لم أكتب يوماً ضد أحدهم بناء على دوافع مناطقية، صحيح بأنني في لحظات ما أكتبُ نقداً مفرطاً، وهذا الأمر يطال الجميع دون استثناء لأي اعتبارات، لكن أيضاً كتبت الكثير من الثناءات المفرطة بناء على ما استدعته اللحظة. في الفترة الأخيرة خصصتُ عدّة منشورات لنقد الرئيس هادي، وقبل أن أوضح دوافع هذا النقد، أقول وبكل صدق وجدية لو عندي أمل بأن هادي قادر على فعل شيئاً إيجابياً ولو بنسبة 5%، لتبرعت بأن أكتب عنه أوديسية كاملة! عاد هادي بعد ثلاث سنوات غربة في منفاه الفردوسي في الرياض وبعد تفاهمات مع دول التحالف بالعودة إلى عدن وتحمل مسئولية إدارة المناطق المحررة. في السابق نط المجلس الانتقالي نطة في منتهى الغباء والحماقة والاستخفاف عندما أعلن بأنه على استعداد لإدارة المناطق المحررة بينما هو في الحقيقة غير قادر على إدارة حمام عمومي في ظل ظروف كارثية، ليوفر المبرر الرئيسي لمنع هادي من العودة إلى عدن بتواطئ إمارات-سعودي لا نعلم أسبابه (طبعا هذا مبرر ليس وجيه بما فيه الكفاية، فهناك 85% من المناطق المحررة كان بإمكانه العودة إلى أي منها لممارسة مهامه وتحمل مسئولياته، لكن هادي اعتاد على العيش الفردوسي بمنصبٍ كبير دون أن تعنيه يوماً ما أمور الدولة وهموم وقضايا وآلام الناس) الآن وبعد عودة هادي إلى عدن والاتفاق مع التحالف تريد شلة هادي أن تُمارس نفس ما كانت تفعله من الرياض، احتكار التعيينات الرئاسية والموارد الاقتصادية، بينما لا تريد للرئيس أن يتحمل أي مسئولية، وكل ما تهتم له هو افتعال مناوشات فيسبوكية يتصدرها جهالها. ولو كان الأمر وقف عند حد الفيسبوك، لما استحق أي اهتمام، لكننا رأينا كيف جرت الأمور عند زيارة وزير الداخلية الإمارات مؤخراً، حتى وكأن كل مهام وأولويات وزارة مهمة كالداخلية باتت تقوم إنجازاتها على هذه المناوشات الفيسبوكية. فيخرج واحدٌ من الشلة ليستبق الزيارة بقطع وعد للميسري بانه في حال لبس المشدة سيعلنه بطلاً قوميا. ومع تقديرنا لهذا الظهور الشكلي ، والمهم من الناحية الرمزية، خصوصاً بعد صورة في منتهى السلبية والخنوع والابتذال والإهانة داوم أعضاء المجلس الانتقالي على الظهور بها، لكن من غير المعقول أن نجعل من هذا الظهور أكبر إنجاز لوزير داخلية في بلاد هي أصلا بلا أمن نهائياً، وقد حدثت قبل أسبوع فقط من زيارته ثلاث جرائم مزلزلة في العاصمة التي يُقيم بها، ولو كانت قد حدثت في دولة أخرى لما أدت إلى إقالة وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية، وربما إقالة الحكومة بكاملها أيضا، ولكن أيضاً إلى التحقيق معهم! المرة الوحيدة التي سُمح لهادي أن يُدير فيها مسئولياته كانت فترة وجوده في عدن بعد الهروب إليها من صنعاء. ومع إن المعركة كانت كبيرة، وإمكانيات الخصوم البشرية والعسكرية هائلة، لكن في المقابل كان الناس لديهم حماس كبيرة للدفاع عن مناطقهم، على أن تعامل هادي بضيق أفق لا يليق حتى بعسكري مبتدئ في ظل التحديات العسيرة الواضحة ( وقد كان موقف رجل وطني جسور كاللواء محمود الصبيحي – فك الله اسره - في تلك الفترة واضحاً في التعبير عن عدم رضاه والخذلان الذي يشعر به عندما ذهب للقاء الرئيس بملابس عادية في عز المعركة، وهو موقف له دلالاته الكبيرة). وبدلا من حشد كل الناس والاستفادة من حماسهم لمواجهة الانقلابيين وإدارة المعركة بكفاءة وتحويلها إلى معركة وطنية، ليس في الجنوب فحسب، وهو أمر ربما كان سيحول دون التدخل الخارجي الكارثي، ولكانت الأمور ربما أفضل بكثير من التطورات المأساوية الحالية، قام هادي باستدعاء ألفين من اللجان الشعبية لم يستطيعوا الصمود لساعات على الرغم من استبسالهم الكبير، فسارع بعد الهزيمة السريعة التي لم تحدث لرئيس في التاريخ إلى الهروب كالعادة، تاركاً مخازن الأسلحة تتفجر عبثاً بينما الشباب الحفاة كانوا يبحثون عن أبسط قطعة سلاح ليخرجوا إلي مقاومة مليشيات الحوثي عفاش! وعلى الرغم من كل هذه الهزات الكبيرة التي مر بها، لكن هادي لا يُريد أن يخرج من سباته الأبدي، وغيبوبته الأزلية، ولا مبالاته المطلقة، ولو لمرة واحدة في حياته!!.