لاشك بان التكنولوجيا والثورة العلمية بمجال التقنيات والأجهزة الالكترونية والبرامج بشتى العلوم أحدثت نقلة نوعية في التطور وسهولة الوصول الى المعلومة الذي أدى الى تذليل صعاب كثيرة تواجه الباحثين بشكل خاص, و لا سيما أن الوقت احد أهم العوامل التي جعلت الحرب الالكترونية سمة من سمات عصرنا الحديث إذ بلغ التنافس أشده في الآونة الأخيرة سعيا نحو توفير التقنية الملائمة وبأسرع وقت ممكن. لن نتطرق بمقالنا هذا عن الفوائد للتكنولوجيا وللتقنيات والبرامج عالية الجودة التي يصعب حصرها بمقال واحد, ولكن من المهم أن ننوه إلى عاملين بالغا الأهمية بحاجه إلى دراسة مستفيضة من ذوي العلاقة والاختصاص الاعتماد الكلي على البرامج مع تقليص دور الباحث .
بدا واضحاً وجليا ًمن تزايد عدد الأفراد الذين أتقنوا بسرعة وببراعة استخدام البرامج وتلك التكنولوجيا والتي من جانب آخر بدأت تلغي بعض أهم سمات ومميزات الباحث الحقيقي بل وطمست بعض أهم المعايير لتقييم الباحث وأعماله علمية كانت أو أدبية.. و أصبح الباحث منجرفا وراء تيار التكنولوجيا غير مدرك سبب استخدامه لبرنامج ما؟ وبمجرد أن يتبع خطوات متتالية تمت برمجتها سابقا سيصل حتما في النهاية إلى النتيجة المطلوبة لاستكمال بحثه..!! دون أن يدرك الأساس العلمي أو معايير البحث الفعلي التي قام على أساسها باختيار برنامج تكنولوجي مماثل.. ومن الطبيعي أن لا يدرك الباحث إن كانت تلك النتائج صحيحة أو خاطئة, ومما لاشك فيه أننا بحاجة ماسة للفهم الحقيقي والجوهري لكل المتغيرات والاحتمالات الخاصة بكل برنامج أو وسيلة تكنولوجية بحثية, بالإضافة إلى تقييم عمل البرنامج أو الجهاز المستخدم بشكل دوري بين وقت وآخر . والأهم من كل هذا هو أن ندرك مسبقا بأن القفزة التكنولوجيا بكل ما تحمله من برامج متطورة وعالية الجودة ما هي إلا طريق يوصل إلى المعلومة ولا يبتكر المعلومة نفسها, ولكن يذلل الصعاب في الوصول إليها مما يوفر الوقت على الباحث أكثر من السابق, مما يعني أن الاعتماد عليها اعتمادا كليا يصبح مع الوقت وهما يطمس دورنا كباحثين بمعايير ومقاييس جوهرية فلا يمكن لأي تكنولوجيا مهما وصل مدى دقتها و جودتها أن تحل محل خبرة و حس الباحث الحقيقي. (ولا نبالغ اذا قلنا تحول اغلب الباحثين من متقصين أساسين للمعلومة إلى متلقين لها ) .
الاعتماد الكلي على المصطلحات الغربية : و إذا ما سلطنا الضوء على الباحث العربي تحديدا, وجدنا جانبا آخر غير التكنولوجيا , وهي اعتمادنا كليا على المصطلحات الغربية ( انجليزية أو لاتينية), وتناسينا أننا سنعود إلى بيئتنا العربية للتعامل مع أبناء وطننا وإفادتهم بمعرفتنا ولكن للأسف لا نعرف ترجمتها ومدلولاتها العربية!!! وهنا الباحث الحقيقي يقف لوهلة مع نفسه بصدق: هدفي الحقيقي للدراسة كل هذه السنوات كاد أن يصبح سراب فأنا عاجز عن تجسيده أو نشره بالشكل المبسط المفهوم لجميع أفراد مجتمعي بمختلف مستوياتهم الفكرية...!! " فأنا باحث عربي "... تماما مثل الباحث الألماني والباحث الياباني أو الباحث الروسي جميعهم يتحدثون ويدرسون بلغاتهم الأصلية وفي الوقت نفسه يتمكنون من التحدث باللغة الانجليزية كذلك ولكن لم يتخلوا عن لغتهم الأم... لغتنا العربية بأصولها العلمية الأكاديمية موجودة منذ قدم التاريخ العربي الأصيل و أيضا في ظل العلوم اللاتينية ... رائع أن نبحث و ندرس بالانجليزية ولكن الأروع هو أن لا نتجاهل الترجمة الحقيقية لأهم المصطلحات العلمية ونتمسك بلغتنا العربية أدبيا وعلميا.. حتى لا نفقد حلقة الوصل بيننا وبين مجتمعنا الذي كان دافعا وسببا رئيسيا لاستكمال بحثنا ودراساتنا العليا..
الخلاصة فذلك يُعزى الى الانبهار بالثورة التكنولوجية والجديد مع تجاهل الاصل, بالاضافة الى نظرة الانتقاص والتقليل من ذواتنا , بمعنى اننا ضمنيا وباطنيا غرسنا اعتقاد بأن الغرب هو السائد مما جرفنا الى اتباعهم بكل شيء وتقليد أعمى بدون المحافظة على خصوصيتنا و عدم التمسك بهويتنا العربية التي بدأت بالتلاشي شيئا فشيئا دون ان ندرك ذلك..