الحديث عن القلم حديث ذو شجون وحديث يداعب الاسماع والانظار ويخاطب العقول وليس بجديد ولكن من باب الخوض في المألوف والمرغوب أكتب عن القلم الذي هو وسيلة العلم والاخبار والتدوين وإن كانت في عصرنا الراهن قد شاركت القلم وسائل عصرية جديدة كالكتابة على أزرار الكمبيوتر وقبلها الآلات الكاتبة لكن الغاية مازالت هي واحدة وهي الكتابة والتدوين. وعن طريق الكناية يطلق القلم ويقصد به حامله امتداحا لشرف مهنة أو مهمة من يحمل القلم وحملة القلم على أنواع هناك من يحمل القلم ليؤدي مهمة سامية ونفيسة سوى كان يتلقى من وراء حمل القلم الأجر المشروع أو من دون أجر إنما حمل القلم ليحقق غاية يعتقد رفعتها ومكانتها العالية ألا وهي رسالة التنوير والتغيير البناء والإعمار لا التغير نحو الهدم والتنكيس لكل ما هو جميل ونافع في حياة الناس والمجتمعات وهذا النوع المتنزه عن المصلحة والمطامع وحب جمع الدنيا والتزلف إلى الحكام وأصحاب المصالح يبذل كل ما بوسعه لتوصيل الرسالة التي يعتنقها ويرضى بنتائجها لأنه في قرارة نفسه ما خاض تجربة الكتابة وتحمل أعبائها إلا ليحقق غاية الكمال في مجتمعه الذي يعيشه وينتمي إليه وربما تاق للتغير الإنساني الواسع ليشمل هدفه الإنسان حيثما كان بغض النظر عن جنسيته ولونه وبلده وعقيدته فهدفه الانسان المطلق يسعى من خلال قلمه للتعبير عن همومه ومشاكله باحثاً لها عن حل من خلال تقديمها وعرضها على ذوي الشأن من غير أن يسعى لتحقيق أدنى غرض لذاته إلا كونه يخدم الانسانية بقلمة الشريف، وقد يتحمل في سبيل ذلك معادة بعض أصحاب المصالح ويتعرض لنقمة السلطات المستبدة التي لا تقبل بالرأي الأخر ومعاناته قد تتنوع ما بين إقصاء وحرمان وسجن وسلب لحريته وهو في ذلك يرضى بكل النتائج في سبيل تحقيق الغاية التي جرد قلمه من أجلها . وقد يحمل القلم من يبغِ الدنيا ورضا الحكام والسلطات فيسلَ قلمه في مجاهدة الحق وازهاقه وتلميع الباطل ومن هم عليه ابتغاء ما عندهم من الهبات والعطايا التي قد تتمثل في حصوله على المال أو مناصب يتقلدها أو مزايا أو منافع يرجو الحصول عليها فيبدل كل ما بوسعه ويشهر قلمه يمتدح ويزين ويجمل ويعدد فضائل من يمتدحهم رجاء ما عندهم واليوم ظهرت الكثير من الاقلام المستنيرة التي حملت على عاتقها الكشف عن الخروقات والتجاوزات التي تحصل من المتنفذين واصحاب الوجهات أو العيوب الاجتماعية التي أصبحت تهدد المجتمع وكأنهم الناقوس المنذر بالخطر لبعض الكوارث التي تهدد المجتمع محاولةً منهم في الاصلاح والتغيير ورغبةً منهم بالوصول إلى استقرار المجتمع وتحقيق الامن والرفاهية ومثل هذه الاقلام الجريئة تلقى كل الاحترام والتقدير في مجتمعها لأنها هي أدوات التعبير عن كل أهات وألام المجتمع وهي الصوت المدوي المطالب بالحقوق ومصالح المجتمع، أما الاصوات النشاز والاقلام المأجورة فقد باتت معروفة بجشعها وهلعها الدنيوي في تحصيل المنافع المادية وهي بذلك لا تلقى أيّ قبول او استحسان بل تقابل بالسخرية والاستهزاء في كل ما تكتبه أو تقدمه من مواضيع وكتابات لا تخدم إلا مصالحها ومصالح من سخرت أقلامها للدفاع عنهم وتحقيق مقاصدهم .
فالقلم هو يعبر عن حامله فإذا كان حامله نزيه كان القلم نزيه وجريء وصادق الكلمة والتعبير وإذا كان حامله صاحب مصلحة كان القلم مأجور غارق في دماء البسطاء وعرق الكادحين.