لا يستطيع أحد أن يتناسى أو يجحد في نشاط الفنانين التشكيليين في عدن منذ البدايات الأولى للاستقلال الوطني والذي تكاثف واتحد في بدايات السبعينات حتى وصل إلى مرحلة إعلان تأسيس إتحاد للفنانين التشكيليين في ديسمبر 1972م والذي أستمر نشاطه حتى 1990م حين بدأ تفكك عناصره الفنية والقيادية نتيجة لأوضاع سياسية فرضت نفسها آنذاك .. حينها أنشغل كل أعضاءه بقضاياهم الشخصية والعملية بعد أن أيقنوا بأن كيان فني كبير يتجذر كهذا لن يكتب له الاستمرار في ظل حكم العسكر والقيادات القبلية التي تمقت مثل هذه التكتلات الثقافية الفنية تزامناً مع مخططات تجهيل المجتمع ووأد الثقافة الحضرية المدنية التي كان يتميز بها مجتمع عدن تحديداً . وبعد كل هذه السنوات الطوال وجد الفنانين التشكيليين أنفسهم يتحملون مسؤولية العمل الوطني والأخلاقي الكبير للمساهمة في إعادة بناء وتشكيل الثقافة المجتمعية من جديد بعد تقصيرهم – مرغمين – لأكثر من عقدين من الزمن المستقطع من مشوارهم الفني الذي أصيب بالشلل نتيجة تلك الأوضاع السياسية بمنهجها القبلي والفردي الذي أوصل المجتمع لهذا الحال المتعب . وبمجهودات فردية جبارة وتكاثف عدد لا يستهان به من شريحة الفنانين التشكيليين بمختلف تخصصاتهم في مجال التربية والتعليم ومنظمات المجتمع المدني وبعض القيادات الإدارية الواعية والمثقفة كل في مجال اختصاصه تم إعادة الدراسة في معهد جميل غانم للفنون الجميلة ، وافتتاح قسم للفنون الجميلة في كلية الآداب بجامعة عدن الذي قام بتأسيسه الفنان الدكتور محمد عبده دائل مع قيادة الكلية والجامعة ، والذي أصبح يضم نخبة فنية لها مكانتها الفنية وذوي الدرجات العلمية الرفيعة كمدرسين في هذا القسم . الأمر الذي ساهم بشكل كبير وملحوظ في رفد المجتمع والحركة التشكيلية بالعناصر الفنية الشابة التي بدأت تساهم بشكل فعال في إعادة إحياء الفن في عدن وبقية المحافظات ، وفتح الطريق لإعادة استمرار دوران عجلة الحياة الثقافية نحو رفع المستوى الثقافي والأخلاقي والتذوق الفني لدى المجتمع . وهذا بدوره فرض واقع جديد للتفكير الجدي في إيجاد أُطر أو تجمعات فنية تنظم نشاط الفنانين وتدعم نشاطهم وتساهم في حصول الفنان على حقوقه التي حُرِم منها طوال الفترة الماضية ، والدفاع عنه وملامسة معاناته . وكانت مبادرة المجلس الإنتقالي في تأسيس نقابة الفنانين التشكيليين الجنوبيين كخطوة إستباقية ومؤشر واضح لدور الفنانين في إعادة صياغة وتشكيل الوعي المجتمعي والتعبير عن هموم وتطلعات وأحلام السواد الأعظم من أبناء الوطن . تزامناً مع كل هذا الزخم من النشاط المحمود للحركة التشكيلية في عدن كان للرعيل الأول والمؤسس لهذه الحركة الفنية في عدن دوراً كبيراً ونشاطاً ملموساً في هذه المرحلة الحساسة من مسيرة حياتنا النضالية في سبيل العمل الفعال لاستقرار الأوضاع ، والتي بدورها تساهم في استعداد تلقي المجتمع للرسائل الثقافية والفنية الهادفة للرقي المجتمعي ثقافياً وأخلاقيا . فكان لزاماً إعادة تنشيط الكيان الأول في عدن والجزيرة العربية وحتى الوطن العربي ، وهو إتحاد الفنانين التشكيليين / عدن ، الذي كان منتسبيه هم نخبة المجتمع ويحظون بمكانة رفيعة متميزة عن كل شرائح وطبقات وكيانات البنيات المجتمعي بل والسياسي أيضاً . فقد تم إعادة صياغة النظام الداخلي لهذا الإتحاد وجُهِزَت كل استمارات وبطاقات عضويته ووثائقه المختلفة مع الاحتفاظ بالشعار الرسمي الذي وثق في المحافل الفنية العربية والعالمية منذ أمدٍ قديم .. كما أُعيدَ تأطير النخبة الرائدة من عناصره ومؤسسيه القدماء ورفده بالعناصر الجيدة والأكاديمية وعدد من أفضل مبدعي عدن الذين يتشرف ويفاخر بانتسابهم إليه .. وما يبشر بالخير ذاك التعاون الكبير من قبل الجهات المختصة ممثلة بالأخ وزير الثقافة ودعمه اللامحدود ، ولأخوة في قيادة محافظة عدن ، وكذا الأخ / خالد سيدو مدير مديرية عدن الذي تكرم مشكوراً بتوفير المقر الدائم للإتحاد . وقد وضِعَتْ الخطوط الأساسية والمدروسة لبرنامج النشاط خلال الفترة القريبة القادمة ، بعد أن سخرت قيادة الإتحاد كل امكانياتها الذاتية الشخصية المتاحة لاستكمال الإعداد المنظم لإعادة نشاط هذا الكيان الفني الثقافي في مدينة عدن .