هزت مشاعر اليمنيين جريمة قتل الدكتورة نجاة علي مقبل عميدة كلية العلوم الصحية بجامعة عدن، ونجلها "سامح" وحفيدتها الطفلة "ليان" الذي لم يتجاوز عمرها أربعة أعوام، على يد سائق تاكسي أقتحم شقتها في مدينة إنماء بعدن. وأطلق عليهم الرصاص حتى الموت، بصورة بشعة لقيت أدانة واسعة، وأثارت سخط شعبي من الأهالي ازدياد جرائم القتل في مدينتهم ومطالبتهم بالمحاكمة العاجلة للجاني الذي تبيَّن للأهالي عند القبض عليه أنه يتعاطى «الحبوب المخدرة» وهو نفس الخطر الذي حوَّل كثير من الشباب إلى ذئاب بشرية، ترتكب جرائم لم تحدث بشاعتها من قبل في عدن، وكان قبلها جريمة اغتصاب جماعي لطفل عمره عشر سنوات ملقب ب « ميسي» نازح مع أسرته في حي الكبسة بالمعلا من قبل أربعة أشخاص من نفس الحي. كانت عدن ولا تزال من أهم المدن في اليمن والجزيرة العربية لما تمتلكه من عوامل جغرافية وتاريخية وسياحية وثقافية جعلتها تحتل هذه المكانة، ولتميز أبنائها بثقافة التعايش والسلام الذي أكسبها سمعه مرموقة حولتها إلى وجهة للزوار، ومأوى للكثيرين الذين قصدوها للتجارة، وطلب الرزق، أو اللجوء اليها من بطش الحروب والأزمات الإنسانية، لليمنيين وغيرهم، وأصبحت عنواناً للتعايش والسلام في المنطقة. رغم الجراح الذي يعاني منه أهلها بسبب الحروب الاهلية التي كانت مدينتهم مسرحاً لها منذُ الستينات القرن الماضي إلى يومنا هذا إلا أنهم حافظوا على التمسك بنخوتهم وشهامتهم وإنسانيتهم وعاداتهم، وقيمَّهم الأخلاقية والدينية، وظلت تفوح من شموخ أبنائها رائحة المحبة، والإنسانية، لتبقى مدينتهم، كما كانت آمنة، حاضنة لكل من يقصدها، وكل من وجدها الحضن الدافئ للاحتماء به من ويلات الحروب وسقطات الزمن. ثقافة التعايش المتوارثة التي جسدها سلوكهم وتعاملهم مع الوافدين بحكم التجارة والسياحة جعل المدينة «آمنة مجتمعياً» و وجد الطامعين فرصة في هذه الميزة الجميلة، كثغرة لنفاذ منها لخدش صورتها الجميلة لتشويه مناظرها الجميلة الساحرة. استطاعت الذئاب المفترسة تشويه المدينة، وشوارعها، ومناظرها الجميلة باغتصابها واستقطاعها بالقوة، أو بقوة السلطة، وبمبررات واهية اراضيها، وأكلت الأخضر واليابس فيها، وأحرمت أبنائها من خيراتها، لكن في الأخير وجدت نفسها أمام خيارين: إما القبول والتعايش مع ثقافة أبنائها واما الرحيل منها كالجيفة التي لا يقبلها بحرها. اليوم يواجه أهلها خطراً جديداً أشد ضرراً من السابق، خطر الذئاب البشرية التي تحاول أثارة الفوضى بارتكابها الجرائم البشعة وأصبح الكل مستهدفاً نازحاً، لاجئًا، زائراً ووصل الأمر إلى أبناء عدن أنفسهم، وفي داخل منازلهم. جرائم لا تختلف كثيراً عن جرائم التنظيمات الإرهابية «القاعدة وداعش» تنفيذاً وضرراً على المجتمع، حيث استقبلوا رمضان بصيحات الألم، والفاجعة والحزن، التي خلفتها لهم جريمة قتل الدكتورة نجاة، ونجلها، وحفيدتها، التي هزت الشارع، وخرجوا بعدها للشارع وانطلقت أصواتهم المطالبة باستعادة دور الأمن ومنع السلاح وترويج الحبوب المخدرة. قد تمتص بعض الإجراءات المتخذة الغضب الشعبي في المدينة لكنها لا تكفي ! .. لأن الحّد من ارتكاب هذه الجرائم، يرتبط بمدى النجاح بمحاصرة انتشار العناصر المساعدة والمحفزة لارتكابها في مقدمتها «السلاح والحبوب المخدرة» التي تباع وتتعاطى بصورة علنية، ومنتشرة في كل حارة دون خوف أو رادع عقابي لمتعاطيها ومروجيها، حتى جعلت الشباب بوجوه جديدة وشخصيات مختلفة وبحالات نفسية إجرامية، وابرزت لهم أنياباً سامة ليتحولوا إلى «ذئاب بشرية وكلاب مسعورة» ترتكب أبشع الجرائم المحرمة الدخيلة على المجتمع اليمني. بقاء هذه الأنياب السامة هو الإبقاء على وجود خطرها الذي يهدد حياة أفراد المجتمع، ولن يزول شبحه أو الحد منه إلا بنزعها وتنظيف عدن وأحيائها من الذئاب البشرية، ووقوف الكل يداً واحدة لمنعها افتراس مدينة التعايش والسلام.