أثبتت الأحداث المتلاحقة القادمة، من الجنوب، وخاصة تلك المتعلقة بالحراك الشعبي السلمي، أن الجنوبيين، قد ابدوا كل درجات الحرص والاهتمام بقضيتهم، واندفعوا عفويا في مسيرات واحتجاجات صاخبة، معبرة عن رفضهم لواقع ما بعد حرب صيف94م..وأنهم استشعروا حجم المؤامرات والمخاطر التي تحدق بهم ، فضلا عن كونهم باتوا أكثر وعيا واستيعابا لكل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية..وأكثر قدرة على التعاطي المسئول معها ، لولا أن لم يقعوا في فخ (مكر) قيادات.. همها الأول والأخير؛ كيف تثري وتتاجر بقضيتهم في المحافل الدولية، وتكسب الأموال الضخمة باسمهم.. وعلى حساب معاناتهم في الداخل ..فتقيم مؤتمرات ، وتعقد (صفقات) من وراء الستار ، مع جهات إقليمية ودولية وتوهم الشعب (الغلبان) في الجنوب المنكوب أنها - أي تلك القيادات- تعملُ لصالحهم وصالح قضيتهم التي قدموا من اجلها ألاف الضحايا من شهداء وجرحى ومعاقين ومعتقلين وأسرى على امتداد السنوات الخمس الأخيرة.. ولا يزالون يجترحون المآثر البطولية ، متطلعين إلى غد الانعتاق والتحرر والاستقلال وما يؤسف له، أن القضية الجنوبية التي سمع بها العالم ، وأصبحت مادة إعلامية حية في أكثر من بلد على الصعيد الدولي والتي فعلا نضجت كل الظروف الموضوعية لان تصبح قضية قضايا العصر الحديث ، إن لقيت العنصر المفاوض والنزيه ، ولكن تبددت أمالنا وتلاشت أحلامنا بسبب تلك التصرفات والسلوكيات الأنانية ، لمن يدعون أنهم يمثلون الجنوب في تلكم المحافل.. وما هم إلا مجموعة من المرتزقة والعملاء، وأصحاب المشاريع الخاصة التي تتقاطعُ كليا مع أماني وطموحات الشعب الصابر المكافح في الجنوب
لن نسمي أولئك القادة.. أو نشير إليهم بالاسم، فقد باتوا مكشوفين من خلال عقدهم لمؤتمرات حاول كل واحد منهم، الادعاء انه من يمثل الجنوب، حتى وان كان تمثيله جاء عن طريق عقد الصفقات المشبوهة مع جهات إقليمية بعينها وقليلون هم من احترموا أنفسهم واحترموا نضالات شعبهم في الجنوب ، ولم ينخرطوا في طابور الارتزاق على حساب القضية.. ولعلني -هنا- قد أكون منصفا لو أكدت إن الأخوين المناضلين الجنوبيين الكبيرين علي ناصر محمد وحيدر العطاس ؛ هما من يستحقان الثناء والشكر والتقدير والإجلال على جهودهما ..فالاثنان ؛ فضلا ان يظلا (مترقبين) لكل تلك السلوكيات الشوهاء ، وقلوبهم تعتصر آلما وحسرة.. لا لشيء، بل لان نصائحهما وكل جهودهما لم تجد نفعا مع عناصر الارتزاق والعمالة للأجنبي.
وهناك قيادات في الداخل آثرت ان تكون محايدة وغير مشاركة لا مع الطرف الأول.. ولا نظيره الثاني ، ولكنها أباحت- وعلى استحياء- في بعض الاحايين عن استيائها وتدمرها عبر تصريحات متفرقة لبعض الوسائل الإعلامية ..واعتقد أنها مارست اضعف الإيمان في محاولة إزالة الهم عنا.
على كل حال ؛ ستظل قضية الجنوب عالقة.. ولن تحقق أي تقدم ملحوظ -دوليا- ما لم تتوحد كل الجهود المخلصة ، وما لم تلتف الجماهير الشعبية حولها لتشكل السياج المنيع لحمايتها من زعامات الارتزاق والارتهان للمشاريع التي لم تعد سرا لأكثر الناس قربا من الهم الجنوبي
ان تيار المستقلين الجنوبيين ، قد سبق له ان نبه من تلك الأعمال والتصرفات المضرة بالقضية ، في أكثر من بيان ومقال وتصريح.. وأكدنا ان هناك من يسعون إلى التظاهر بأنهم الاحرص على القضية الجنوبية ، ولكن أفعالهم ، أثبتت عكس ما يتظاهرون به! ..ويكفينا الاستدلال بكل ما مر من مآسي التجربة حتى الآن بالإشارة إلى ما تمخض عنه المؤتمر الجنوبي الأخير، فقد اظهر لنا وللعالم اجمع، كم نحنُ مبعثرين وممزقين ، وغير موحدين ..كما برهن بالملموس ، ان على الجنوبيين ، ان يتمسكوا بقضيتهم ، ويدافعوا عنها ، ولكن بعيدا عن تلك الزعامات المفضوحة ، وان يختاروا لهم من يمثلهم ، ليظهروا أكثر وحدة وقوة ليس داخليا بل وخارجيا أيضا