حُمّى الإستفتاءات الرامية الى الاستقلال وتلبية الطموحات القومية او تلك الشعوب التي ضاقت ذرعا بمصطلحات «الوحدة» المفروضة قسّرا، ما تزال تهدد باجتياح المزيد من بقاع العالم، اذ لم يعد استفتاء كردستان الآخذ بالتحول الى حرب دموية مفتوحة بين قوات الحكومة المركزية في بغداد وتلك المتمرسة في خنادق اقليم كردستان (تسميه انقرة اقليم شمال العراق ولا تعترف بكرديته) وبخاصة ان المتواجهين على جانبي المتراس وجدوا من «كركوك» ذريعة لتمرير خطابهم الداعي الى إعادة الاوضاع فيها الى ما قبل التاسع من حزيران 2014 ,وهو اليوم الذي سبق اجتياح داعش لمحافظة نينوى في اليوم التالي, وتقدُّم قوات البشمركة الكردية للسيطرة على المدينة الغنية بالنفط بذريعة حمايتها من داعش, ورفضهم بالتالي مغادرتها حتى بعد تحرير الموصل بل وشمولها في استفتاء الخامس والعشرين من ايلول الماضي, رغم تصنيفها من المناطق «المُتنازَع عليها» ورفض باقي المكونات العِرقية فيها وخصوصا العرب والتركمان المشاركة في الاستفتاء. ما علينا.. جدل الاستفتاء الكردي ما يزال متواصلاً وبسخونة ملحوظة, وتبِعات استفتاء اقليم كتالونيا الإسباني, ما تزال موضِع اتهامات متبادلة بين اطراف الازمة التي اتسعت ودخلت نفق المجهول, بعد انحياز معظم اعضاء الاتحاد الأوروبي للرواية الإسبانية الرسمية, وخصوصاً لمخاوفهم من ان تُصيب عدوى «الانفصال» اقاليم عديدة في اوروبا الممزّقة, سواء ب»الوحدات القسرية» التي شهدتها مع صعود الدولة القومية في القرنين الثامن والتاسع عشر, وخصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة (دول شرق اوروبا) أم باحتمالات تصدّع صيغة الاتحاد نفسها, التي تعرّضت لصدمة عنيفة واهتزازات ما تزال اصداؤها تتردد في جنبات هذا الاتحاد, بعد استفتاء «بريكست» البريطاني الذي يواجه تعنّتا مُتبادَلا من قِبل بروكسل ولندن على حد سواء. قطار استفتاء الانفصال يبدو انه اقترب كثيرا وفي شكل متسارع من محطته «اليمنية», حيث شكّلت الاحتفالات بمناسبة الذكرى «54« لثورة 14 اكتوبر 1963 في جنوباليمن, فرصة لِأنصار «فك الارتباط» مع شمال اليمن, في ضوء الاعلان المفاجِئ من قِبَل احد اقوى «شخصيات» الجنوباليمني محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي, مِن على منصة احتفالات «14 «اكتوبر، قائلاً: إن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تأسّس في أيّار الماضي, سيقوم قريباً بإجراء استفتاء شعبي في المحافظاتالجنوبية حول الوحدة اليمنية. مُضيفاً: «نحن نُوصِل شعب الجنوب الى صندوق الاستفتاء للبقاء بالوحدة او الدولة الاتحادية او استعادة الدولة، وهذا حقه»، مُستطرِداً: نحن مهمتنا كمجلس انتقالي, ان نسير بالشعب الى ان يُقرّر مصيره بنفسه, والخيارات مفتوحة امامه» ختم عيدروس الزبيدي. ما تستبطنه عبارات الرجل القوي (الجديد) في جنوباليمن, واضح بشدة لصالح «استعادة الدولة القديمة», التي ذهب قادتها طواعية قبل أزيد من ربع قرن الى صنعاء لإقامة دولة الوحدة، والتي تعامل معها الأخ العقيد والرئيس العتيد الذي كان يستعد لنقل منصبه الى ابنه أحمد (العقيد ايضا) ك(مُنتصِر), مُعتبِرا انه استولى على «غنيمة» فقام من فوره بتوزيعها على أنصاره وحلفائه وخصوصا حزب التجمع اليمني للاصلاح (الجناح اليمني من جماعة الاخوان المسلمين), فراحوا «جميعاً» يُعامِلون ابناء الجنوب كأسرى حرب او كمواطنين من الدرجة الثانية, والعمل بلا كلل من اجل إقصائهم عن كل مواقع القوة والمشاركة, بل واحالوا جيش الدولة اليمنيةالجنوبية الى التقاعد والاستيداع والبطالة القاتلة.