كغيري من المتابعين والمهتمين للتحركات الإماراتية في الجنوب، أرى أن حالة السقوط الإماراتي في أرخبيل سقطرى سيكون لها مابعدها ومازلت متمسك برأيي هذا، فستشهد أن لم تكن تشهد حالياً بالفعل الساحة المحلية والإقليمية تحركات قد ترهق وتربك المتابع اذا لم يلم بجوانب موضوع المتابعة بشكل يسمح له التعاطي مع تلك المتغيرات، وفي اعتقادي أن أولى تلك التحركات والنتائج لما بعد أحداث سقطرى قد بدأت منذ لحظة نزول اللجنة السعودية إلى الجزيرة وما سيليها لن يكون إلا صدى لتلك الخطوة وتوابع لقرارها. قضينا ما يقارب العام بعد إعلان إخوتنا في «الإنتقالي» لمكونهم ونحن نطالب بضرورة الحوار الجنوبي الجنوبي وضرورة التخلي عن فكرة وسلوك الاستقواء بالخارج في مواجهة فرقاء الداخل، وبالمقابل لذلك انطلق البعض من اخوتنا وبدأ رحلته السلبية التي معها نقلنا من مربع إلى مربع وهو يستميت في إظهارنا تارة برداء الخيانة والتخلي عن أهداف القضية، وتارة أخرى بالمعرقلين والباحثين عن ذواتنا واجتهد هذا البعض في أن يلصق بنا كل مايحلو ويروق للعقلية المعتمدة لثقافة العداوة في سلوكها العام والخاص. كل ذلك أصبح اليوم صفحة في كتاب تاريخ وبتنا أمام وضع جديد تزامن مع إعلان الإئتلاف الوطني الجنوبي الذي مازال إلى الآن يمضي في طور استكمال خطوات اشهاره رسمياً، هذا الوضع الجديد هو إعلان مكون الإنتقالي دعوته التي حملت أخيراً قبوله للحوار الجنوبي الجنوبي، وهي الدعوة التي ظل يرفضها طوال عام كامل، ويتهم بالخيانة كل من يتحدث عنها ومع ظهور هلال أحداث جزيرة سقطرى وما آلت إليه أوضاع دولة الإمارات كطرف رئيسي في هذه الأزمة تعاطى مع ضرورة الحوار، في خطوة تؤكد أن الإمارات قد بدأت في تغيير سياستها في الجنوب وتخلت عن طريقة استخدام الأدوات الجنوبية ضد بعضها ولو مؤقتاً. الدعوة إلى الحوار بحد ذاتها خطوة إيجابية وهي مطلب لايملك الجنوبيون خياراً آخر غيرها للخروج من دوامة الصراع الجنوبي الذي بات يشكل تهديدا للقضية الجنوبية أكثر من تهديد خصومها التقليديين، ولكن حسن النوايا لا تكفي لتحقيق هذا المطلب الملح، فدعوة الحوار والمضي فيها يجب أن تحكمها قواعد وأسس وتنفذها آليات متعارف عليها. ومالمسناه من خطاب اخوتنا في مكون «الإنتقالي» لم يتجاوز إطلاق دعوة وضمان البقاء في نفس ساقية «التفويض» من خلال الخطاب الذي أظهر مضمونة تمسك هذا المكون أيضاً برعاية هذا الحوار، وهو الأمر الذي يفقد الدعوة مضمونها وينقلها من دعوة للحوار إلى محاولة للاستقطاب. المشكلة التي تواجه الحوار الجنوبي الجنوبي لاتكمن في إطلاق الدعوات، ولكنها دائماً تكمن في آلية تنفيذ تلك الدعوات والتي غالباً ماتتحول إلى دعوات للاستقطاب تنتج عنها مكونات تتحلل مع مرور الأيام. ولتجاوز ذلك، فإن أولى خطوات نجاح تلك الدعوات يجب أن تكون قائمة على الاستعداد الجيد عند كل مكونات الساحة الجنوبية السياسية والثورية لتقبل فكرة أنها أي تلك المكونات تشكل أجزاء لكيان وطني واحد اسمه الجنوب، وأنه يجب أن يتخلى كل مكون عن خطابه الداعي إلى أتباعه منفرداً أو السير تحت مظلته . وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فالجميع مطالب أن يجلس حول الطاولة المستديرة والتحضير لمؤتمر جنوبي عام يقوم على أساس التمثيل الوطني لمحافظات الجنوب الست، تتوافق من خلاله القوى على الأهداف الوطنية الجنوبية وآليات تحقيق تلك الأهداف. المؤكد ان أحداث سقطرى أفرزت واقعاً جديداً، وهي الأحداث الوحيدة في رأيي التي يصح للمراقب بعد أحداث معارك مارس 2015م ضد عفاش والحوثيين أن يصفها بأن أمسها ليس كغدها. وما نأمله هو أن يستفيد أبناء الجنوب من كل المتغيرات ويحاولون قدر الإمكان توظيف كل ذلك لصالح مسار قضيتهم وأهداف ثورتهم، فهل يفعلون؟