لا تقولوا لي أننا في يناير الثالث عشر سنحتفي / نحيي ، مرة أخرى ، ذكرى شيء اسمه التصالح و التسامح ، أرجوكم لا تفعلوا ! من اخترع فكرة التصالح و التسامح المؤبدة هذه ؟ لكأننا نصر على إرسال هذه الرسالة القميئة للعالم كل سنة ، نقول لهم تفرّجوا علينا ، فكروا بأمرنا و اعتقدوا بدون شك أننا أناس يطحن بعضنا بعض طوال الوقت ، لدرجة أننا نحتاج لمناسبة لإناخة النعرات و تضخيم فكرة التصالح و التسامح بهذا الشكل ، عليكم أيها العالمون أن تسمعونا و نحن نطمئنكم أن أنفسنا الأمارة بالحرب لن توزّنا مرة أخرى ، خذوا هذه عنا بصدق : تأدبنا ، توبة و الله ما نعيدها !
في حالتنا تصبح فكرة التسامح الهزلية هذه أمر مهين حقاً للقادمين من خارج الحدث و للشائخين فيه ، لماذا لم تظهر فكرة التسامح هذه قبلاً عندما كانت الجدوى منها أخلاقية و ليست تكريسية ، لماذا الربط الآن بين الحراك كحالة سياسية و اجتماعية ناصعة و بين تشوهات الماضي ؟ ، من يصالح من ، و من سيسامح من ؟ تنحوا أيها الكهول بحروبكم و أفكاركم و هواجسكم و ماضيكم المريع ، حرب يناير لا تعنينا ، لم نكن نحن أطرافها ، كل شباب الساحات اليوم لا تربطهم علاقة بها ، كانوا إما أجنة في حكمة الخالق يومها أو صغاراً تزعجهم فكرة تأخر إذاعة " بيل و سبستيان " في صالح بث أخبار مروّعة عن اجتماع مغلق تحوّل لسيل دماء ، قد نقرأ عنها في منهج التاريخ كما نقرأ عن حرب البسوس و الحرب العالمية الثانية و سنلف بالورقة حبات " الزعقة " ، قد نشاهدها في عمل تلفزيوني صريح ، سنرتل آيات الذكرى للمفقودين حينها و سنحتفظ بالأمل كله في عودتهم ، لكن أكثر من هذا لا نريد ، لا أحاول أن أنسف مبدأ التسامح هنا بالعموم ، مطلقاً ، لكن على أحدهم أن يجيبنا عن أسئلتنا : لماذا يجبر الشباب على إحياء مناسبة كهذه كل عام ، لماذا يزج بشباب الحراك في هكذا احتفاليات ؟ كم مرة يجب أن يتصالح المرء مع غريمه في خطأ تاريخي ؟ .. ف على طريقة المثل المصري " كثر السلام يقل المعرفة " ، أخشى أن كثر التصالح يقل التوافق " و هذا ما يظهر جليا في الساحة ، وحدهم أبرياء الحرب يتصالحون لسبب مجهول و يموتون أيضاً لسبب مجهول ، و تبقى الأفاعي تنفث سمومها ذات الصلاحية الممتدة لا ينفع معها تصالح و لا تسامح و لايحزنون ، إن تصالح الإخوة الأعداء فهذا جيد لهم و انتهى الأمر ، و إن لم يتصالحوا بعد كل هذه الاحتفاليات فلن يتصالحوا للأبد ، إليكم ما يحدث بين البيض و محمد علي أحمد و شركائهم ، الأمر بجلاله لا يتعلق بهم اليوم و فيلم الإعادة هذا يبدو مملاً و لن يشاهده أحد بعد الآن ، هذه الواجهة التي يجب أن يتمترس حولها شباب الجنوب ويظهرها واضحة للجميع ، قولوا لهم لن نتصالح مع أحد لأننا جميعا متفقون ، قولوا لهم لا نحتاج نحن إلى تصالح شيوخ الماضي ، بل إلى توافق شركاء المستقبل .افتحوا الأبواب على مصراعيها لفكرة جديدة اسمها التوافق ، نقبوا عن تنظيراتها و وسائلها ، افرضوا إرادة الحاضر على الماضي ، ضعوا نقطة عند آخر السطر في يناير القادم ، و افتحوا صفحة جديدة ، دونوا في بدايتها : المجد ل " آل زهايمر " ، لا ماضٍ سيءٍ في جيوبنا ، نحن أرباب المستقبل .