لا زالت ذاكرتي مبتلة بالمشهد الدراماتيكي الذي طُرد فيه " تامر حسني " المغني المصري " الروش " نقلاً على الأحذية و اللعنات خارج كرامات ميدان التحرير في وسط القاهرة , الميدان الذي خطف أحداق العالم و وجهّها نحو ثورة مكتملة النصاب و المعايير من حيث وضوح الأهداف و الاستراتيجية و التخطيط و " وحدة الصف " , ثورة 25 يناير التي أسقطت رؤوس واحداً من أعتى الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة إن لم يكن في العالم كله , بغض النظر عما حدث لاحقا عندما ترك أرباب الميدان ميدانهم, ليتسرب من شقوق هذه الثورة الغضّة أصحاب المصالح و النزق السلطوي أو ربما الانتقامي ! في الجنوب نحن نعيش ثورة شعبية كبرى , طويلة العمر , كحال كل الثورات التحريرية التي حدثت في التاريخ , تختلف في طبيعتها و أمدها عن ثورات إسقاط الأنظمة , لكنها تتوقّد بذات الإرادة الإنسانية , و بترنيمة " الشابي" التي رتلها في محاريب الحرية ذات قهر ( إذا الشعب يومًا أراد الحياة ...الخ ) , هذه الإرادة التي قامت عليها الثورة المفترض بها أنها تعرف بالتحديد ما تريده و تعرف جيدًا أنصارها الذين ينذرون أرواحهم و مجهوداتهم لتأطيرها وفق دائرة ثورية متجانسة , تنتسب فكريًا و أخلاقيًا و مبادئيًا لها و ليس ( ديموجرافيًا ) , الحديث هنا يقودنا إلى مصطلحات يجري تداولها بطريقة مستوردة من ثورة التغيير في شمال اليمن , لنقل ممن خطفوا ثورة التغيير , حقٌ يراد به باطل و يجب أن نتنبه له : ( وحدة الصف ) و ( شق الصف ) , الجنوب للجميع هذا مما لاشك فيه و لكن القضية لمن يؤمن بها , لا يأتي أحد يقف في صف أعداء القضية أو من استلب حواضرها و يريد أن يحشر نفسه في مفرداتها فقط لأجل انتمائه الجنوبي , الشارع سيحتكم في النهاية للأغلبية , و هذ التباين موجود في كل ثورات العالم , هناك المؤيد للتغيير و غيره غير المؤيد و صاحب موقف الحياد, لكن التغيير يقوده من يؤمن به ,و هكذا فإن الإقصاء لايكون من الخارج بل من الداخل , باختصار ( من يقف خارج دائرتي لا يمكن أن يتهمني بإقصائه الا عندما يدخلها ) , المهم هو أن لا يتم استلاب حقوق هؤلاء المعارضين في حال تم التغيير , و هنا ما يهم بالفعل , العملاء لا مكان لهم في قضيتنا , المتلونون لامكان لهم في قضيتنا , و المرتزقة لا مكان لهم في قضيتنا و من يساند أعداء القضية لا مكان لهم في قضيتنا, و أصحاب المصالح السابقة لا مكان لهم في قضيتنا , و من العبثي جدا أن يأتي أحد و يقول وحدة الصف من أجل القضية , و يشمل هؤلاء في دائرة التغيير الذي يناصبونه العداء أصلًا , يستطيع أيًا كان أن يستنبط الديباجة أعلاه , لكنه سيواجه في النهاية بمئات الأسئلة التي تقتتل في جمجمته ليس أقلّها قدرًا : لماذا لا نضع بوضوح تام حدود المطالب للقضية الجنوبية ؟ لماذا هذا التراخي في إعلانها كقضية استرجاع دولة أيًا كانت تنظيرات الوصول لهذه الدولة ( عودة إلى فك الارتباط قانونيًا وفق اتفاقيات الوحدة المغدورة نفسها أو بالمطالبة بحق تقرير المصير ) ؟ هذا الخلط في توزيع حوامل القضية على الجميع وفق انتمائهم الجنوبي فقط , لن يكون إلا طريقًا مختصرة لتمييع القضية و تشعيب الأهواء حولها كما هو بالفعل حادث اليوم , الأخطر و الأدهي من كل هذا صناعة قضية جنوبية بحوامل مفصلة حسب الطلب يتم تلبيسهها واجهة المسرح في العرض الدولي عند الحاجة , لا أفهم بالتحديد المعايير التي ينتهجها البعض في تقييم وحدة الصف الجنوبي و في تعريفهم للإقصاء من حيث المبدأ , لعل آخر ملاحظاتي في هذا الخصوص الأصوات التي ارتفعت تدين فصل " جماجم " من عضوية الحركة الطلابية و الشبابية و تتهم رئاسة الحركة بالإقصاء , حبًا بالله ! لا حصانة لجماجم و لا لغيره ممن يتساقطون برحمة الله عن القضية و نقاوتها , الجهات التي قد تكون زرعت جماجم و أمثاله في صدارة القضية عادت و استردت وديعتها غير مأسوف عليها , هذا أمر طبيعي , لن أدخل الآن في تنظيرات العلاقة اللصيقة بين أنصار الشريعة و قوى الشرعية التي تمشي على قدمين الآن في الجنوب , و لكني أعود و أؤكد أن الوقت قد حان فعلا للفرز , حان الوقت لنُلقي بأشباه " تامر حسني " خارج ميدان القضية محمولين باللعنات و بإرادة واضحة لحماية الجنوب من أبواق الرياء و النفاق و المشوّشين على القضية , لا أريد أن تذهب التخيلات الطارئة لاعتقاد أني أدعو لاغلاق الأبواب في وجه المترددين أو غير الواعين أو المتخوفين من مناصرة القضية , أبدا و مطلقا, القضية تكبر بأمثال هؤلاء و تصحو كل يوم لتأخذ المزيد من أبناءها في كفالتها , و لكنني أقصد بالتحديد المدفوعين بأغراض دنيئة للتشويش على قوامها, عن نفسي أستبشر كثيرًا بفكرة النقابات العمالية الجنوبية , و أجدها أداة رائعة , إن حملت معنى القضية من ناحيتها النضالية , سيكون أمامنا و أمام هذه النقابات العمالية طريق وعرة لنعبدها أمام القضية , نزيل عنها الأذى و الأحراش قبل أن نلتقي في آخرها و نتحدث عن وحدة الصف و قيمة التعايش السلمي الذي نعرفه و تعرفه حاضرتنا " عدن " بالتحديد منذ الأزل . [email protected]