أستحوذت ازمة الرهائن في عين اميناس بالجزائر على اهتمام الصحف البريطانية الصادرة الجمعة. ففي صفحة الرأي في صحيفة الغارديان نطالع مقالا اعدته نبيلة رمضاني، وهي صحفية واكاديمية فرنسية المولد من اصول جزائرية، والمقال بعنوان "الجزائر تنزف المزيد من الدماء". وتقول رمضاني إن النهاية العنيفة لأزمة الرهائن بداية لفصل جديد في تاريخ الجزائر الدامي. وتضيف أنه مع علمنا بتاريخ الجزائر، نجد ان نهاية ازمة الرهائن مأساوية، ولكنها ليست مفاجئة. وصلت طائرات الجيش إلى الحقل النفطي النائي شمال غربي البلاد بعد يوم من بدء مسلحي القاعدة عمليتهم. وتضيف إنه لا يبدو انه كانت هناك اي محاولات للتفاوض، حيث يقول شهود العيان إن الخاطفين والمختطفين امطروا قصفا دون تفريق. وتقول رمضاني إن مختار بلمختار، رجل العصابات الذي يعتقد أنه العقل المدبر للعملية، يعرف "لعبة الارهاب" معرفة تامة. فهو لن يتردد او يتراجع اثر اراقة الدماء، حتى اذا كان من بين القتلى عدد من رجاله المخلصين. وترى رمضاني أن بلمختار، 41 عاما، تجسيد لجزء من تاريخ الجزائر شمل صراعا ضد الاحتلال وحربا اهلية راح ضحيتها ما لايقل عن 250 ألف شخص. وتقول رمضاني إن بلمختار تدرب في معسكرات القاعدة في افغانستان في صباه وحارب الروس قبل العودة الى الجزائر لمواصلة الجهاد ضد جيش بلاده. فالجيش هو الذي الغى فوز الاسلاميين في انتخابات 1992 مما ادى الى بدء الحرب الاهلية التي اثرت بصورة بالغة على الجزائر، والتي ما زال تراثها وذكراها حاضرا بقوة مما يجعل البلاد "ملائمة بدرجة مأساوية" لتصبح ارضا للحرب على الارهاب. وتقول رمضاني إن رجالا مثل بلمختار، وهو احد اشهر امراء الحرب في الصحراء الكبرى بين الجزائر وغرب افريقيا، هو نتاج لعقود من المرارة والكراهية، التي اصبح الغرب الآن على دراية بها بعد ماساة عين اميناس. وتضيف أن جماعة بلمختار مكونة من محاربين قدماء في عصابات الميليشيا مثل الجماعة السلفية للوعظ والقتال وغيرها من الجماعات التي تحولت الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. وتقول رمضاني إن هذه الجماعات لم تلق في الاعوام الاخيرة اهتماما من الغرب الذي كان مشغولا بمحاربة الارهاب في افغانستان والعراق والصومال. ولكن قرار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بشن حرب على الارهابيين الاسلاميين في مالي كان له اثر بالغ على الوضع داخل الجزائر المجاورة. وتضيف ان التعاون بين الجزائر مع الغرب، خاصة مع فرنسا، في ازمة مالى، مثير للاهتمام، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن الجزائر سمحت لفرنسا باستخدام مجالها الجوي لشن هجمات على مالي. كما كان من الغرب يأمل في ان تقدم الجزائر المزيد من العون للهجمات الفرنسية على مالي بسد طرق هرب الاسلاميين المتشددين من شمال مالي. وترى رمضاني ان من المثير للاهتمام ان هولاند زار الجزائر الشهر الماضي وقدم اعتذارا جزئيا عن الاحتلال الفرنسي للبلاد الذي دام 132 عاما، ودعا في زيارته الى المزيد من التعاون الاقتصادي بين البلدين. ويعتقد ان هذا التعاون يشمل الحصول على صفقات تسمح لشركات متعددة الجنسيات مثل "توتال" و"بريتيش بتروليوم" بالتنقيب عن ثروات من الغاز والنفط في البلاد. وتختتم رمضاني مقالها بأن مثل هذا التعاون اثار غضب الجماعات الارهابية التي يتزعمها جزائريون مثل بلمختار، والتي ستواصل استهداف الشركات والمنشآت الغربية بشدة وقوة اكبر، وبهذا تكتب فصلا جديدا حزينا وداميا في تاريخ الجزائر. خوف شركات النفط في صحيفة فاينانشل تايمز نطالع تقريرا بعنوان "شركات النفط التي اعترتها الصدمة تخشى امتداد العنف شمالا". ويقول المقال، الذي كتبه غاي شازان، إن احتجاز الرهائن في عين اميناس قد يؤدي الى اقناع بعض شركات النفط بمغادرة الجزائر. ويرى الكاتب أن هجوم عين اميناس جاء بمثابة صدمة للعاملين والموظفين الاجانب في قطاع النفط في الجزائر التي يوجد فيها ثروة نفطية كبيرة ولكن لها تاريخا من العنف والحرب الاهلية. ويقول المقال إن بعض شركات النفط في الجزائر بدأت بالفعل في تنفيذ خطوات لحماية العاملين الاجانب وسط مخاوف من امتداد العنف الى مناطق اخرى من البلاد. ويضيف أن شركة سيبسا Cepsa الاسبانية قالت إنها نقلت عامليها من منشأتين نفطيتين الى وسط الجزائر كما قالت بريتيش بتروليوم إنها تفكر في نقل كل عمالتها التي لا تضطلع بمهام رئيسية خارج الجزائر. وتنقل الصحيفة عن مهدي هارون محامي الشؤون النفطية في شركة هيربرت سميث "الخوف الحقيقي هو انتشار العنف في الجزائر العاصمة وغيرها من المدن الكبرى في الشمال. سيكون من الصعب للغاية على الشركات حماية العاملين الاجانب في مدن يوجد بها نحو ثلاثة او اربعة ملايين شخص".
ويقول شازان إن الجزائر كانت لفترة من الوقت تعد من اكثر الدول الجاذبة لشركات النفط الدولية، حيث تضم مجموعة من اكبر الحقول النفطية في شمال افريقيا كما توجد بها امكانيات هائلة للتنقيب، ولكن هذه الصورة آخذة في التغير. ويقول إن شركات النفط الغربية تعمل في الجزائر منذ عقود، ولكن الهجوم جاء في اسوأ توقيت يمكن تصوره للجزائر. وينقل المقال عن صامويل سيزوك، المحلل في شركة كيه بي سي لاقتصاديات الطاقة، "وقع الهجوم في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر للتصدي لتراجع حقولها النفطية ولزيادة انتاج الغاز الطبيعي ولان تكون اكثر جذبا للمستثمرين"، وقد قوض هجوم عين اميناس هذه المحاولات. النظام يستعرض قوته وفي صحيفة الديلي تليغراف نجد تحليلا أعده ريتشارد سبنسر، مراسل الشرق الاوسط في الصحيفة، بعنوان "اغراء بالغ للنظام لاستعراض قوته". ويقول سبنسر إن استيلاء مجموعة من مجاهدي الصحراء على منشأة عين اميناس النفطية كان محرجا للغاية للقوات المسلحة الجزائرية التي عرفت بقوتها وشدتها، فمن المفترض ان الدولة قد تغلبت على الاسلاميين بعد الحرب الاهلية في التسعينييات التي حصدت مئات الالاف.
ويقول سبنسر إنه في الاسبوع الماضي اصدر رؤساء وزاء الجزائر وليبيا وتونس تعهدا مشتركا بزيادة الاجراءات الامنية على الحدود، ولكن المهاجمين تمكنوا من التسلل ومفاجأة المئات من العاملين المحليين والاجانب. ويقول سبنسر إن الجزائر تعتمد على احتياطاتها من الغاز والنفط للحفاظ على اقتصادها وتعتمد على شركات اجنبية لتشغيل حقولها. وقد يكون قرار الضرب بقوة وسرعة، ايا كانت النتائج، ناجما عن اعتماد اقتصاد البلاد على هذه الصناعة. ويضيف سبنسر إن المحللين يرون أن الجيش الجزائري، الذي عرف بشراسته في الحرب الاهلية، ولكن لم يعرف عنه التهور بعدها، عادة يحجم عن العمليات التي يستخدم فيها قدرا كبيرا من القوة. ويقول ان الجيش كان في الفترة الأخيرة يحاول حسب عقول وقلوب المسلحين السابقين. ويقول سبنسر إن الدافع الدقيق لعملية الجيش الجزائري عين اميناس ليس معلوما حتى الان ولم يتم اطلاع الدول الغربية عليه، ولكن يبدو ان اغراء اظهار واستعراض القوة كان قويا لدى ا لنظام الذي لم يبد ضعفا او تأثرا باحداث الربيع العربي، على الرغم من ثورات في دولتين مجاورتين. وينقل سبنسر عن المحلل ريتشارد كوتشارن قوله إن ردة الفعل القوية على احتجاز الرهائن في عين اميناس قد يكون تم تحت ضغط كبير حتى ترى الدول الغربية القلقة إن الحكومة ما زالت تسيطرعلى الامور وانها قادرة على حماية المنشآت النفطية والعاملين الاجانب فيها.