إطار سياسة المناورة التي بدأت قيادات في الجماعة تذهب إليها.
في واقع الأمر لن يوافق الحوثيون إن يكون نجل صالح رئيسًا،لأن هذا يعني إن الجماعة ستخوض صراعًا على جبهتين حيث نجل صالح الذي لا يملك علاقة جيدة مع الحوثيون والدلف هكذا يعني إن منصبًا كبيرًا سيناله فيما الجماعة لا تملك قياديًا يوازي قوة قائد الحرس الجمهوري السابق مع توفر الدعم المفترض وفق مانشرته الدورية الفرنسية التي قدمت الموضوع كإتفاق إماراتي سعودي وهو مايعزز مخاوف الجماعة مع تخلي حليفها الأقليمي إيران عنها.
تكمن مخاوف الحوثيين في غياب الداعم القوي لهم في حينما تحضر صفقات التوافق والسلام،الجماعة المسلحة غاب عنها دعم حليفها الأقليمي(إيران) وبدأ التذمر الشعبي يزداد تجاه الجماعة وهو ما قد يستثمره صالح جيدًا على الأقل في صنعاء،ومع الحديث المتضارب حول العلاقة الجيدة بين أبوظبي وحزب الرئيس السابق تتضاعف مخاوف الجماعة من ان تؤدي تلك التفاهمات لإزاحتها أو إضعافها في أي صفقة سلام منتظرة. خطوة الذهاب إلى الرياض من جانب الجماعة المسلحة،مع الحديث الدائر حول الإعداد لتقديم نجل صالح رئيسًا بدعم إماراتي هما الضربتان العكسيتان الذي تأثر بها تحالف الحوثيين وصالح.
الوضع العام في صنعاء ومدن شمالي البلاد الخاضعة لتحالف الحوثيين وصالح يبدو محتقنًا أكثر من أي وقت مضى وإن كان الطرفان قد حاولا من قبل أظهار جانب متقدم من العلاقة لكن جملة التصريحات المتبادلة مع بعض الأحداث تؤكد تصدّع العلاقة بين الطرفين.
حينما هدد الحوثيين بإختطاف محامي صالح،لم يكن ذلك حدثًا عابرًا ولا نتيجة خلاف قانوني مع الرجل بالقدر الذي حمل رسالة حوثية بقدرة الوصول لأقرب الناس للرئيس السابق. تكفل مجموعة من رجال صالح في الإعلام بالرد منتقدين السياسية الحوثية في إدارة المدن الخاضعة لهم ومتهمين الجماعة بعمليات فساد ومحاباة لحلفائها المحليين.
وبالتوازي سرّح الحوثيون عددًا كبيرًا من ضباط قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس السابق وأبدلوهم بأفراد موالون لهم ويقرأ مراقبون هذا التحرك في سعي دؤوب للجماعة لإضعاف جناح صالح عسكريًا عبر خلخلة القوات الموالية له وبسط السيطرة المطلقة لهم على مفاصل المؤسسة العسكرية.
يرى مراقبون ان صالح يتنبّه جيدًا لتلك الخطوات الحوثية لكنه لا يرغب هو شخصيًا بالخوض في صراع مع الجماعة حاليًا بيد أنهُ يوكل الأمر لعدد من أنصاره في الإعلام لإنتقاد الجماعة بالتركيز على سوء إدارتها ويعتقد متابعون إن ردود فعل انصار صالح أكثر نجاعة من الحوثيين لأنها تستغل تزايد الرفض الشعبي للجماعة في صنعاء والمدن المجاورة لها.
فطن صالح لتصاعد الحديث في الإعلام عن خلافه مع الحوثيين فرتب هو لزيارة بدت في صورتها الرسمية رفقة رئيس المجلس السياسي في صنعاء صالح الصماد،هذه المرة كانت الوجهة سنحان وهي مسقط رأسه وتفقد الأثنان مواقع تمركز تابعة لرجال القبائل. كانت تلك الزيارة الأولى على المستوى الرسمي الرفيع لقياديان بارزان في تحالف الحرب شمالًا. حاول صالح ان يقدم رسالتين سياسيتين مزدوجتين من زيارة سنحان.
كانت الرسالة الأولى ان صالح يقول ان العلاقة جيدة مع الحوثيين وان ذهابهم معًا لتفقد مواقع هامة هناك تأتي في إطار واحدية الهدف العسكري بينما حاول الرجل إيصال الرسالة الثانية بشكل يوحي انهُ الطرف الأقوى في التحالف وبالتالي وجود الحوثيين في مناطق حلفائه وأنصاره يوحي ان الرجل يملك القرار أكثر من الحوثيين ويسيطر عليهم.
لا يبدو ان الحوثيين وراء زيارة سنحان،لكن صالح الصماد وهو رئيس المجلس السياسي الذي شكله الحوثيون وصالح،تماهى مع دعوة صالح وظهر ان الأخير حاول منافسة الرئيس السابق في توصيل رسائل سياسية من تلك الزيارة. بدأ ان الحوثيون كانوا بحاجة لتلك الزيارة لطمئنة حلفائهم المحليين من جهة الذين باتوا يتخوفون من إنهيار التحالف مع صالح الذي يعد مهمًا وجوده لإستمرار التحالف،ومن ناحية أخرى ظهر الصماد محاولًا أيصال رسالة أن الجماعة تستطيع الوصول لمسقط رأس صالح وان بدأ الأمر رسميًا أكثر فاعلية لصالح منه للحوثيون بخوص مرود ونتائج الزيارة.
قد تشهد العاصمة اليمنية خلال الفترة القادمة تفكك التحالف على خطوات متتالية،لكن ذلك لن يحدث بشكل صدام او صراع وقد يأخذ شكل الملاسنات وتبادل الإتهامات ويرتبط هذا ببقاء الوضع كما هو عليه وعدم إحداث القوات الحكومية أي تقدم قرب العاصمة.
فيما إذا نجحت القوات الحكومية في إحداث تقدم نوعي مكلف صوب صنعاء والوصول لخيار العسكري ستتشكل تحالفات جانبية وقد يذهب كلً من الحوثيون وصالح لخلق تفاهمات مع أطراف في التحالف العربي للإطاحة بأحدهما الآخر وتحقيق مكاسب سياسية في أي صفقة للحل.
إستمرار الوضع بهذا النسق مع اللجوء لخيار السلام وهو الأكثر قربًا للنجاح، يصب في مصلحة جناح الرئيس السابق الذي يملك شخصيات على علاقة جيدة مع أطراف في التحالف العربي ويمكن إن تقدم كشخصيات توافقية في المشهد القادم بخلاف الحوثيون الذين قد ينجحون في حالة اللجوء للخيار العسكري ويتعلق الأمر هنا بالرياض التي تخشى من ان يظل الحوثيون يناورون على حدودها وهذا ينتج لها مشاكل مصاعفه ،وبالتالي لن تجد مشكلة في خلق علاقة جيدة مع الجماعة لإضعاف صالح او الضغط لإخراجه.
عدا الحالتين لا يمكن ان يخوض الحوثيون وصالح في صراع قبل أي تقدم في المشهد السياسي والعسكري،ستظل علاقة الحلفين مستمرة وستستمر معها الأحاديث المتبادلة بين الجانبين لكن كلفة تهشّم التحالف ستبدأ مع نشؤ ملامح أي صفقة سياسية أو عسكرية قادمة.
المنطق وطبيعة راهن الحال الدائر مع جملة من التوافقات الإقليمية والدولية تقتضي ان يظل الحال كما هو في صنعاء ومعه تبقى علاقة الحلفين مستمرة بإنحدار في التحسن والتقدم،لكن اللحظة النهائية لإسدال الستار ستتكشف رويدًا رويدًا مع إعداد الطبخة السياسية القادمة. *من صالح المحوري