في مارس من العام 2015 أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، من الولاياتالمتحدةالأمريكية، انطلاق الحرب على اليمن تحت عنون «عاصفة الحزم». أخيراً، تصاعدت دعوات رسمية شبه جادة، من الولاياتالمتحدةالأمريكية، صبّت جميعها في إطار المطالبة بوقف الحرب في اليمن؛ أبرز هذه الدعوات صدرت من الإدارة الأمريكية نفسها، الداعم الرئيس للحرب، تلتها فرنسا وبريطانيا، الداعمتان ل«التحالف» أيضاً. في ظل توالي المواقف الدولية المطالبة بوقف الحرب، يتبادر إلى أذهان الكثير من المتابعين العديد من التساؤلات عن مدى جديّة وواقعية هذه الدعوات، وهل هي وخزة ضمير لهذه الدول؟ أم أن جدول مصالحها قد تبدّل؟ وما هي آلية وقف الحرب؟ وفي صالح مَن مِن الأفرقاء في اليمن سيكون إيقاف الحرب في هذا التوقيت خاصة في ظل انتشار السلاح الثقيل والمتوسط وارتباط أطراف الصراع بدول عربية وإقليمية تتنافس على النفوذ والسيطرة على هذه المنطقة الجغرافية المهمة في البحر الأحمر وباب المندب، عبر مقاتلين يمنيين متعددي الإنتماءات والأقطاب؟ كل ذلك وغيره يأتي في ظل تطورات كبيرة تشهدها المنطقة، إبتداءً بأزمة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، التي صعّدت السخط ضد الرياض، وليس انتهاءً بالتهيئة لميلاد «صفقة القرن»، التي تبنّاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي حال وقفت الحرب؛ يرى المتابعون أن السعودية ستخرج كخاسر أكبر ولكن ليس الأوحد، كونها لم تحقق حتى هدفاً واحداً من الأهداف المعلنة للحرب. أمّا اليمن، حتى وإن توقفت الحرب، فلن يعود في المدى المنظور كما كان قبلها. الآلية الكاتبة والباحثة ميساء شجاع الدين، قالت ل«العربي»، إن «تصورات الحل ستكون كما اقترح وزير الدفاع الأمريكي جايمس ماتيس في حوارات المنامة، منطقة حدودية منزوعة السلاح، ووقف إطلاق الصواريخ من قبل الحوثيين، وتسليم أو تدمير قدراتهم الصاروخية، مع منع اليمن كدولة من امتلاك صواريخ»، مشيرةً إلى أن «مبادرة وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، ستكون موجودة ببعض ملامحها الأساسية، لكن لكل وقت ظروفه وأولوياته، حيث أن العالم الآن مشغول بقضية البنك المركزي وتسليم المرتبات، فضلاً عن تخفيف أسباب المجاعة التي صارت هي الأولوية». بدوره، رأى رئيس تحرير موقع «عدن الغد» الصحافي فتحي بن لزرق، أن «الدعوة الأمريكية لإيقاف الحرب لا تستند إلى ظروف موضوعية على الأرض»، مشيراً إلى أنها «جاءت بناءً على متغيرات دولية أكثر منها محلية». وفي معرض حديثه ل«العربي» تساءل بن لزرق «هل الأطراف اليمنية باتت جاهزة للحل السياسي؟ وهل الأطراف الدولية التي هي سبب رئيسي للحرب باتت مقتنعة بضرورة الحل السياسي؟»، مؤكداً أنه «ليس المهم إيقاف الحرب؛ بل أن تكون هناك أرضية قوية للتسوية، تنهي الصراع بشكل كامل، ما لم فإننا سنؤسس لمرحلة هشّة من السلام، سرعان ما تنتهي لتتجدد المعارك من جديد». فيما رأى، الباحث غير المقيم في «مركز كارنيغي للشرق الأوسط»، أحمد ناجي، أنه «من حيث المبدأ، فإن أي دعوة لإيقاف الحرب هي خطوة في الاتجاه الصحيح»، مستدركاً «لكن يجب أن يتبعها العديد من الخطوات التي تخرج هذه الدعوات من الأقوال إلى الأفعال». وأضاف ناجي في حديثه ل«العربي»، أن «نجاح التسوية يتوقف على جدية الأطراف الداخلية والخارجية في إنهاء الصراع، والبدء بتنفيذ تسوية سياسية تنقذ ما يمكن إنقاذه في البلد». بعد التسوية من الواضح أن حجر العثرة أمام التسوية، هو منصب الرئيس، شكل الدولة، والنظام السياسي، فالكثير من القوى ترى أن فترة الرئيس عبدربه منصور هادي، انتهت ولا بد من تغييره، والقضية الجنوبية ترى الحلّ بفك الإرتباط، فيما تختلف الآراء حول شكل النظام السياسي. فبعد أن كان في السابق يصب الخلاف حول ما إذا يجب أن يكون «رئاسياً» أم «برلمانياً»؛ صار اليوم بين «شرعية ثورية» على طريقة حركة «أنصار الله»، و«جمهورية مناهضة» على طريقة القوى التي ترى أن «الحوثيين إمتداد للإمامة». وفي حال تمّت التسوية؛ رأت شجاع الدين، أن «الدولة اليمنية ستكون موجودة افتراضاً، عبارة عن مجموعة من الجزر تنازعها الميلشيات المختلفة، فيما الحكومة المركزية ستكون ضعيفة جداً»، مرجحةً «منح إقليم آزال منفذاً بحرياً». وأضافت أن «الحوثي قوي ومتماسك بقيادة واحدة، وفي منطقة نفوذه بالشمال لا توجد قوة أخرى قادرة على منازعته أو مشاكسته»، مشيرةً إلى أن «نقطة ضعف الحوثي الوحيدة هي الاقتصاد»، مستدركةً «لكن الحوثي كجماعة مسلحة، هي الأقوى عسكرياً، وفي زمن الفوضى والصراع، يظل للسلاح كلمته الفصل، وليس مثل السلم الاقتصاد هو الأهم». بدوره، يرى بن لزرق، أن «اليمن لن يعود إلى ما قبل 2014 ولن يكون هناك جيش وطني موحد، وكل منطقة ستُحكم من قِبل الطرف المسيطر على الأرض»، مرجحاً أن «يكون هناك مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية»، حيث أن «مستقبل الرئيس هادي قد انتهى». من جهته أشار ناجي، إلى أن «هناك تفاوت في المكاسب السياسية التي ستحدث في حال تمت أي تسوية سياسية»، منوهاً إلى أن «كل الأطراف ستسفيد من أي اتفاق سياسي»، فالخسارة الأكبر على الجميع؛ برأيه هي «استمرار الحرب». وفي شكل الدولة والنظام السياسي، رأى الباحث بمركز «كارنيغي»، أنه «بالإمكان أن يطرح الجميع رؤيتهم للخروج من متاهة الحرب والتفاهم حول طبيعة المسار السياسي خلال الفترة المقبلة». وبما أن الحرب في اليمن كانت نتاج تدخلات إقليمية مباشرة وغير مباشرة؛ يرجّح مراقبون أن يبقى الوضع فيه متأثراً سلباً وإيجاباً بالمتغيرات في المنطقة. أمّا على مستوى قوى الداخل، فيعتبرون أن الوضع في شمال الشمال سيبقى تحت قبضة حركة «أنصار الله»، خاصة بعد أن ورثت تركة كبيرة من حزب «المؤتمر»، فيما ستبقى مأرب معقلاً ل«الإصلاح»، والجنوب ستُعزز فيه قبضة «المجلس الانتقالي»، بدعم من السعودية والإمارات، مع صعود شعبي ل«حراك باعوم»، يقابله قمع من قِبل القوى النافذة. أما في تعز، فيرجّح المراقبون أن يتواصل الصراع فيها بين «الإصلاح» من جهة، و«السلفيين» و«الناصري» و«المؤتمر» و«الإشتراكي» من جهة ثانية. يخلص المراقبون مما سلف أن «هذه التسوية المستعجلة تأتي كترحيل للحرب مع استمرار الفوضى»؛ ويرون أن خلاف ذلك يتطلب أن «تتأسّس هذه التسوية على أرضية صلبة، إضافة إلى ضغط دولي وأممي جاد على كل الأطراف والمستويات، ودعم سخي لإعادة الإعمار وجبر الضرر»، عندها قد يكون الوضع أكثر إيجاباً، لكن لا توجد مؤشرات لذلك حتى الآن.