الجريمة تجاوز وانتهاك لنصوص القانون وحقوق الاخرين . تتفشى الجريمة في بيئة محفزة للإجرام واسباب تضمن لها الاستمرار. كل يوم نطالع احصائيات بارتفاع عدد السجناء في جميع المناطق وافتتاح سجون جديدة واكتظاظ السجون والبعض يحلل ذلك بانه مؤشر لنجاح للأجهزة الامنية في الضبط والحبس ولكن ؟؟ بمراجعة واقعية نجد ان ارتفاع عدد السجناء واكتظاظ السجون بهم مؤشر اخفاق وفشل للأجهزة الامنية الذي عملها يفترض توفير الأمن للمجتمع بتخفيض تفشي وانتشار الجريمة باتخاذ اجراءات وقائية تحمي المجتمع من الوقوع في الجريمة كضحايا او كمجرمين . العلاقة بين انتشار وتفشي الجريمة في المجتمع وارتفاع عدد السجناء علاقة طردية بحيث ينتشر الاجرام بارتفاع عدد السجناء والعكس كونه مؤشر كاشف على عدم اغلاق ثقوب الاجرام واستمرارها في افراز الاجرام ليسقط الكثير في براثن شبكاتها ويسقطون ضحايا لها كمجرمين او مجني عليهم . وتتحول الجريمة بسبب ذلك الى أسطوانة مكسورة تتكرر باستمرار بلا توقف . بعد ارتكاب الجريمة يصعب معالجة اثار الجريمة فالضحية يكون اما سقط ميتاً بفعل العمل الاجرامي والمال تم سرقته والعرض تم انتهاكه ... وغيرها من الجرائم التي تقلق الامن والسلامة المجتمعية ويصعب جبر الضرر الناتج من الجريمة واي جهود لجبر الضرر ستكلف اموال طائلة وجهود كبيرة وكان الافضل لتوفير الجهود والاموال تشخيص اسباب تفشي الجريمة وعمل مصفوفة واضحة وخريطة واقعية لتفشي الاجرام في جميع المناطق وتحديد ماهي الجرائم المرتكبه في كل منطقة واسباب تفشيها والشروع في معالجة تلك الاسباب . للاسف الشديد مازال البعض يحمل مفهوم خاطئ ان الاسهال في الحبس والاحتجاز ورفع اعداد السجناء هو الوسيلة الناجحة لمكافحة الجريمة وهذا خطأ ومخالف للعقل والمنطق الصحيح . المنطق الصحيح ان مكافحة الجريمة بتخفيض اعداد السجناء والحد من استخدام وسيلة الحبس والاحتجاز لمعالجة الجرائم والاختلالات الامنية والمجتمعية . نعم استخدام وسيلة الحبس والاحتجاز قد تضبط المجرمين وتحتجز حريتهم وتكبح تحركاتهم وتكرار الجرائم ولكن ؟؟ الحبس لا يعالج الجريمة ولا يوقفها قد يوقف أدواتها لكنه لا يخمد نيرانها الذي تشتعل باستمرار مالم يتم اجتثاث جذورها ومعالجة اسبابها وعدم التوقف عند ظواهرها . استخدام وسيلة الحبس بإفراط تنهك الاجهزة الامنية وتحرفها عن عملها الاساسي وتشغلها في حراستهم وحراسة منشئات الحجز والمنشئات العقابية ومصاريف السجناء ووسائل النقل لهم الى المحاكم والنيابة العامة وتستهلك معظم جهود عناصر الامن وامكانيات الاجهزة الامنية الشحيحة. العمل الاساسي للأجهزة الامنية هي دراسة اسباب الجرائم وتصنيفها والشروع في معالجة جذرية لها والبحث والتحري والتحقق عن المنابع الذي يتدفق منها الاجرام الى المجتمع لتجفيف تلك المنابع لان تجفيفها افضل من ملاحقة افرازاتها . هناك اسباب متعدده لتفشي وانتشار الجرائم نوجز اهمها في النقاط التالية : 1. ضعف الوازع الديني يعتبر الوازع الديني عنصر هام لتخفيض الاجرام وللحد من تفشية ويعتبر من اهم اسباب انتشار الاجرام في المجتمع هو ضعف الوازع الديني الذي يدفع المجتمع لنبذ الاجرام باعتباره مخالفة لتعاليم الدين وتجاوز وانتهاك لاوامر الله قبل ان يكون انتهاك لحقوق الانسان . ويفترض ان يتم اعادة النظر في اليات الوعظ والارشاد وبما يعزز من الوازع الديني الكابح للاجرام بتعزيز الرقابة الالهية والذي يستشعر الجميع رقابة الله على اعمالهم فيحجمون عن ارتكاب الجريمة وعدم استغلال ضعف الرقابة البشرية لارتكاب الجريمة كون الله رقيب عليهم في كل وقت وحين واقرب اليهم من حبل الوريد . جهود رفع مستوى الوازع الديني والخوف من الله له اثار ايجابية تحد من الجريمة وتختصر الكثير من الجهود البشرية . يستوجب اعادة النظر في اليات الوعظ والارشاد وان يكون احد اهدافها الرئيسية تعزيز الرقابة الالهية والوازع الديني لافراد المجتمع . واذا ماتحقق ذلك بنجاح يكون قد قطعت الاجهزة الامنية شوط كبير في وقاية المجتمع من الاجرام وحمايتهم من الوقوع في براثن الجريمة كضحايا وايضاً كمجرمين . 2. ضعف الوعي القانوني يستغل البعض ضعف الوعي القانوني وقصور الجهات المختصة في توعية المجتمع لنشر الجريمة في المجتمع واستغلال حاجة المجتمع وصنع المبررات للجريمة . ماكان هذا ليتحقق لو قامت الاجهزة الامنية بحملات توعوية عن الجريمة ومخاطرها والمصير السيء لمن يرتكب الجريمة واضرارها عليه وعلى محيطة وعائلته ومحبيه لو تم رفع مستوى الوعي المجتمعي لانخفض الاجرام بشكل كبير باغلاق اهم بوابات تدفق الجريمة الى المجتمع . 3. الفساد يعتبر الفساد أهم مسببات انتشار الجريمة في المجتمع كونه يبدد ويضيع موارد الدولة في ثقوب سوداء ممايؤدي ذلك الى ضعف اجهزة ومؤسسات الدولة بضعف امكانياتها . نعم الفساد جريمة خطيرة وسرقة لاموال الشعب ولكنه ايضاً سبب هام من مسببات تفشي الجريمة في المجتمع كونه الى جانب تبديد اموال الشعب يتسبب الفساد في ضعف علاقة الشعب باجهزة الدولة كون المواطن بتفشي الفساد ينظر الى مؤسسات الدولة كحواضن وفقاسات للاجرام ولا تستيطع الاجهزة الامنية القيام بدورها الوطني ضد المجرمين لان الفساد يكبلها ويتدخل الفساد ليحمي الفاسدين من اي اجراءات قانونية تطالهم . يستوجب مكافحة الفساد وشن حملة شعواء لاقتلاعه من كافة مؤسسات الدولة بلا استثناء لانه بتعزيز مكافحة الفساد سينخفض مستوى الاجرام في المجتمع بتفعيل مؤسسات واجهزة الدولة وتحافظ على امكانيات واموال الشعب و انفاقها في مصارفها الاساسية وتعزز العلاقة الايجابية بين المواطن واجهزة الدولة كمؤسسات تنبذ الفساد وتكافح الاجرام . 4. ضعف الرقابة الامنية ضعف الرقابة الامنية مسبب لتفشي الاجرام وتشكل بيئة خصبة لانتشار الاجرام ويستوجب ان يتم تفعيل الرقابة الامنية في جميع المناطق بتركيب وتفعيل اجهزة الرقابة الالكترونية من كاميرات تصوير وتوثيق وغيرها من الاجهزة الالكترونية لفضح الجريمة قبل وقوعها واجراء رادع تمنع وقوع الجريمة لانه مراقب . 5. انفلات السوق الوطنية بلا ضوابط من اهم اسباب انتشار الجريمة هو الحاجة الذي يكون انفلات السوق وارتفاع اسعار السلع مسبب رئيسي لهذا الاحتياج حتى اصبح معظم افراد المجتمع لايستطيعون تغطية نفقاتهم من مواردهم وبهذا يكون هناك دافع للجريمة لو تم معالجة هذا الدافع وضبط انفلات السوق وتخفيض اسعار السلع سيتم سحب البساط من تحت مبررات الجريمة وسيخرج عدد كبير من افراد المجتمع من عبائة ومبرر الحاجة لارتكاب الجريمة وبالامكان ضبط انفلات السوق الوطنية باجراءات سهلة وبسيطة وسريعة تحافظ على حقوق الجميع وتخفض نسبة الجريمة في المجتمع الذي سيكون الجميع ضحية لها المستهلك والتاجر وجميع افراد المجتمع . 6. ضعف خدمات السجون والتدريب والتاهيل للسجناء السجون منشات اصلاح وتأهيل وليست فقط منشات عقابية من المفترض ان تكون السجون منشات يدخل فيها المتهمين بارتكاب الجريمة لتاهيلهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي بررت وحفزتهم لارتكاب الجريمة ويتم اكسابهم اتقان حرفة ومهنه تحد من احتياجهم لارتكاب الجريمة لتغطية متطلباتهم . جيب ان يتم دراسة حجم العائدين الى الجريمة وارباب السوابق ودراسة اسباب ذلك بمافيها انخفاض مستوى اداء السجون في تحقيق الهدف منها وهو اصلاح السجناء وضمان خروجهم من السجون مواطنين صالحين . 7. انتشار عصابات الاجرام معظم المجرمين ضحية لعصابات اجرامية غسلت عقولهم وبررت لهم ارتكاب الجريمة وسهلت ومهدت لهم طريق الاجرام . من المفترض ان يتركز عمل الاجهزة الامنية في كشف رؤس وقيادات جميع العصابات الاجرامية لا ان يتم انهاك الاجهزة الامنية في ملاحقة ذيول وضحايا تلك العصابات الإجرامية البعض يبرر ضعف الاجهزة الامنية في ملاحقة واجتثاث العصابات الاجرامية بان لها نفوذ كبير في كل مكان وموقع ولكن ؟ هذا المبرر خاطيء ويستوجب ان يتم تصحيحه بتعزيز الارادة الوطنية لدى القيادة السياسية وتعميم وجوبية اجتثاث جميع عصابات الاجرام بلا استثناء واذا تحقق ذلك سيتم اغلاق اكبر ثقوب تتدفق منها الجريمة للمجتمع وتحمي افراد المجتمع من السقوط في شبكاتها الإجرامية كمجرمين او ضحايا لهم . 8. الشفافية الشاملة معظم الاجهزة الامنية تعمل في بيئة محاطة بالسرية والكتمان حتى ان السرية اصبحت مرادف للعمل الامني وهذا مفهوم خاطيء جداً نعم هناك مواضيع تستلزم السرية لانجاز العمليات الامنية لكن معظم العمل الامني يجب ان يكون شفاف ومعلن لجميع افراد المجتمع ليعرف المجتمع حجم الجريمة في المجتمع واسبابها والاعتراف بالأخطاء والاختلالات ليتم معالجتها وتصحيحها اذا ما استمر الجميع يخفي الاخطاء والاختلالات في الاجهزة الامنية ويكابر ويعاند في عدم الاعتراف بوجودها لن يتم اصلاح وتفعيل الاجهزة الامنية الذي اهم عناصرها الشفافية والمصارحة بالخلل والخطأ لان انكارها سيسد جميع طرق التصحيح والاصلاح . 9. ضعف الثقة والشراكة المجتمعية لن تستطيع الاجهزة الامنية بمفردها تحمل عبء تحقيق الامن في المجتمع ويستوجب ان يكون هناك شراكة مجتمعية تضم منظمات المجتمع المدني بشكل عام والمتخصصة في السجون ومكافحة الاجرام بالوعي وغيره والقطاع الخاص للمشاركة في تحمل مسؤولية تحقيق الامن والاستقرار في المجتمع . ولن تتحقق شراكة ايجابية بين اجهزة الامن والقوى المجتمعية مالم يتم تعزيز الشفافية والثقة بينهم غياب الثقة والشفافية يخرج المجتمع المدني والقطاع الخاص عن تحمل مسؤليتهم في تأمين المجتمع وسيجعل الاجهزة الامنية تواجه الاجرام بمفردها وهذا خطأ يستوجب معالجته وتصحيح العلاقة بين اجهزة الامن والمجتمع المدني والقطاع الخاص ورفع مستوى الثقة بينهم ومعالجة اي مشاكل تؤثر سلباً على تلك الشراكة الايجابية بينهم وبما يجعل للاجهزة الامنية حاضنة شعبية مجتمعية وجزء هام في المجتمع وليس جزء بعيد عنه ومواجهة له بسبب سوء فهم او تصرف خاطيء يدفع الجميع ثمنه ويتسبب في انهيار الامن وتفشي الاجرام . 10. ضعف اليات العدالة التصالحية من مسببات الاجرام اخفاق المؤسسات الرسمية والمجتمعية في حل المشاكل التي تطرأ في المجتمع وتكون مبرر وحافز للإجرام لو تم تفعيل جهود الاجهزة الرسمية والمجتمعية لمعالجة جميع المشاكل بسرعة سيتم القضاء على نسبة كبيرة من الاجرام التي يتسبب اخفاق التعامل الايجابي معها فمثلاً اذا حدث احتكاك او نزاع بين طرفين في حارة او قرية اذا ما قام عاقل الحارة او شيخ القرية بسرعة المبادرة لتوقيف النزاع قبل اشتعاله سيؤدي اي تقصير في استمرار ذلك النزاع وحصول جرائم بسبب التقصير في اخماد نيران الفتنه في مهدها كما ان اسقام ومراكز الشرطة لها دور كبير في تعزيز العدالة التصالحية في المجتمع وان يتم النظر لجميع القضايا والمشاكل من منظور مجتمعي وليس فقط امني وان يكون هناك دور لبث روح التسامح والاخاء بين جميع افراد المجتمع وبما يؤدي الى فكفكه صاعق تفجير الاجرام في المجتمع الذي يتفشى في المجتمعات الممتلأه بروح الانتقام من الاخر ويطفأها التسامح والمعالجة السريعة لجميع المشاكل قبل تطورها وانصاف الجميع بعدالة تصالحية مجتمعية ناجزة وفاعلة ويتم ايجاد اليات سريعة للحد من نشوب المشاكل ومنها على سبيل المثال لا الحصر تطبيق اليات الحصر والتوثيق للأراضي في جميع المناطق للحد من نزاع الاراضي الذي يعتبر سبب للجريمة ويسقط نتيجتها ضحايا وان يكون هناك لجان فنية بإجراءات سريعة لمعالجة اي مشاكل بسبب الاراضي ويكون عملها نزيه وشفاف تحقق عدالة ناجزة تنصف المظلومين دون تطويل في الاجراءات تنهك الجميع منها وان يكون لتلك اللجان ثقة وقوة يخضع الجميع لها لعدالتها وفاعليتها وكفاءتها واغلاق جميع ملفات القضايا فيما يخص الاراضي في جميع المحاكم القضائية والذي تضيع سنوات طويلة في نزاع كان بالإمكان البت فيها من لجنة فنية في وقت وجيز جداً . وفي الأخير : نؤكد على ان ارتفاع عدد السجناء ليس مؤشر انجاز ونجاح بل مؤشر واضح لاخفاق وفشل الاجهزة الامنية في خفض مستوى الجريمة وتأمين المجتمع من الاجرام والذي يستلزم تجفيف منابع الاجرام وقيام الاجهزة الامنية بشراكة مجتمعية واسعة لرفع مستوى الوعي الديني والقانوني المجتمعي بمخاطر الجريمة واسبابها للوقاية منها وان يتم تركيز جهود الاجهزة الامنية في ضبط عصابات الاجرام التي تعتبر فقاسة ومنبع يفرز الاجرام في المجتمع وعدم التقوقع في مربع ملاحقة ذيول وضحايا عصابات الاجرام الذي تنهك الاجهزة الامنية وتضيع جهودها وامكانياتها بلا جدوى ولا ثمره . كما يستوجب ان يتم تشخيص مسببات الجرائم من جميع النواحي الاجتماعية والنفسية والادارية والامنية والاقتصادية وغيرها من الاسباب والشروع في معالجة تلك الاسباب واجتثاث جذورها وبما يعزز من امن وسلامة المجتمع ووقايته من الجريمة قبل وقوعها وعدم التفريط حتى وقوع الجريمة لان التفريط يكون قبل وقوع الجريمة لا بعدها كما ويستلزم تفعيل الاصلاح والتدريب والتأهيل في السجون للحد من عودة السجناء للجريمة بعد خروجهم وان يخرجوا مواطنين صالحين يكون لهم دور ايجابي في كشف عصابات الاجرام بدلاً من الوقوع في شباكها الاجرامية وسيؤدي ذلك الى تخفيض اعداد المنخرطين في عصابات الاجرام وبذلك يتم مكافحة الجريمة بتخفيض عدد السجناء .