جرت العادة أن اجلس بين العصر والمغرب عند جدتي فتون نُجري بعض الدردشات المطولة و نناقش فيها ما يدور حولنا اجلس استفيد من الخبرات المتراكمة فهي وان حُرمت من التعليم ولكن أعطاها الله من الحكمة والبصيرة مما يجعل الجلوس معها ممتع ومفيد ،وكن في إحدى الأيام نتحدث عن الفساد أسبابه وأشكاله ووو ... وكما هي عادتها قالت : يا ولدي خذ العبرة من هذه القصة . قيل أن ملكاً أراد أن ينظر في حال شعبه ورعيته و أراد أن يعرف ما هي القيم التي يتمسكون ويعملون بها فأرسل في الأسواق والمدائن انه قد عزم بوضع براميل كبيرة في قصره وانه عليهم أن يحملوا العسل الخالص و يُودعوه تلك البراميل ومن صباح اليوم التالي هرع أفراد الشعب يحملون الأواني و بها العسل، ولكن نفر من الناس وهم من جماعة الملك اخذوا أبواقهم و بدءوا يصرخون بالناس في السر انه لا يضر بكم لو خلطتم الماء والعسل فأنه لا يضر ذلك بشيء مقابل العسل الذي سيوضع في تلك البراميل فاستطاعوا أن يؤثروا على جزء كبير من الشعب ومضى البقية دون أن ينكروا عليهم . وبعد أن فرغ الشعب من تلك البراميل أمر الملك بها وفتحت و إذا بالماء قد اعتلى العسل وغلب العسل الخالص الذي وضعه ذلكم النفر الذين مضوا في حال سبيلهم دون أن ينكروا على الآخرين الذين بيتوا نية إفساد عسلهم الخالص فعرف الملك أن الفساد والغش والمكر صار له آذان صاغية وليس له أُناسٌ منكرون لذلك ليس لهم إلا أن يتجرعوا علقم سكوتهم انتهى كلامها رحمها الله.
الفساد لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة فعندما يضعف الوازع الديني وينعدم الضمير الحي عند الشخص يجعل من نفسه بيئة صالحه لنمو الفساد، فالإداري حينما ينحرف عن القواعد والقوانين ويجبر الآخرين من عمال و متابعين أن يسمعوه و يطربوه بالكلمة السحرية (مشي ولا يهمك ) أو أن من طرف فلان فهو بذلك قد افسد حياته وحياة الآخرين.
المدرس أو مدير المدرسة أو الدكتور الجامعي حينما يسمح للفساد أن يستشري بل ويمارسه عن قصد أو غير قصد وذلك أن يسمح للغش أو يقصر بواجبه و بتأدية المقررات الدراسية فهو بذلك قد أجرم بحق نفسه و أهله، فبالله عليكم كيف لنا ولهم أن نجد الطبيب والمهندس والعالم والصناعي الممتاز فهم قد زرعوا بذرة الفساد بالله عليكم من منا دخل مستشفى و أشرقت أساريره من دكتور أو من خدمات مقدمه للمريض لن تجد إلا القليل وهذا ما نخاف عليه أن ينتهي وذلك إذا استشرى الفساد وقس على ذلك في بقية المجالات الخدمية ماء كهرباء ونظافة وغيره .
والجميع يعلم أن الفساد هي البيئة الملائمة لانتشار الجريمة العشوائية والمنظمة فكيف لو كان الفساد يخرج من بعض منابر من عليهم ضبط الجريمة والقضاء عليها ، فالسياسي ورجل الأمن وغيرهم ممن يتولوا مصالح الأمة حينما يسيئون استخدام السلطة العامة ويجيٌروا تلك السلطة لمصلحتهم الشخصية أو مصلحة حزب أو جماعه أو قبيلة ... فهم ساهموا بانتشار الجريمة وساهموا بإضعاف الدولة و أن يفقد أفراد الشعب ثقتهم بالمؤسسات الحكومية وبأجهزة الدولة المختلفة وتضعف القيم الأخلاقية و تتأخر التنمية و تنتشر الجريمة نتيجة شعور المواطن بالحقد والكراهية لغياب أسس العدالة لأنه يشعر بخذلان الدولة له وان أعماله متوقفة رهن وساطة أو شفقة من فلان ممن هم موظفين أصلاً عند المواطن فلأستمرار بذلك يسبب اتساع الهوة بين أفراد المجتمع ويضعف القيم و تنشئ الطبقات بين المجتمع.
وهنا يتجلى الحديث النبوي ألا إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله، فأن هذا الحديث لو اُخذ على جانبه المادي الملموس فالقلب هو قوام حياة الجسد فصلاحه صلاح الجسد كله وفساده فساد الجسد كله ،ولو اُخذ على جانبه المعنوي هو قوام العواطف والعقائد والمفاهيم و الأفكار وركائز الأخلاق وضوابط السلوك فأن صلح صلحت كل هذه الزوايا وبصلاحها يصلح الجسد كله وصلاح الفرد صلاح الأسرة وصلاح المجتمع وصلاح الدول ، فليفتش كلنا منا عن نفسه ويحاسبها فليس منا معصوم فلنفعل ذلك قبل أن نتجرع علقم الفساد في حياتنا وحياة أولادنا .
- وندائنا من هنا للجميع أن يساهم بنشر التوعية للقضاء على أشكال الفساد و ننادي مؤسسات المجتمع المدني و الهيئات الحكومية والمستقلة و أئمة المساجد ل :-
- عمل حملة توعية إعلامية عبر وسائل الإعلام المختلفة تقودها الهيئات والمنظمات والدولة حملة تسمى (قبل أن نفسد حياتنا ) حملة تبين مخاطر الانجرار وراء وهم الفساد فان شره أول ما يصيب المواطن ويفسد علية الصحة والتعليم وبقية جوانب الحياة - على أئمة المساجد دور مهم بتوعية المواطنين وحثهم على الأخلاق الحميدة. - على الجميع تفعيل دور الرقابة في جميع المجالات وعلى الدولة أن تعلم من اجل عمل حل جذري للفساد لابد من التخلص من تثبت إدانته بالفساد وضخ دماء جديدة نزيه. - على الدولة إيجاد حلول منطقية و إستراتيجية لحلحلة معانة الناس فمطالب الناس بسيطة حياة كريمة و مسكن وحياة أمنة وراتب مناسب و توفير الخدمات الحياتية كهرباء ماء وغيره. - لابد من إضافة في المقرر الدراسي من الصغر ما يزرع القيم الفاضلة و الثقافة التفاعلية التي تساهم بالقضاء على الفساد. - وعلينا جميعاً أن نقف جادين تجاه من يسئ إلى حياتنا والى من يكذبون علينا ويفسدون حياتنا وذلك بالتقصير بواجباتهم التي أوكلت إليهم و إلى الذين يستخدمون أبواق الكذب ويوعدون الناس بتقديم الخدمات كاملة من كهرباء وماء ونظافة وغيره علينا أن نقول لهم كفى ما لقينا من علقم فسادكم وكذبكم فرحيلكم عنا أكرم لكم . ونقول بصوت عالي ان الفوضى المنظمة التي تكتسح الوطن ككل من العقاب الجماعي بأنظفاء الكهرباء وأنقطاع الماء وتكدس القمائم وأطلاق النار والتقطعات وغيره توشك ان تقضي على مابقي لذلك لابد من رص الصفوف والتكاتف والعمل بجد من أجل حياة كريمة لنا و اجيالنا وترك المصالح الضيقة و العمل من اجل الوطن وعلى اؤلئك النفر ان يكفوا فأن يد العدالة لن تخطئهم ابداً. ،،، والله ولي التوفيق عيدكم مبارك ،،،