قاسم داوود علي أحتل اللقاء التشاوري أهمية استثنائية بل وتاريخية بالنسبة لحاضر ومستقبل الجنوب, وشكل محطة هامة في مسيرة نضال شعبه وحركته السياسية في هذه المرحلة. تتأتى أهمية اللقاء من طبيعة الموضوعات والقضايا التي وقف أمامها ومستوى النقاشات والحوارات التي شهدها ومن طبيعة الزمن الذي انعقد فيه, والظروف والتطورات والأحداث الجارية سواءً على الساحة الجنوبية أو على مستوى اليمن عامة, منها ما له صلة بوضع الحراك السلمي ودوره والقضية الجنوبية, ومسار الثورة الشبابية السلمية. كما إن التنوع السياسي والإجتماعي والجغرافي للمشاركين في اللقاء, وتمثيله مختلف الأجيال والحضور القوى والفاعل للمشاركين من داخل الوطن من قيادات ونشطاء الحراك, والمجتمع المدني ورموز وشخصيات وطنية وإجتماعية, وأعضاء في أحزاب سياسية وأكاديميين وحقوقيين وإعلاميين وشباب والمرأة وان كان تمثيلها محدودا فقد كان فعالاً ونوعياً, ومشاركة ممثلين من تجمعات الجنوبيين من مختلف كافة مناطق بلدان الاغتراب والشتات قدم هو الآخر إضافة نوعية للقاء ورفع مكانته وعُد في مقدمة العوامل التي جعلته يحقق النجاح الذي توجت به أعماله ويحتل هذه الأهمية ويحضا بهذا القدر من التأييد والاستحسان والرضاء.
كان للكلمات السياسية والمداخلات والإيضاحات التي تقدم بها الرئيسان علي ناصر وحيدر العطاس في اللقاء إلى جانب رعايتهم للتحضير له وإدارة أعمالة كان لها أهميتها وتأثيرها ليس فقط على صعيد نجاحه والنتائج التي خرج بها وإنما في كونها قد تضمنت قراءة معمقة وشاملة للوضع العام في البلاد: الأزمة والثورة والحراك والقضية الجنوبية وتطوراتها, تميزت بالصراحة و المسئولية والوضوح والروح النقدية والواقعية في النظر لتجربة الماضي بما فيها العوامل و الأسباب التي ساعدت على وصول الجنوب إلى الوضع الذي يرزح تحته اليوم , وطرحا من خلالها مواقف وتوجهات يمكنها إن تساعد على تحقيق انطلاقة جديدة لعملية التصالح والتسامح, وإطلاق الحوار الجنوبي-الجنوبي وصولاً إلى توافق عام غدا ضرورة ومهمة لا تقبل التأجيل والتسويف والتعطيل. وباجتهاد شخصي يمكنني القول إن نتائج اللقاء في مجملها استهدفت التالي: إنقاذ الجنوب ككيان ومجتمع وتاريخ ومقومات وتطلعات من أخطار حقيقية تتهدده, ومصدرها مشروع الضم والإلحاق وعودة الفرع إلى الأصل وكل ما نتج عنه على ارض الجنوب منذ احتلاله عام 94, وحماية نضال شعبه ومؤسسته النضالية الناشئة الحراك السلمي والتعبيرات الأخرى السياسية والمدنية والثقافية وغيرها, وتعزيز عملية الحوار الجنوبي-الجنوبي ووضعها على جدول أعمال الساعة وتدعيم مسيرة التصالح والتسامح والوحدة. حل عادل وشامل ومنصف للقضية الجنوبية يقبله الشعب في الجنوب, بما فيه خيار الدولة الاتحادية بإقليميين. السعي مع الشركاء إلى إنقاذ الوحدة كفكرة ومشروع. أكد اللقاء بوضوح لا لبس فيه وبما لا يدع منفذا أو سببا للشك والتشكيك على أن ما تقدم به من قراءة للحاضر وتصورات للمستقبل, تعد مبادرة من اللقاء وإجتهاد من المشاركين فيه ومطروح إلى جانب المشاريع الأخرى للنقاش العام والحوار, وإن الكلمة الأخيرة والقول الفصل حق يملكه الشعب وحدة دون وصاية أو أكراه أو مصادره, بمعنى أخر أن المشاركين في اللقاء قاموا بدورهم ومسؤوليتهم كما يرونها ويفهمونها ومارسوا حقهم الطبيعي في تشخيص وضع يعنيهم كسائر قطاعات وفئات المجتمع الأخرى, ولم يكونوا بصدد إصدار أحكام على التوجهات الأخرى أو بحق من يتبنونها ويدعون لها. وأكد اللقاء على أن ما خرج به من نتائج يجب أن لا تستغل لوضع الساحة الوطنية والاجتماعية في الجنوب أمام عمليات استقطاب وفرز وانقسامات وصراعات جديدة, وحث الجميع ودعاهم إلى تمثل هذه القناعة والعمل وفقها كمصلحة عُليا لشعبنا وضرورة لتعاظم نضاله وانتصار قضيته. قام الإخوة الرئيسان ناصر والعطاس بعد الانتهاء من أعمال اللقاء مباشرة وإلى جانب أمور أخرى بوضع خطة تفصيلية لمتابعة تنفيذ نتائجه مستفيدين من مقترحات تسلموها ومناقشات أداروها واشرفوا عليها. الأهم اليوم بالنسبة لجميع المشاركين في اللقاء حضوراً أو رأياً ومشورة و المتفقين مع نتائجه, هو الفهم الموحد لما خرج به اللقاء ومتابعة تنفيذها في مختلف الميادين ومجالات النشاط والتقيد بها حُزمة واحدة, مستوعبين ومقدرين ما يستجد. ما يستحق الإشارة والاهتمام ونحن نقف إزاء هذه المهمة هو أن السلطة وأجهزتها وقواها (الخفية) قد أعدت العدة لمواجهة ليس فقط نتائج لقاء القاهرة وإنما أي تحرك نضالي قوي وواسع على الساحة وأي تقدم سياسي لصالح القضية الجنوبية, حيث عملت على وضع الكل أمام أولويات وتحديات ومعطيات جديدة, وفي هذا الإطار يمكننا فهم ما حصل ويحصل في محافظة أبين والمرشح بالتمدد إلى محافظات ومدن جنوبية أخرى ولن تكون عدن وحضرموت بعيدة عنها, ولمزيد من الإيضاح لما يحدث في أبين وغيرها وعدى عن ورقة القاعدة والإرهاب وجعل أبين ساحة حرب وتشريد سكانها هو البعد السياسي لهذا الحدث وغيره والذي يستهدف المشروع السياسي الوطني للجنوب ومكانة وعدالة القضية الجنوبية. وهكذا أيضاً يمكننا أن نفهم الإعلان الذي أطلق في وقت سابق عن استئناف حركات تتبني العمل المسلح لنشاطها على الساحة الجنوبية, مع إن الناس وفي أكثر من مدينة ومنطقة في اليمن يخوضون المواجهات والأعمال المسلحة دفاعاً عن وجودهم وحقوقهم دون إعلان عن منظمات وتشكيلات بينما العكس حصل مع من أطلقوا الإعلان المشار له. وبالنظر إلى أن العمل المطلوب مرتبط بوضع عام متحرك ويتم مع قوى متنوعة وخاضع لتأثيرات عدة, وحتى نستفيد من تجربة الماضي سواءٍ في إطار الحراك أو المنظمات والفعاليات الأخرى, ومراعاة الظروف المختلفة بين المحافظات والمناطق سيكون من المفيد الاتفاق على مهمات وأولويات وآليات ومتطلبات النشاط. وللمساهمة في بلوغ هذه الغاية اقترح التالي أضافه إلى بعض مما سبق الإشارة له والتأكيد عليه: إن تنطلق العملية - لقاءات ومناقشات وفعاليات وتهدف إلى رفع مكانة الحوار والرأي الأخر, والتأكيد على إن الحوار وهو يتم بين أصحاب آراء وتوجهات مختلفة إلا أن لهم قضية واحدة ومستقبل واحد, وإن مساحة الخلاف يمكن تضييقها, والمختلفين هم أيضاً مُوحدين أما ميدانياً ونضالياً أو في إطار نوع من الصلات السياسية والتنظيمية, الأمر الذي يتطلب العمل بثقة وصدق ومسؤولية, وبما يخدم سعي الجميع لتقوية الحراك وتعزيز دورة, وإخراجه من الحالة الراهنة حتى يضطلع بدورة في التعبير عن القضية التي حملها. إن اليمن يمر بمرحلة تحول هامة, وعلى تسويات وحلول وإجراءات باتت ضرورة وفي مركز اهتمام الداخل والخارج, وفي خضم هذا التوجه والاهتمام الإقليمي والدولي فمن المصلحة أن توضع قضية الجنوب على سكة الحلول العادلة والمنصفة والمقبولة في العملية الجارية اليوم واستثمار ما يحصل, وأساس النجاح في هذه المهمة يعتمد على توافق أصحاب الشأن على ما يمكن اعتباره مقبولاً ومتاحاً اليوم. إن ضياع هذه الفرصة أو انتظار ما يأتي به الأخر لن يكون في صالح القضية والشعب, لابد من تأكيد هذه المسألة وما يترتب عليها من مسؤولية ونتائج, آخذين بعين الاعتبار إن الزمن ليس مفتوحا أمام المعنيين حتى يتفقوا, وإنا القضية الجنوبية تتعرض للطعن والاستهداف في مكانتها وشرعيتها من أكثر من طرف. وحتى لا نقع بأخطاء الماضي ونجلب لشعبنا نكبات جديدة, لابد من اعتماد الوضوح مع الناس في الجنوب أولاً ونقول هذه هي الخيارات وهذه التوقعات والاحتمالات ومواقف مختلف القوى في الداخل والإقليم والعالم والكلفة المطلوبة لكل خيار من الخيارات المطروحة وعلى الناس أن يختاروا. وتعد الأفكار القيمة والمقترحات البناءة التي تقدم بها مؤخرا الأستاذ عبد الله عبد المجيد الاصنج جديرة بالاهتمام والأخذ بعين الاعتبار إلى جانب أية مبادرات أخرى. إن نؤكد الحقيقة التالية, وهي انه وحتى لو أيد الجنوب خيار الدولة الاتحادية بإقليمين وبضمانات مؤكدة فلن يكون ذلك كافياً لانتصار هذا الخيار , ما لم تنضج وتكتمل أيضاً نفس القناعة لدى الطرف الأخر "إخواننا في الشمال" ويتخلون عن ما تم في الماضي. إن تفاعل القوى السياسية والنخب وشباب الثورة في الشمال مع نتائج لقاء القاهرة لا يمكن اعتباره إيجابياً ولا مشجعاً حيث اتسم بالسلبية والرفض المبطن والتجاهل, وكائن العملية سجال ومبارزة بين الجنوبيين أنفسهم. إن استمرار هذه الحالة والمواقف في ساحة الشمال يجعل من مهمة الترويج للمشروع وإقناع الناس به كمن يحرث في البحر, يضاف إلى ذلك مقترحات المشترك بالمجلس الانتقالي وكيف نظرت إلى مشاركة الجنوب فيه, وقرار الشباب بإعلان مجلس انتقالي رئاسي بدون رؤية سياسية تعترف بالقضية الجنوبية بأبعادها السياسية والحقوقية. والملاحظة الأخيرة تعد تأكيدا على واحده من أساسيات وأولويات مهمات الثورة, تأخر الموقف بشأنها كثيراً, ولا تعني بأي حال من الأحوال انتقاص من التأييد الشعبي العام لشباب الثورة والخطوات والإجراءات التي يقررونها . علينا أن نتذكر دروس الأمس عندما لم يكن إخلاص الجنوبيين للوحدة وما قدموا لها كافياً لإنقاذ الوحدة عندما انقلب عليها الطرف الآخر وعلى الجنوب نفسه, الأمر يتطلب معرفة حقيقة النوايا لدى الأطراف والقوى الفاعلة في ساحة الشمال, وليس عيباً أن يعاد تقييم الوضع وبناء التحالفات والمهمات واستيعاب ما يستجد. أن الوضع لا يحتمل الخطوات الغير محسوبة التي من شأنها أن تدفع بالجنوب والوضع اليمني كله إلى حروب وأزمات جديدة, وإعادة انتاج للاوضاع التي ثار عليها الشعب في الجنوب والشمال. أن العمل إذا ما تم بالكيفية والعقلية والوسائل التي اعتدنا عليها في الماضي لن توّصل إلى تحقيق ما يرجوه الجميع. المطلوب اليوم عمل قائم على المؤسسية والمسؤولية والتنظيم والشفافية والتكامل, عمل جماعي مدني سلمي, له إدارته وقيادته, متحرراً من الشكلية والعشوائية والنخبوية ومن النزعات الزعامية والجهوية والاستئثار والحسابات الضيقة, ومن جلسات ومقايل القات التي تجعل من قوى هامة وواسعة خارج دائرة الفعل والتأثير. ولابد إن يكتسب النشاط الطابع العام والمشاركة الواسعة من الجميع ولا يعتمد على تيار سياسي بعينه أو جماعة بذاتها. مراعاة لمشاعر وحساسيات قائمة لدى البعض وحرصاً على الوصول إلى أوسع شرائح من الناس.