عقد مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان بالشراكة مع الصندوق الوطني للديموقراطية الأربعاء 8 أغسطس، ورشة جمعت قيادات المؤسسات الحكومية (الكهرباء -المياه-الصرف الصحي- النظافة) في محافظة عدن (العاصمة المؤقتة) مع مجموعة من ممثلي منظمات المجتمع المدني ونشطاء مجتمعيين على طاولة واحدة لمناقشة التحديات التي تعيق تقديمهم للخدمات بشكل مكتمل ومستمر. من ضمن حقوق الإنسان التي يجب أن تكون متوفرة باستمرار ، العيش بكرامة واستقرار والحصول على الخدمات الأساسية (الصحة- البيئة النظيفة-الكهرباء..) وجاءت أهداف هذه الورشة لتحصر أبرز التحديات التي تواجه المسؤولين في المؤسسات الحكومية وتقف عائقًا أمام تقديمهم خدمة مكتملة وتقدم منفعة ملموسة للمواطن. كما لتستمع بالمقابل إلى النشطاء وممثلي منظمات المجتمع المدني وممن لديهم وجهة نظر أخرى قد تخالف وجهة النظر الأولى.. مما أكد عليه الأستاذ محمد قاسم نعمان، رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان في افتتاحه للورشة أهمية توفير هذه الخدمات للمواطن كونها خدمات أساسية وغيابها أو ضعفها يُعدّ انتهاك صريح لحقوق الإنسان. اتقطاعات المياه والكهرباء، معاناة ترهق المواطن كونها جزء كبير في حياته من كل النواحي. الإهمال في الصرف الصحي والنظافة يتسبب في حوادث تودي بحياة الناس وانتشار الأوبئة.. وكل هذا يهدد الحياة الآمنة والمستقرة للإنسان.. وبهذا يكون هذا الإنسان قد حُرِم من أبسط حقوقه المنصوص عليها في القانون العالمي والمحلي. هذه المؤسسات المذكورة، ظلت تعمل في عدن أيام حرب 2015 بأقل إمكانيات متوفرة وظروف صعبة، وعُذِرت حينها لكنها بعد الحرب لم تُحدِث فارقًا واستمرت اللامبالاة والإهمال في تقديم الخدمات. حول المياه والصرف الصحي، ذكر المهندس زكي حداد، نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي من وجهة نظره العديد من التحديات التي تواجههم في المؤسسها عدم توفر الدعم اللازم والمعدات للقيام بعملهم كما ينبغي. من هذه المتطلبات كما ذكر، شفاطات وإعادة تأهيل لشبكة الصرف الصحي وأغطية لسد حفر الصرف الصحي في الشوارع. بعيدًا عن تبادل اللوم، لنفترض أن مخزونهم نفذ تماما من المعدات والمتطلبات.. هل يجب حينها أن يموت المواطن؟ أم يجب أن يستمروا بالمتابعات والضغط على الدولة للدفع أو على أقل تقدير يقومون بتوعية المواطن بكيفية التصرف ليقي نفسه مغبات الضرر. ترى كيف يشعر الآن المسؤولون وقد تسببت إحدى هذه الحُفر المفتوحة للصرف الصحي في الشوارع بقتل ثلاثة أرواح إحداها لطفلة في الربيع الرابع؟ ألم يكن من مسؤوليات هذه المؤسسة حصر هذه الحُفر وتوعية المواطنين بوجودها، وتغطيتها بأي شيء يقي المواطن من الوقوع فيها.. كقطع الخشب مثلا، بشكل مؤقت. ألم يكن من مسؤولياتها أن تضغط على الدولة بأي طريقة من أجل الحصول على ميزانية تمكّنهم من شراء اللازم؟ وإن تم رفض طلبهم، لماذا هم صامتون؟ إن إبداء النية والإخلاص في إنجاز العمل بوعي ومسؤولية سيجعل الجميع يتكاتف ويطالب بتوفير المعدات التي هم يدّعون أنهم لم يحصلوا عليها.. كتبرير لتردي الخدمات. حول خدمات المياه، تحدث المهندس فتحي السقاف عن قدرة الإنتاج والتي تقدر ب 100 ألف لتر مكعب، بينما الاحتياج 180 الف لتر مكعب.. وأنهم عاجزون بسبب عدم توفر الإمكانيات التي تعزز من إنتاجهم ليتوافق مع حاجة سكان المحافظة. لقد أسهب في الحديث عن شحة الدخل، وأن دعوات الإعفاء عن دفع فواتير الماء والكهرباء بعد الحرب دون وضع آليات واضحة تنظم العملية وتعميمها جعل المواطنين يتوقفون عن دفع الفواتير أملًا بإعفاء شامل قد يأتي بعد أن تكون المبالغ التي تراكمت عليهم خيالية وغير قابلة للدفع. حول النظافة، تحدّث المهندس قائد راشد مدير صندوق النظافة أيضًا عن انعدام المعدات والشاحنات التي تساعد في جمع المخلفات من كل مديريات المحافظة. لقد عرض صورًا 74 شاحنة خاصة بصندوق النظافة تم استلامهم في عام 2013 كما عرض صورًا لمحافظة عدن في فترة انعقاد خليجي 20 فيها.. فترة العناية الفائقة.. ثم امتدح كثيرًا عمل الطاقم حين كانت لديه المادة والأداة متوفرة للعمل.. التحديات التي طرحها المهندس، هي عدم تجاوب الدولة معهم لتوفير شاحنات وصناديق للمخلفات، عوضًا عن تلك التي تحطمت أو نهبت أثناء الحرب. ثم أن التحدي الآخر، هو عملية السطو على هذه الشاحنات تحت تهديد السلاح كما قال لأخذها وقطع الشوارع بها، بحجة أنها "ملك الدولة" ولا ضير إن احترقت أو تحطمت. الجميع كان يطالب باستقلال مالي وإداري، ترى هل إن وجد المال ستقدم الخدمات بأكمل وجه؟ ثم أين ذهبت خدمات تلك المؤسسات التي تتلقى دعمًا مهولا؟ كمؤسسة الكهرباء مثلا... مدير عام الكهرباء، كان الوحيد الذي رفض الرد بكل وسائل التواصل، ولم يتمكن أحد من الوصول إليه سواء ليؤكد أو يعتذر عن الحضور.. كمية الدعم التي تتلقاها مؤسسة الكهرباء كما وضح المهندس تامر فراشة -وهو موظف في الكهرباء- يمكن أن توفر طاقة لا تنقطع للحظة واحدة... لكن أين يذهب كل هذا الدعم؟ كلنا يعرف كيف يتسرب من الشقوق العامة ليصُبّ في الجيوب الخاصة.. تحدث المهندس تامر عن حجم فساد مهول في مؤسسة الكهرباء واستعرض وثائق رسمية تثبت ما ادعاه. محطات كمحطة حجيف والتي قدرتها 10 ميجا لم تولد أكثر من 3 ميجا كما يزعم.. ومحطة المنصورة والتي يقدر حجم توليدها ب 64 ميجا لا تولد أكثر من 6 ميجا واط. هذه المحطة الأخيرة، ابتلعت 28 مليون يورو لإعادة تأهيلها قبل الحرب بأسبوعين. 97 مليون دولار قال فخامة رئيس الجمهورية أنها تصرف كل شهر تقريبًا مصاريف استهلاك الديزل لمحطات الكهرباء... مبلغ كهذا، بإمكانه توفير محطة تولد 150 ميجا واط. أصبح من الضرورة كشف الفساد الذي تغرق فيه مؤسسة الكهرباء. أصبحت محافظة عدن تعتمد على المحطات المؤجرة لتوليد الطاقة، وتُدفع مبالغ طائلة تقدر بملايين الدولارات شهريًا لهذه المحطات مقابل توليدها.. السؤال.. لم لا يتم شراء مولدات بهذه المبالغ وتكون ملك للدولة؟ مع العلم أن إيجارات شهر أو شهران كفيلة بتغطية كُلفة المحطة.. هل هناك فائض مالي تريد أن تُصرّفه الدولة كإيجارات للمحطات؟ وسؤال آخر.. من هم أصحاب هذه المحطات الخاصة لتدفع لهم الدولة بهذا السخاء؟ ختامًا، نأمل أن تجد مخرجات هذه الورشة أذانًا صاغية وضمائر حية فتستجيب لتلبية متطلبات أساسية لا يستغني عنها المواطن.. فما فاض عن ذلك فالمواطن البسيط لا يهتم.. إنه يسعى للعيش بسلام وحسب.. بل يسعى للعيش نفسه الذي أصبح توفره صعبًا للغاية.. وأصبح مهددًا بالموت بأي لحظة..