الإعلان عن حصيلة ضحايا العدوان على الحديدة وباجل    أكسيوس: ترامب غير مهتم بغزة خلال زيارته الخليجية    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    الامارات العربية تضمّد جراح عدن وتنير ظلامها    تغيير رئيس الحكومة دون تغيير الوزراء: هل هو حل أم استمرارية للفشل؟    ودافة يا بن بريك    إيران تكشف عن حجم الخسائر الأولية لانفجار ميناء رجائي    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    إسرائيل لا تخفي أهدافها: تفكيك سوريا شرط لنهاية الحرب    طيران العدوان الأمريكي يجدد استهداف صنعاء ورأس عيسى    قرار رقم 1 للعولقي بإيقاف فروع مصلحة الأراضي (وثيقة)    الحذر من استغلال العليمي مبررات (إصلاح الخدمات) في ضرب خصومه وأبرزهم الانتقالي    أعنف هجوم إسرائيلي على اليمن يدمر ميناء الحديدة    بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    مرض الفشل الكلوي (3)    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطور الجماعات السلفية في تعز


ملخص تنفيذي
ساهم صعود الميليشيات السلفية في مدينة تعز في التفجر الدوري للعنف بين فصائل تبدو ظاهرياً مؤيدة للحكومة الشرعية. كما ساعد في تغذية بيئة مولّدة للجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة. من المرجح أن هذه التطورات، ما لم تعالج بشكل مباشر، ستستمر في التسبب بالمزيد من الاضطرابات في المدينة، وفي المحافظة ككل، قبل التوصل إلى أي حل محتمل للنزاع الأكبر الدائر في اليمن.
رغم شهرة تعز كمدينة ذات نزعات سياسية يسارية، إلا أن الحضور السلفي تنامى باطراد خلال العقود القليلة الماضية. إلا أن الأتباع المحليين لهذا المذهب الشديد المحافظة من الإسلام السني كانوا، قبل انتفاضة اليمن عام 2011، يرفضون السياسة بالمطلق ويركّزون في نشاطاتهم على العمل الخيري. بعد الاحتجاجات العارمة ضد حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، اختلف الزعماء السلفيون حول دعم الحركة الاحتجاجية. انقسمت الجماعات السلفية أكثر حول المشاركة في عملية الانقتال السياسي بعد تنحّي صالح.
أدت الحملة العسكرية التي شنها المقاتلون الحوثيون عام 2013 على بلدة دماج –وهي الحصن السلفي الوحيد في المحافظة ذات الأكثرية الحوثية– وما تلاها من تهجير قسري للسلفيين إلى إشعال غرس أولى بذور العسكرة في صفوف السلفيين في البلاد. ثم أدى الحصار الحوثي لمدينة تعز، والذي بدأ في 2015، إلى صعود جماعات المقاومة المحلية المسلحة؛ وقد كانت أبرز هذه الجماعات ثلاثة تكتلات ميليشيوية سلفية.
أدى اختلاف ولاء هذه الميليشيات لحزب الإصلاح –المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن– بالإضافة لندرة الموارد المحلية إلى تنافس محموم وصراع أخذ منحى عنيفاً فيما بينها. وقد ساعد التحالف السعودي الذي تدخل في النزاع اليمني، ولا سيما دولة الإمارات، على تغذية هذه التنافسات عبر توفير الأسلحة والتمويل بشكل امتيازي للميليشيات غير المرتبطة بحزب الإصلاح. كذلك انقسم الجيش اليمني النشط في تعز حسب ارتباطاته بحزب الإصلاح. أدت هذه العوامل، إلى جانب غياب مؤسسات الدولة الفاعلة والخدمات العامة، إلى نشوء بيئة أمنية مضطربة للغاية وجد فيها تنظيم القاعدة فرصة للنفوذ والتوسع.
الأهم من ذلك أن العوامل التي تقوض الاستقرار في تعز آخذة في الانفصال عن المعركة الأكبر ضد القوات الحوثية وحلفائها. يترتب على ذلك أنه ينبغي غالباً على الجهات الوطنية والدولية أن تنخرط بشكل مباشر في تعز إذا ما أرادت تحقيق الاستقرار في أي سيناريو أوسع تسير فيه البلاد بعد انتهاء النزاع.
تعز: تاريخ من الانشقاق
تعد مدينة تعز ثالث أكبر مركز حضري في اليمن بعد صنعاء وعدن، في حين تعد محافظة تعز أكبر محافظات في اليمن من حيث عدد السكان[1]. تقع محافظة تعز في وسط اليمن، رغم أنه بحسب القسمة التي تحدد الديناميات الاجتماعية والسياسية للبلاد بين شمال وجنوب، كانت تعز تقليدياً جزءاً من الشمال. يتمتع أهالي تعز، الذين يشار إليهم محلياً ب”التعزيين”، بالحيوية المدنية والسياسية التي عرفوا بها طوال تاريخ اليمن الحديث. ترجع هذه الحيوية إلى وعيهم وسخطهم على التهميش السياسي الذي تفرضه عليهم النخبة السياسية والقبلية في شمال اليمن، والتي يسعى التعزيون عادة إلى التمايز عنها.
عاش شمال اليمن لعدة قرون في ظل نظام استبدادي ديني هاشمي ذي أصول زيدية شيعية عرف بنظام (الإمامة) حكم الشمال اليمني من المرتفعات الشمالية[2]. إلا أن غالبية التعزيين ينتمون إلى المذهب الشافعي السني، وقد حرمواً تاريخياً من أي مشاركة حقيقية في دوائر صنع القرار رغم ارتفاع مستويات التعليم والإلمام بالقراءة والكتابة في صفوفهم[3].
وقف معظم التعزيين إلى جانب الثورة الجمهورية عام 1962 التي أطاحت بالإمامة، وحاربوا إلى جانب الجمهوريين ضد الملكيين خلال الحرب الأهلية التي تلت الثورة بين 1962 و1970، كما تصدّوا لمحاولات استعادة الإمامة[4]. عام 1968 حدث انقسام داخل المعسكر الجمهوري بين اليساريين، وكثير منهم تعزيون، والمحافظين من أبناء المحافظات الشمالية لليمن. بقي المعسكر الأخير مهيمناً على السياسة اليمنية لعقود، خاصة بعد أن أصبح علي عبد الله صالح رئيساً للشمال عام 1978، في حين لم يتوقف عداء التعزيين للنخبة السياسية والقبلية الشمالية خلال 33 عاماً من حكم الأخير[5].
لم تكن مظاهر معارضة ومناهضة صالح والمؤسسة السياسية مجرد نتيجة للإرث اليساري في تعز. فقد كانت المحافظة ساحة مشهودة للمحافظة الدينية أيضاً. فمنذ تأسيسه عام 1990، تمتع حزب التجمع اليمني للإصلاح، المعروف شعبياً ب”الإصلاح”، بدعم قوي من القواعد الشعبية في تعز. يتألف الإصلاح من طيف واسع من الفصائل الإسلامية المعتدلة والمتطرفة، بما في ذلك عناصر إخوانية ووهابية وسلفية. في وقت لاحق سيصبح الإصلاح اللاعب الأبرز في ائتلاف أحزاب المعارضة المعروف ب”تكتل أحزاب اللقاء المشترك” والذي سعى إلى تحدي صالح وحزبه “المؤتمر الشعبي العام”[6]. يذكر أن العديد من الأحزاب المعارضة تشكلت أصلاً في تعز في ستينات القرن الماضي، قبل أن يتشكل اللقاء المشترك في وقت لاحق[7].
جذور الحركة السلفية في مدينة تعز وطريقة عملها
تشكل المجموعات السلفية المختلفة، والتي تزايد حضورها في تعز مع الوقت، دليلاً آخر على التنوع الاجتماعي-السياسي والديني في المحافظة. ومع انتشار السلفيين في تعز، بدأ نشاطهم الملحوظ في مختلف أجزاء المدينة، حيث ساهموا في أعمال خيرية محلية – وهي السمة التي عرف بها النشاط السلفي اليمني تاريخياً. كانت هذه السمة واضحة بشكل خاص لدى السلفيين المرتبطين بجمعيتي “الحكمة” و”الإحسان” للحركة السلفية – المعروف عنهما السخاء المالي.
أدى تنامي حضور الجماعات السلفية في تعز إلى ازدياد التنافس فيما بينها. كما تنافس سلفيو تعز مع عدة جماعات دينية مكرّسة، كالصوفيين الناشطين في مدينة تعز وقراها النائية، وباستثناء أعضاء جمعية الإحسان المقربين من الإخوان المسلمين في اليمن، بقيت العلاقة بين السلفيين والصوفيين في تعز متوترة. وهو ما يمكن تفسيره جزئياً بتأثير تعاليم مؤسس الحركة السلفية اليمنية (مقبل الوادعي) على سلفيي تعز. يعتبر مؤسس الحركة السلفية في اليمن مقبل الوادعي وتعاليمه مسؤولة على الأقل جزئياً عن هذه النزعات الطائفية في تعز.
أثر الانتفاضة على تعز والسلفيين في اليمن
عام 2011 تسبب الربيع العربي بعدوى الاضطراب الاجتماعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في اليمن تصاعد التوتر في مدينتي تعز وصنعاء إلى أن تمظهر في الشارع عبر احتلال عشرات آلاف الشباب والناشطين الساحات العامة ومطالبتهم بتنحي صالح. وفي حين كانت صنعاء في قلب الأضواء الإعلامية، في وقت تكشف فيه تنازع النخب على السلطة بين صالح وخصومه والذي كاد يودي باليمن في أتون حرب أهلية[8]، اعتبر كثيرون مدينة تعز قلب انتفاضة 2011. فقد كانت الاحتجاجات في تعز الأبكر والأكبر، وقد حافظت على زخمها رغم القمع الوحشي الذي تعرضت له على يد قوات صالح الأمنية[9].
في ظل الاحتجاجات المطولة والعنف المتقطع، احتار قادة الحركة السلفية اليمنية حول أفضل سبل التعامل مع تغير المشهد السياسي. أدى استمرار المعارضة لصالح إلى تشكيك بعض أعضاء الحركة السلفية بأحد مبادئها: عدم جواز الخروج على الحكم القائم. أما السلفيون التقليديون ممثلون بالشيخ السلفي اليمني البارز يحيى الحجوري، فقد رأوا أن الاحتجاجات المناهضة لصالح عصيان غير مقبول. كان هذا الموقف مرتبطاً بالمفهوم الإسلامي ل”ولي الأمر”، حيث يتوجب على الرعايا الطاعة التامة لحاكمهم، وبالإضافة للاعتقاد بضرورة ابتعاد الحركة السلفية عن السياسة. كان الحجوري يرأس معهد دار الحديث في بلدة دماج الصغيرة في محافظة صعدة شمال اليمن، ويعتبر البعض هذا المعهد الموطن الأيديولوجي للحركة السلفية اليمنية[10].
بالمقابل قرر زعماء سلفيون آخرون ينتمون إلى جمعيتي الحكمة والإحسان، كالشيخ عبد الوهاب الحميقاني، أن هناك حاجة ماسة لمشاركة السلفيين في المعترك السياسي اليمني. في آذار/مارس 2012، شكل الحميقاني أول حزب سياسي سلفي في اليمن (حزب اتحاد الرشاد)، بعد شهر من تسليم صالح الرئاسة –على مضض– لخليفته عبدربه منصور هادي ضمن الاتفاق الذي توسطت فيه دول الخليج ومنحه الحصانة من الملاحقة القضائية على خلفية استخدامه العنف المسلح ضد المتظاهرين[11]. تأسس الحزب رسمياً بمؤتمر استمر ثلاثة أيام عقد في مدينة صنعاء، وقد جمع مختلف الزعماء السلفيين لمناقشة عمل الحزب وفقاً للأيديولوجيا السلفية[12].
يرى أنصار الحركة أن هذه الخطوة كانت ضرورية، وهكذا تم تبرير المشاركة في السياسة العامة والتخلي عن مبدأ الطاعة لولي الأمر منذ ذلك الحين. أثناء إشهار الحزب، قال أحد مؤسسي اتحاد الرشاد (الشيخ محمد البيضاني): “لقد قدم السلفيون في اليمن مساهمات كبيرة، وخاصة في الأعمال الخيرية، وقد حان الوقت للسلفيين أن يكون لديهم رؤاهم السياسية المتركزة في كيان واحد يمثل كل الفصائل السلفية”[13]، إلا أن سلفيي دماج رفضوا تأسيس الحزب والمنطلقات المبرّرة له[14].
ذهب أعضاء حزب اتحاد الرشاد المؤسس حديثاً إلى حد المشاركة في أحد أبرز ركائز الانتقال السياسي المقرر، وهو مؤتمر الحوار الوطني[15]. باختصار، سعى مؤتمر الحوار الوطني إلى الجمع بين مختلف الفعاليات الاجتماعية والسياسية في اليمن لإيجاد مخرج من الأزمة التي كانت تعم البلاد.
حصار دماج
كانت نقطة التحول الرئيسية التالية للحركة السلفية اليمنية في أغسطس / آب 2013، عندما تعرضت لهجوم مسلح من أحد أبرز خصومها الأيديولوجيين: الحوثيين. كان هدف الحوثيين حماية وتعزيز التشيع الزيدي، في حين وصل الأمر بخصوم الحوثيين حد اتهامهم بمحاولة استعادة حكم الإمامة الهاشمية التي سقطت عام 1962[16].
كان الحوثيون قد شاركوا في الاحتجاجات المناهضة لصالح، نظراً لمعاناتهم المطوّلة في عهده، ولا سيما السماح بإنشاء المدارس الوهابية السلفية في دماج التي أخذت تتكاثر بعد تولي صالح السلطة مباشرة[17]. وقد ساهمت الجولات الست التي خاضها الحوثيون ضد القوات الحكومية برئاسة صالح بين 2004 و2010 بتجذير المعاناة وجعل الجماعة متمرّسة في القتال.
وبينما أعلن الحوثيون عزمهم على المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وعملية الانتقال السياسي التي ستدوم عامين وتهدف إلى افتتاح عهد سياسي جديد، شاركوا في حملة عسكرية موازية شهدت توسع الجماعة خارج معقلها في صعدة. فمنذ منتصف عام 2013 وحتى كانون الثاني/ يناير 2014، واجه الحوثيون السلفيين المقيمين في دماج في محافظة صعدة، قبل اصطدامهم بالقوات القبلية التابعة للإصلاح وآل الأحمر في محافظتي الجوف وعمران المجاورتين.
ركزت حملة الحوثيين العسكرية ضد سلفيي دماج على معهد دار الحديث وطلابه. وندد الحوثيون بالمعهد باعتباره تهديداً وجودياً لهم، مستندين إلى مزاعم أنه يحتضن مقاتلين أجانب، وأن مسلحين سلفيين وكذلك أسلحة كانت ترسل إلى المعهد تحضيراً لهجوم محتمل على معقل الحوثيين الرئيسي[18]. وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2013، اشتد القتال بين الحوثيين والمقاتلين السلفيين الذين توافدوا على صعدة رداً على استهداف الحوثيين للمعهد[19]. بعد ذلك بشهر، أعلنت اللجنة الرئاسية التي شكلها هادي للتوسط في النزاع عن النقل الإجباري للطلبة غير المحليين المسجلين في دماج إلى محافظة الحديدة[20]. وهكذا فر مئات السلفيين المحليين وغير المحليين من دماج، ولجأوا أساساً إلى صنعاء. لكن الكثيرين توزعوا أيضاً في أنحاء اليمن، بما في ذلك تعز ولحج والحديدة.
خلق قرار اللجنة الرئاسية شعوراً بمظلومية مضاعفة لدى السلفيين المجبرين على مغادرة دماج، لم يشعروا فقط بتخلي الحكومة الانتقالية عنهم وعدم تدخلها لصالحهم، بل شعروا أيضاً أنهم جرى بيعهم خلال تسوية سياسية حدثت بين الحكومة الانتقالية والحوثيين. وما يزال الشعور العميق بالخذلان والظلم لدى السلفيين المهجرين من دماج سائداً حتى اليوم، ولا سيما في محافظتي عدن وتعز. وقد لعب هذا الشعور دوراً في تأجيج عسكرة الحركة السلفية في وقت لاحق[21].
استمر التوسع العسكري الحوثي بعد موقعة دماج، وبلغ ذروته باقتحام صنعاء في سبتمبر / أيلول 2014، بمساعدة الحليف اللدود علي عبد الله صالح[22]. ساعد التوسع العسكري للحوثيين من صعدة على إيقاظ النعرة الطائفية في اليمن، والتي كانت غائبة تاريخياً في المجتمع اليمني[23]. فقد بدأ تنظيم القاعدة والجماعات الأكثر تطرفاً في الحركة السلفية اليمنية بتوظيف خطاب طائفي عنيف في تصريحاتهم العلنية وبتأطير التوسع والعدوان الحوثي ضمن صراع طائفي أوسع. أما بالنسبة للحوثيين فقد حاولوا تصنيف جميع خصومهم ضمن خانة واحدة هي خانة ألإرهاب والتطرف الديني السنّي.
ظهور الميليشيات السلفية
في سبتمبر / أيلول 2014 اجتاحت قوات الحوثي-صالح صنعاء واستمرت في التوسّع في مختلف أنحاء شمال اليمن. وضع الرئيس هادي قيد الإقامة الجبرية في العاصمة حتى تمكن من الفرار إلى عدن في فبراير / شباط 2015[24]. في 25 25 مارس / آذار 2015، استولت قوات الحوثي-صالح على مدينة تعز. بعدها بيوم تدخل التحالف السعودي لدعم حكومة هادي المعترف بها دولياً[25].
كانت إحدى أولويات التحالف السعودي بعيد تدخله في النزاع اليمني تطهيرعدن من قوات الحوثي-صالح. وبعد انسحاب قوات الحوثي-صالح من عدن، أخذت معركة السيطرة علي تعز تكتسب أهمية استراتيجية متزايدة. تقع تعز في وسط اليمن (حوالي 205 كم جنوب صنعاء) وغالباً ما يشار إليها بأنها بوابة العاصمة، وخاصة من وجهة نظر عدنية[26]. من هنا فإن تحالف الحوثي-صالح سعى بشدة للتحصن في مدينة تعز وفي المحافظة بشكل عام.
في البداية جاءت المقاومة المحلية ضد احتلال قوات الحوثي-صالح على شكل مظاهرات سلمية. لكن بعد مواجهة هذه المظاهرات بالرصاص أخذت المجموعات المسلحة بالتشكل[27]. قاد أول تشكيلات المقاومة ضد الحوثي-صالح هو حمود المخلافي، وهو قيادي أمني محلي سبق أن قاد ميليشيات تابعة لحزب الإصلاح ضد قوات صالح خلال أزمة 2011[28].
رداً على تشكيل المقاومة المسلحة المحلية، فرضت قوات الحوثي-صالح حصاراً خانقاً على المدينة، مستغلة سيطرتها على المعابر الرئيسية. ضيّق الحصار على مقاتلي المعارضة والمدنيين، فقطع عنهم الغذاء وإمدادات السلع والأدوية، في حين أخذت قوات الحوثي-صالح تقصف المناطق المأهولة بالسكان بين الحين والآخر[29].
وكما هو الحال في أماكن أخرى في اليمن، تم تجميع كافة الجماعات المسلحة المحلية في تعز والتي تمت تعبئتها لمقاومة الحوثيين وقوات صالح، ضمن المصطلح المشوش “المقاومة الشعبية”. كان حمود المخلافي يطلق على نفسه صفة “قائد الفرع المحلي للمقاومة الشعبية في تعز”. يعطي هذا المصطلح انطباعا خاطئا بوجود جبهة معارضة موحدة. ففي النهاية يغطي ذلك على المنافسات القديمة التي تقسم ما يسمى بالمقاومة الشعبية في تعز على فصائل تعمل بشكل مستقل عن بعضها البعض أحياناً، في حين تتنافس أو حتى تخوض صراعات مفتوحة فيما بينها أو بينها وبين ما تبقى من مؤسسات السلطة المحلية.
يضاف إلى المخلافي وميليشياته المناصرة لحزب الإصلاح ثلاث مجموعات مختلفة من الميليشيات السلفية التي ظهرت كلاعب رئيسي في الجهود المحلية المعارضة لقوات الحوثي-صالح في مدينة تعز. تتألف المجموعة الأولى مما يمكن وصفه بشكل فضفاض، بالسلفيين “التقليديين” وغير المسيّسين، والذين ينتمون إلى مدرسة دماج الفكرية وتعاليم الشيخ يحيى الحجوري. يقود هذه المجموعة عادل عبده فارع (المعروف أكثر باسمه الحركي أبو العباس) والذي انتقل إلى تعز بعدما درس في دار الحديث ثم أجبر على مغادرة دماج[30]. رجال أبو العباس فاعلون بشكل كبير على الجبهة الشرقية للمدينة تعز، وغالباً ما يعملون عن قرب مع اللواء 35 مدرع بقيادة عدنان الحمادي[31].
تشمل المجموعة الثانية السلفيين المرتبطين بالإصلاح، يقود هذه المجموعة صادق مهيوب (والذي يعرف أيضاً باسم أبو الصدوق)، والذي انفصل عن فصيل (أبو العباس) ليشكل فصيله الخاص عقب نزاع مالي بين الاثنين حول إدارة الجبهة الشرقية. وعلى عكس مقاتلي (أبو العباس) لا يتركز رجال أبو الصدوق في منطقة محددة، وغالباً ما يقاتلون إلى جانب اللواء 22 مدرع التابع للجيش اليمني بقيادة صادق سرحان. وكان لأبي الصدوق علاقات وثيقة مع حمود المخلافي حتى مغادرة الأخير إلى السعودية في مطلع عام 2016. ومثل المخلافي يشتبه أيضاً في وجود علاقات بين أبي الصدوق وجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
يضم التكتل الثالث مجموعة من المقاتلين السلفيين من ميليشيات تدعى ب(كتائب حسم). ينحدر هؤلاء المقاتلون أصلاً من خارج تعز، ولكنهم انتقلوا إلى المحافظة الوسطى للانضمام إلى العمليات القتالية الجارية ضد قوات الحوثي-صالح. ينتشر مقاتلو كتائب حسم على عدة جبهات في تعز، ويقودهم عدنان بن رزيق القميشي (المعروف أكثر باسم عدنان بن رزيق) . تشير تقارير إلى أن بن رزيق قاد عدداً من مقاتلي كتائب حسم في شبوة تحت راية قبائل لقموش، كما أنه قبل انتقاله إلى تعز حارب الحوثيين في محافظتي أبين وشبوة[32]. وتفيد تقارير أخرى أن مجموعة كبيرة من مقاتليه هي خليط من السلفيين الذين أتوا من عدن، أو كانوا معتقلين سابقين لدى الحوثيين في تعز[33].
الهيكلية وطريقة العمل
على الرغم من الاختلافات الواضحة بين التكتلات السلفية الثلاثة في تعز، إلا أن هناك عدد من أوجه التشابه التشغيلية والتنظيمية.
سعت كل ميليشيا بسرعة للتمايز عن باقي الجماعات المسلحة والجهات السياسية الفاعلة في تعز. هنا يظهر تباين ملحوظ مع جماعات المقاتلين السلفيين في عدن الذين تحالفوا مع القوى السياسية والأمنية القائمة أو اندمجوا فيها.
بالنسبة للجماعات السلفية غير المحسوبة على الإصلاح، فقد تضمنت استراتيجية التمايز لديها محاولة النأي بالنفس عن الأحزاب السياسية القائمة في تعز. فبعد توسع الحوثي وسيطرته على مساحات واسعة من الشمال، كان الإصلاح يعاني من حالة انحسار عام. وفي حين احتفظ الحزب بتأييد القاعدة الشعبية، إلا أنه كان أقل قدرة على التأثير على مجريات الأمور داخل مدينة تعز. سعى أبو العباس لملء هذا الفراغ الاجتماعي-السياسي، وقد استخدم في سبيل ذلك الدين كأداة لتجاوز الحدود السياسية، فمثلاً قام بتوسيع نطاق انتشاره ليشمل شباب مدينة تعز في أحياء المدينة الداخلية، والذين ازداد التدين في أوساطهم نتيجة تأثرهم بالنزاع الجاري في المدينة.
حتى الميليشيات المحسوبة على الإصلاح في تعز كانت تتمتع بدرجة من الاستقلالية عن الحزب السياسي. يعود ولاء معظم مقاتلي الميليشيات السلفية في تعز لقادتهم أساساً. ومن هنا تستمد أسماء الفصائل من أسماء قادتها، والذين يشكلون أيضاً القيادة العامة. تتمتع مختلف الميليشيات السلفية في تعز بسلطة واضحة نتيجة للهيكل الهرمي الذي اعتمدته في محاولتها لتعزيز نجاعة استراتيجياتها السياسية والعسكرية والتواصلية.
يتم توجيه الأوامر وتوزيع المسؤوليات بشكل أساسي من قبل الزعيم (الأمير أو الشيخ) إلى/على جميع الرتب، بما في ذلك القائد الميداني، هو نائب الأمير أو الشيخ والمسؤول عن إدارة المعارك؛ وضابط مسؤول عن التسليح وتوزيع الأسلحة على المقاتلين؛ وقائد عمليات؛ وقائد عمليات خاصة؛ ومتحدث رسمي؛ ومسؤول إعلامي؛ وأمين مستودع.
شهدت (الجماعات المسلحة) صراعات على تحصيل الاعتراف والشرعية بين المجتمعات المحلية في تعز، فضلاً عن نيل اعتراف أعضاء التحالف السعودي، وأولت المزيد من التعويل في تعز على مسؤولي الاتصالات، وهم المسؤولون عن الترويج للانتصارات في ساحة المعركة. بذلك تمكنت المجموعات السلفية الرئيسية الثلاث العاملة في تعز من تحصيل درجات متفاوتة من الاعتراف والشرعية المحلية.
بصفة عامة، ارتفع مستوى شعبية الميليشيات الثلاث بين بعض سكان تعز. تقدم الميليشيات السلفية للسكان شكلاً من أشكال الحماية على الأرض ضد عدوان قوات الحوثي-صالح، كما تتمتع بدرجة من الانضباط وسط انهيار الحكم المحلي. وقد عزز ذلك من حضور الميليشيات السلفية حتى في الأوساط غير المتدينة.
المنافسة على الموارد والنفوذ على الأرض
إضافة إلى الانقسامات الاجتماعية والسياسية بين الميليشيات السلفية المرتبطة بالإصلاح وغيرها في تعز، كانت المنافسة على الموارد والنفوذ أحد أهم مصادر التوتر. على وجه الخصوص، ساهم تفاوت مستويات الدعم الذي يقدمه التحالف السعودي، ولا سيما دولة الإمارات العربية المتحدة، لكل من الميليشيات المناهضة لقوات الحوثي-صالح في تعز، في تعميق العداوة على الأرض.
تفيد التقارير أن الإمارات قدمت لأبي العباس ومقاتليه أسلحة نقلتها إليهم جواً نحو مدينة تعز، بالإضافة إلى الدعم المالي[34]. وتشير تقارير أخرى أن الإمارات تحتفظ بعلاقة قوية مع عدنان بن رزيق[35]. في المقابل تم إقصاء الميليشيات المرتبطة بحزب الإصلاح إماراتياً، وربما سعودياً، بما في ذلك تلك التي كان يتزعمها حمود المخلافي سابقاً وحالياً أبو الصدوق.
يشكل هذا النهج جزءاً من الاستراتيجية المعلنة لدولة الإمارات ضد جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبر منظمة إرهابية بالنسبة للدولة الخليجية. في تعز تبدو الإمارات عازمة على تقوية حليف محلي تأمل أن يمنع الميليشيات المحسوبة على الإصلاح من الهيمنة على ساحة المعركة، بل وأن ينافس الإصلاح سياسياً حالما تتوقف الحرب المفتوحة القائمة حالياً. قدرة أبو العباس وبن رزيق المثبتة على اقتطاع مساحتهما الخاصة من العمليات وبناء قاعدة دعم واسعة أصبحت من العوامل المعجلة بتدهور حزب الإصلاح كقوة سياسية في اليمن.
علي الرغم من العلاقة التاريخية بين السعودية وحزب الإصلاح منذ تشكيله، إلا أن المملكة قدمت دعماً شحيحاً للفصائل التابعة للحزب في تعز. يمكن ملاحظة جهود هذه الفصائل في تحصيل مساعدة خارجية منذ الجولة الإقليمية التي بدأها المخلافي أوائل عام 2016، حيث غادر إلى السعودية قبل زيارته لتركيا وقطر[36]. في أغسطس / آب 2016، انتقد المخلافي علناً التحالف السعودي والحكومة اليمنية لامتناعهما عن دعمه ومؤيديه[37].
العنف بين الفصائل
تبدو أولوية الجماعات السلفية الثلاث في تعز توجيه المعارك نحو قوات الحوثي-صالح. لكن على الرغم من وجود هذا العدو المترقّب، تخوض الميليشيات السلفية حروبها المحلية المنفصلة، والتي تسعى فيها إلى الدفاع عن سلطتها أو حتى توسيع سلطتها على حساب منافسيها. أدت هذه المناورات إلى عنف متواصل بين الفصائل، ما يؤدي بدوره لترسيخ الخصومات القائمة.
تمثل العنف بين الفصائل بشكل أساسي حتى الآن بالاغتيالات الموجهة والاشتباكات المتكررة. وللاقتصار على بعض الأمثلة المبكرة، اندلعت اشتباكات في 23 أبريل / نيسان 2016 شمال مدينة تعز بين مقاتلين تابعين لحزب الإصلاح وموالين للمخلافي وآخرين موالين لبن رزيق، وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل شقيق المخلافي الأصغر (حمزة سعيد المخلافي)[38]. وقد تم تلافي مواجهة أكثر طولاً نتيجة محاولات المخلافي التخفيف من وطأة موت أخيه في بيان صدر بعد وقت قصير من تلك الاشتباكات[39]. بالمناسبة فقد وقعت الاشتباكات أثناء تواجد المخلافي خارج اليمن، ما يشير إلى احتمال قيام بن رزيق ورجاله باستغلال فرصة غيابه[40].
إحدى أكثر الخصومات الفصائلية تقلباً في تعز تشمل أبو العباس ومقاتليه حديثي العهد بالسلطة من جهة، والميليشيات المرتبطة بالإصلاح من جهة أخرى. في 12 يناير / كانون الثاني 2016، اشتبك مقاتلو أبو العباس السلفيون في مواجهات طويلة مع مقاتلين إصلاحيين قادهم غزوان المخلافي (لا قرابة له بحمود المخلافي) [41]. خلال الاشتباكات اللاحقة التي حصلت قرب سوق ديلوكس في وسط مدينة تعز، اعتقل رجال أبي العباس شقيق غزوان (صهيب المخلافي)، وادعى أبو العباس أنه تدخل لأن الأخوان المخلافي وعصابتهما كانت تبتز الأموال من رواد السوق المحلية وأصحاب محلاتها[42].
اعترف أبو العباس نفسه بالتوتر الكامن بين الفصيلين خلال مقابلة نشرت في أكتوبر / تشرين الأول 2016. فقد تحدث عن استعداده لمحاربة خصومه المحليين في مدينة تعز في الوقت الذي كان يحارب فيه قوات الحوثي-صالح. وعلى الرغم من أنه لم يحدد هؤلاء الخصوم المذكورين، لا يخفى على أحد أن تعليقاته كانت تشير إلى الإصلاح، وهو ما تشي به بقية مقابلاته والتي احتوت على انتقادات واسعة للحزب.
انتقد أبو العباس الفصائل المرتبطة بالإصلاح على ما اعتبره غياب رغبتها في المساعدة على إنهاء الحصار الذي تفرضه قوات الحوثي-صالح على مدينة تعز. وقد دعم ادعاءاته بالتأكيد على أن هذه الفصائل كانت غائبة عن الجبهات خلال الأشهر السابقة للمقابلة. كما قال أن غياب الالتزام لدى ميليشيات الإصلاح هو سبب تحويل الإمارات دعمها إلى أطراف أخرى في تعز.
وجه أبو العباس انتقاداته أيضاً إلى قوى أخرى مناهضة للحوثي-صالح متمركزة في الجزء الغربي من المدينة. من غير الواضح ما إذا كان يشير إلى فصائل مرتبطة بالإصلاح أو إلى فصيل بن رزيق، لأن هذا الأخير معروف أيضاً بتمركزه في الجانب الغربي من المدينة. وقال أبو العباس أن المقاتلين على الجبهة الغربية كانوا أكثر اهتماماً بالأراضي التي قد تكون ذات قيمة استراتيجية في مرحلة ما بعد الحرب، مثل مصانع هائل سعيد أنعم للإسمنت والصابون والتي تملكها إحدى العائلات التجارية البارزة في تعز.
وبصرف النظر عن صدقية ادعاءات أبي العباس حيال الإمارات، فقد ساهمت المحاباة الواضحة في تدهور العلاقات بين أبي العباس والإصلاح. وقد استمرت هذه الخصومة طوال النصف الأول من عام 2017. واستؤنفت الاشتباكات، بل تكثفت بين الطرفين في وسط مدينة تعز في 14-15 يوليو / تموز 2017 في سوق ديلوكس والمناطق التجارية المحيطة بها[43]. أسفرت الاشتباكات عن سقوط مدني واحد، ودفعت القوات الحكومية إلى التدخل لفرض الإغلاق المؤقت لسوق ديلوكس. وعلى غرار الاشتباكات التي وقعت في وقت سابق من العام، كانت اشتباكات يوليو / تموز مرتبطة بالتنازع المالي، حيث يعتقد بأن الفصيلين يقاتلان للسيطرة على عائدات المبيعات[44].
ويمكن إرجاع الفوضى التي تسود تعز جزئياً إلى غياب جيش وطني قوي وموحد. إن الانقسامات الداخلية والمناطقية التي عانى منها الجيش اليمني تاريخياً تزيد من تعقيدات الميول العنفية لدى ميليشيات السلفيين والإصلاح. ويبدو أن وحدتي الجيش اليمني الرئيسيتين المتمركزتين في محافظة تعز تعملان بشكل مستقل عن بعضهما البعض، وتنقسمان من حيث الولاء بين أبي العباس والإصلاح. يعتقد أن اللواء 35 مدرع -بقيادة عدنان الحمادي- مرتبط بعلاقة وثيقة مع أبي العباس، في حين يرتبط اللواء 22 مدرع -بقيادة صادق سرحان- بأبي الصدوق، كما يقال أن هناك مقاتلون مؤيدون للإصلاح يقاتلون في صفوفه. وقد قيل أن أعضاء اللواء 22 مدرع اشتبكوا مع رجال العباس في 24 يناير / كانون الثاني 2017 قبل ساعات من تفجير مبنى جهاز الأمن السياسي المحلي، حيث اتهم رجال أبي العباس بالوقوف وراء الهجوم[45].
صعود الطائفية والتطرف الديني
أنشأ النزاع في تعز بيئة تعزز نمو التطرف الديني. وتتهم الحركة السلفية منذ فترة طويلة بإثارة التطرف الديني في اليمن، ففي تعز ومنذ التصعيد الذي تلا تدخل التحالف السعودي، يقال أن كلاً من المجموعات السلفية الثلاث تضم مقاتلين يشتبه في ارتباطهم بتنظيم القاعدة[46]. يصعب الحصول على معلومات موثوقة في تعز، ومن الصعب تأكيد أو دحض هذه الاتهامات. ومع ذلك، فمن المعروف على نطاق واسع ازدياد حضور تنظيم القاعدة في تعز منذ مارس / آذار 2015. فقد انضم مقاتلو القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى جبهات تعز، وبالتالي قاتلوا جنباً إلى جنب تقريباً مع الميليشيات السلفية ضد قوات الحوثي-صالح[47]. كما ازداد تواجد بل ونفوذ القاعدة في تعز منذ أجبر التنظيم الإرهابي على الانسحاب من مدينة المكلا في محافظة حضرموت في 24 أبريل / نيسان 2016[48]. وكما هو حال مناطق أخرى جنوب ووسط اليمن، عمدت القاعدة إلى الاستفادة من الفراغ السياسي والأمني المحلي في تعز.
وعلى خلفية المعركة طويلة الأمد في النزاع اليمني الذي لا يبدو عليه أي تراجع، تشير التقارير إلى اكتساب القاعدة موطئ قدم مهم شرقي مدينة تعز[49]. وقعت حادثة واحدة سلطت الضوء على نجاح القاعدة في استجماع قواها في الجزء الشرقي من المدينة في مارس / آذار 2017، حيث استدعى التنظيم الصحافي المحلي جميل الصامت إلى أحد مكاتبه، فقام باستجوابه على إثر تقرير له بشأن إدارة المستشفى الجمهوري، والذي ذكر فيه أن تنظيم القاعدة يسيطر على المشفى[50]. تتوازي أساليب القاعدة في ممارسة نفوذها على إدارة الشؤون المحلية في بعض مناطق تعز بشكل واضح مع نظام الحكم الذي أنشأته في المكلا خلال اثني عشر شهراً وقعت فيها المدينة تحت سيطرة التنظيم.
يساهم وجود تنظيم القاعدة والفروع السلفية الأكثر تطرفاً بتعز في زيادة الطائفية في المدينة والمحافظة، وفي اليمن على نطاق أوسع. تستخدم هذه الجماعات المتطرفة الخطاب الطائفي لتصور نفسها على أنها المدافعة عن الإسلام السني وعن تعز ضد عدوان قوات الحوثي-صالح.
تقتات هذه المقاربة الدينية على سخط سكان تعز نتيجة لوضعهم المثير لليأس. وهو سخط لا يشعر به السكان فقط تجاه قوات الحوثي-صالح والتدمير الذي ألحقته بمساكنهم على نطاق المحافظة، ولكن أيضاً تجاه الحكومة اليمنية والتحالف السعودي اللذان أهملا تعز. وأخيراً، يزيد التدهور الشديد في الاقتصاد المحلي وارتفاع مستوى الفقر من احتمالات تحول المزيد من الناس إلى الجماعات المتطرفة إما كمقاتلين أو كأنصار.
النظر قدماً
ما يزال حصار قوات الحوثي-صالح على مدينة تعز قائماً أثناء كتابة هذا التقرير ومنذ أكثر من عامين ونصف، باستثناء فترتين قصيرتين رفع فيهما الحصار جزئياً وبشكل مؤقت[51]. غير أن موازين القوى العسكرية في محافظة تعز تحولت قليلاً منذ بداية عام 2017.
أولاً تمكن الهجوم الذي دعمه التحالف السعودي تحت مسمى “عملية الرمح الذهبي” من تحرير القوات المناهضة للحوثيين لأجزاء كبيرة من الساحل الغربي لمدينة تعز من سيطرة الحوثي-صالح، بما في ذلك ميناء المخا[52].
ثانياً تقدمت فرقة من القوات المناهضة للحوثيين، بما فيها الزعيم السلفي أبو العباس ومقاتليه، نحو الجزء الشرقي من مدينة تعز في يونيو / حزيران[53].
ثالثاً استولت قوات مناهضة للحوثيين أواخر يوليو / تموز على معسكر خالد بن الوليد غربي تعز بعد أشهر من القتال في المنطقة[54].
رغم من أن هذه التطورات الأخيرة تمثل تقدماً ملحوظاً، إلا أن مكاسب خصوم الحوثيين هذه لم تشكل تغيراً جذرياً في ديناميكيات السلطة على مشارف تعز أو حتى داخل المدينة. ومن غير المرجح رفع الحصار في هذه المرحلة، لكن حتى لو تم ذلك وتم التوصل إلى حل للحرب المفتوحة بطريقة ما، فإن الفراغ السياسي والأمني المحلي الناجم عن تراجع الإصلاح، والانشقاقات في صفوف الجيش اليمني، والخلل الشديد الذي انتاب عمل المؤسسات الحكومية في تعز سيفتح المدينة على احتمالات استمرار العنف بين الميليشيات السلفية المتنافسة على السلطة والنفوذ. كما سيشكل ذلك بيئة خصبة لتنامي التطرف الديني والبؤس الإنساني.
سيتطلب وضع خيارات سياساتية واقعية وقابلة للتنفيذ لإيقاف هذا المستقبل المرتقب إجراء مزيد من البحث المكثف. ومن المؤكد أن التنفيذ الناجح لأي من هذه السياسات يتطلب ما يلي:
* وجود حل شامل للنزاع على مستوى البلاد؛
* جهات معنية وطنية ودولية تتخلى عن المصالح الفردية القصيرة الأجل وتلتزم بالمشاركة الجماعية في تحقيق استقرار الوضع الأمني في تعز، بما في ذلك إعادة تشغيل الخدمات العامة والنشاط التجاري العادي، وإرساء أسس المصالحة الاجتماعية.
كما يجب أن تنظر خيارات السياسة المستقبلية في الحاجة إلى إزالة الحوافز المالية التي يلجأ إليها القادة المحليون لمواصلة الأعمال القتالية، وتحييد قدرة الجماعات المتطرفة على إفساد عملية السلام. هناك أيضاً آلاف المقاتلين –الذين قاتلوا مع أو ضد الحوثيين– ممن سيتعين تسريحهم وضمهم إلى المجتمع كمواطنين منتجين أو دمجهم بطريقة ما في أجهزة الأمن الرسمية/ ولكي يكون هذا الخيار الأخير مجدياً ومفضياً إلى الاستقرار الوطني، من المرجح أن يتطلب إصلاحاً مؤسسياً للجيش اليمني وغيره من الأجهزة الأمنية، وهو امر شاق بحد ذاته.
بشرى المقطري هي باحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. نشرت كتاباتها في العديد من الدوريات والصحف العربية والدولية، من بينها صحيفة العربي الجديد والنيويورك تايمز والبيت الخليجي للدراسات والنشر. كما ألفت المقطري رواية خلف الشمس الصادرة عن المركز الثقافي العربي، وشاركت في تأليف كتاب مشترك مع المفكر اللبناني فواز طرابلسي بعنوان جنوب اليمن في حكم اليسار. حازت المقطري على عدة جوائز دولية، من بينها جائزة فرانسواز جيرو للدفاع عن الحقوق والحريات. حاصلة على الليسانس في التاريخ من جامعة تعز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.