ما زال البعض يصر على ممارسة العادات القبيحة التي كانت بمثابة الوعاء الذي نشأت وتكونت فيه أجنة الديكتاتوريات ومن ثم انطلقت منه بمباركة هؤلاء البعض وأطروحاتهم لتعيث في الأرض فسادا ولتقود الأمة إلى أسوأ عصور انحطاطها ولتوصلها إلى ما آلت إليه أوضاعها اليوم بما تشهده من ثورات وأعاصير لا أحد يعرف لأكثرها قانونا ولا هدفا ولا سواهما حتى اللحظة !! ينطلق هؤلاء البعض في تفكيرهم من مبدأ الغاية التي تبرر الوسيلة فتراهم يثورون عندما يشعرون إن هناك من يتحدث عن سلبيات ترافق عملا ما ولا يعيرون أي اهتمام لتلك السلبيات التي تتجسد في أفعال سيئة تمارس من قبل البعض على اعتبار إن ذلك قد يؤثر على سير ذلك العمل ولا يهم بعد ذلك أن تتحول تلك التصرفات أو الأفعال إلى عادات تنعكس سلبا على مستقبل هؤلاء أو غيرهم !!
وعندما نتحدث عن سلبيات وأفعال غير سويه ترافق سير خطوات الثورة الشعبية وأفعال اشد سوءا تمارس تحت مظلة هذه الثورة من قبل قله من المرتزقة والمأجورين تهدف للقضاء على هذه الثورة فأننا أنما ننطلق من حرصنا على هذه الثورة التي قضينا جميعا جل أعمارنا نعمل لنضوج ظروفها ومقوماتها لتصبح واقعا حقيقيا وصفحة هامة في أسفار تاريخنا الرافض لكل أشكال الظلم والاستعباد الممارس علينا من قبل النظام الحاكم .
كما أننا بمواقفنا وانتقاداتنا تلك نحاول الاستفادة من دروس الماضي وإرهاصاته ونتجه نحو التأسيس لمرحله قادمة خاليه من سواد الماضي ومن تكرار المشاهد الغير مقبولة التي أهانت آدمية الإنسان وصادرة كل حقوقه في العيش الكريم والحرية والديمقراطية والتي من المفروض أن الثورة الشعبية قد جاءت لتقضي عليها وعلى أسبابها وأفكار دعاتها.
و لكن الصورة دائما لا تخلو من الشوائب ويظهر فيها دائما من يعمل في الاتجاه المعاكس بقصد أو بغير قصد , فعندما يأتي البعض بأطروحات غريبة مفادها أن الحديث عن السلبيات التي ترافق عمل وفعاليات الثورة أمر لم يأتي أو يحن الوقت بعد للحديث عنه تحت مبرر أن ذلك قد يؤثر على مسيرة هذه الثورة فأن أصحاب هذا الاتجاه وهذه الأطروحات يتناسوا أن ما يبنى على خطأ فأنه يستمر عليه وتحت نفس المبررات.
كما أن هؤلاء يتجاهلون أن الفوضى لن تنتج إلا مزيدا من الفوضى بل أن الطامة الكبرى تكمن في أن طرح هؤلاء يولد إحساس لدى مرتكبي هذه الأخطاء والتجاوزات وأعمال الفوضى بأنهم إنما يقومون بالأفضل والأسلم لشعورهم أن احد لم ينتقدهم في حينه وهذا هو نفس الخطاء الجسيم الذي ارتكبه من سبقونا في تعاطيهم مع شطحات وسلبيات من نطالبهم اليوم بالرحيل ونتهمهم بالاستبداد والديكتاتورية وغياب العدل .
أن التمادي بالصمت تجاه ما يحدث من تصرفات غير مسئولة دافعها الغرور والجهل وحب الوصاية على الآخرين لن يؤدي إلا لنتيجة واحدة فقط هي إنتاج مزيدا من العقول الجامدة التي ستفرز بدورها وجوها جديدة للتسلط والديكتاتورية والتي ستجعل من الشارع بؤرة ثورة لانهاية لها.
كما أن التجاوز عن الأخطاء والأفعال الغير سويه التي تحدث اليوم وفي هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأمة سيساهم في أن ينفض الناس من حول الثورة والعزوف عن الالتحاق بساحات الاعتصام الأمر الذي قد يقوض الثورة ويؤدي إلى عرقلة نجاحها لا سمح الله .
و إذا آمنا أن الثورة الشعبية قوامها بشر وليس ملائكة فأننا حتما سنصل إلى حقيقة أن نسبة الخطأ واردة , وعندما نقتنع أن هذه الأخطاء كانت عفوية ولم يكن بالإمكان تجنب الوقوع فيها فأن الواجب يحتم علينا إظهارها ومناقشتها وتنبيه مرتكبيها إليها ووضع الحلول لنتائجها وإفرازاتها.
ولكن عند توفر الشواهد بأن ما حدث ويحدث من أخطاء يأتي في سياق عمليه موجهه تخطط وتتعمد ارتكابها فأن الأمر لا يتطلب أن نبحث عن مبررات واهية لنصمت على ذلك بل يتطلب إعادة النظر في التعامل مع هذه الأخطاء والأفعال بجديه والوقوف في وجوه مرتكبيها ومحاسبتهم وعدم منح هؤلاء القلة الثقة بأن يكونوا في الصدارة للتعبير عن هموم وأحلام وتطلعات الأمة لأن صمتنا لأي سبب أو مبرر كان عن التصدي لمثل هذه التجاوزات وأصحابها سيساهم باستنساخ طغاة الأمس وإعادة إنتاجهم وتسويقهم من خلال وجوه جديدة وبوسائل أخرى حديثه غير المستخدمة من قبل طغاة الأمس الذين اندلعت الثورات بهدف القضاء عليهم وعلى وسائلهم !!
علينا أن ندرك بأن الثورات ليست فقط تعبئة نفسية وشحن خطابي لمحاولة انتزاع ما في أيدي الآخرين ووضعه في أيدينا بأي وسيلة ولكن الثورة أهداف ومبادئ تتقدمها قيم وأخلاقيات ومثل عليا , فلا أهداف ولا مبادئ دون أن تحكمها قيم وأخلاقيات وإذا ما غابت الأخلاق فلن تنتج هذه الثورات سوى أمم ميتة وأنظمه فاسدة وديكتاتوريات موميائية !!
أحلم وأتمنى أن يكف هؤلاء القلة عن الإيحاء للشباب بأن كل ما يقدمون عليه من أفعال وما يقومون به من تصرفات هي الصحيحة والأفضل والخيار الأوحد وأن يوجهوهم لما يؤدي إلى استمرار الثورة وانتصارها.
وأحلم أن أرى ثوارنا شبابا وشيوخا وأطفالا ونساء مدركين لحقيقة واحدة هي أن الثورة التي تفرض نفسها في الشارع اليوم ما هي إلا صفحة من صفحات كتاب تاريخ هذا الوطن وان هذه الثورة إنما جاءت نتيجة تراكمات نضال الآباء والأجداد وغيرهم ممن سبقونا للنزول إلى ميادين الشرف والبطولة رفضا للظلم والعبودية.
كما أنني أتمنى على بعض الثوار اليوم أن يعوا أن الساحات لا تقتصر عليهم فقط وإنما تجمع كل الوان الطيف السياسي والشعبي الأمر الذي يحتم عليهم التمرد على الإحساس بأن الثورة (ماركة مسجلة) بأسمائهم وان الآخرين ليسوا إلا عوامل بالكاد تكون مساعده لاستمرار هذه الثورة فهذا السلوك وهذا المنطق هو من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فضاء الساحات بالذات في م/ عدن ونفور الناس عن المشاركة الفعالة فيها وانقسامهم إلى فئات تفرغوا للإساءة إلى بعضهم البعض وتناسوا القضية الأساسية والأهم وهذه الأسباب يضاف إليها ما ذكرناه في بداية طرحنا هذا وما تناولناه في كتابات سابقة لنا بهذا الصدد.
ختاما نأمل أن يدرك الجميع أن تحويل الحبيبة عدن إلى كوم من الرمال والأحجار وإعادتها إلى العصور القديمة ليس هو السلاح الأمضى لإسقاط نظام الطاغية علي صالح وقواديه !!!!